ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

ما العمل (٢).. الفتنة صناعة نظام

د. عماد جاد | 2016-07-25 08:13:08

تنتمى الغالبية الساحقة من المصريين إلى نفس العرق وذات الأصل، والأقلية منهم تنتمى لأعراق متباينة وفدت إلى مصر فى ظروف متباينة ما بين قوات غازية ذاب أحفاها فى المجتمع أو باحثين عن أمن وأمان فى أزمان فقدت فيها أوطانهم الأمن. ومن بين أبرز السمات التى يتمتع بها الشعب المصرى أنه شعب خفيف الظل يعشق الحياة، وفى نفس الوقت فهو متدين من قبل أن تأتى الديانات الإبراهيمية، فالشعب المصرى كان متديناً فى زمن الفراعنة وعرف التوحيد على يد أخناتون من قبل أن تعرفه الشعوب الأخرى أو تأتى به الديانات الإبراهيمية. وربما تعبّر مقولة «ساعة لربك وساعة لقلبك» عن جوهر الشعب المصرى الذى أضفى طابعه الخاص على كل ما ومن وفد إليه. الشعب المصرى يكره الدم والعنف،

لذلك لم يدخل فى دوامة الدماء والعنف التى دخلت فيها شعوب أخرى مجاورة لنا، ثار مرتين فى ثلاثين شهراً وأطاح بنظامين بالحد الأدنى من الخسائر البشرية، دفع أقل من ألف وخمسمائة شهيد مقابل مئات الآلاف دفعتها ولا تزال شعوب العراق وسوريا وليبيا. وإذا كان البعض يهدد بحمامات دم أو بحرب أهلية فهو واهم وكاذب لاعتبارات عديدة أبرزها سمات الشعب المصرى الرافضة للعنف والدم والتى تتصدى بحسم لكل محاولات نشر الفوضى ونثر الدماء، ومنها أيضاً طبيعة الجيش المصرى كجيش وطنى شعبى، فالجيش المصرى لا يستند إلى أساس دينى أو طائفى أو عرقى أو جغرافى (جهوى) بل هو جيش وطنى شعبى يمثل كافة شرائح المجتمع المصرى،

ولذلك كان وسيظل الجيش بعيداً عن محاولات العبث التى قامت بها الجماعة من أجل مد حلم الأخونة لضمان السيطرة عليه. ويمكن اعتبار محاولات الجماعة لأخونة مؤسسات الدولة بمثابة امتداد لمحاولات النظم منذ رحيل عبدالناصر لزرع الفتن فى المجتمع المصرى جرياً على المبدأ الاستعمارى القديم «فرق تسد» الذى حولته إلى «فرق تحكم»، فقد جاء السادات فاقداً للكاريزما وسمات الزعامة، بحث عنها فوجدها فى رفع الشعارات الدينية والتفرقة بين المصريين على أساس دينى طائفى. من جانبه قاوم المجتمع المصرى محاولات زرع الفتن عبر تصدير المشترك الوطنى، لكن النظام نجح عبر حزمة من السياسات فى زرع بذور الفتن الدينية والطائفية، فقد عمل نظام السادات على استخدام التعليم والإعلام ورجال الدين فى نشر التشدد والطائفية، تحالف مع جماعة الإخوان، أفرج عن رجالها الذين كانوا فى السجون، سمح بعودة قيادات الجماعة من الخليج، وتحديداً السعودية، ليُحكموا السيطرة على نظام التعليم، انتشروا فى بيروقراطية الدولة، نشروا أكاذيب حول توجه الكنيسة المصرية لإنشاء دولة مستقلة، صدّق السادات الكذبة وأمر بوضع خانة للديانة فى كل عقود البيع والشراء حتى يراقب عمليات التعامل على الأراضى والعقارات ويرصد توجهات المسيحيين المصريين للشراء والإقامة.

زرع السادات بذور التعصب والطائفية فى المجتمع المصرى فنضجت ثمارها المرة وكان الحصاد دموياً ودفع السادات حياته ثمناً لتلاعبه بهذه القضية. من بعده جاء مبارك ولم يتعلم الدرس، واصل رعاية شجر التعصب والطائفية فجنت مصر وشعبها ثماراً مُرة عشرات المرات تحت حكم مبارك وأوصل المجتمع المصرى إلى شفا الانفجار الدينى والطائفى وقد توقف بفعل ثورة الخامس والعشرين من يناير. وكأن قدر مصر أن تواصل المعاناة من سياسات التعصب والطائفية لذلك خطف الإخوان الثورة وأقاموا نظاماً متعصباً دينياً وطائفياً ووضعوا دستوراً لدولة تميز بين مواطنيها على أساس من الدين والطائفة، لكن الشعب المصرى ثار مرة ثانية وخلع حكم الجماعة وبدأ يتطلع إلى إرساء أساس لدولة مدنية حديثة تنهض على حكم القانون وعلى مبادئ المواطنة، والمساواة، وعدم التمييز.

يمكننا أن نقول إن الفتن فى مصر هى صناعة حكومية أو صناعة نظام، فهل يمكن وقف هذه الصناعة؟
نقلا عن الوطن

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com