د. مينا ملاك عازر
رغم ثقتي عزيزي القارئ في أهمية كل كلمة تقال في هذه اللحظة لكنني أفضل ولأسباب تخصني أن أنقلك صديقي القارئ عبر التاريخ قرابة مئة وأربعين عام حتى نستطيع الاستمتاع به، لعلنا نأخذ منه عبر.
انتهز السلطان العثماني فرصة عزل الخديوي إسماعيل و قام بإعادة تقييد السلطات الخديوية التي كان قد منحها لإسماعيل، فأصدر فرماناً في 7 أغسطس 1879م يلزم الخديوي بإبلاغ الباب العالي بنصوص المعاهدات التي تنوي مصر توقيعها و تحديد الجيش مرة أخري بحيث لا يزيد عن 18 ألف في وقت السلم، وكذلك حظر عقد قروض جديدة إلا إذا كان الغرض منها تسوية الديون القائمة، و يكون الأمر باتفاق الدائنين.
وكانت أول وزارة لمصر في عهد توفيق يرأسها شريف باشا، و كان رجلاً نزيهاً يحترم الدستور و يتمسك بتشكيل مجلس النواب. لذلك حاربه قنصلا انجلترا و فرنسا لأن وجود مجلس للنواب من شأنه تعطيل مصالح الدائنين عندما تناقش الأمور في مجلس النواب.
و لقد تلاقت تحفظات قنصلا انجلترا وفرنسا مع ميول الخديوي توفيق الاستبدادية، فبادر بحل وزارة شريف باشا و ألف وزارة يرأسها هو بنفسه في 12 سبتمبر 1879م، وأثناء وزارة توفيق، قام بإعادة الرقابة الثنائية، وكانت قد توقفت بعد إدخال وزيرين انجليزي وفرنسي لعضوية الوزارة.
و لقد جرٌت الرقابة الثنائية الأجنبية علي مصر الذل و الهوان حتي انتهت بالاحتلال الانجليزي، فبناء علي سياسات الرقابة الثنائية قامت الحكومة ببيع حصة مصر من أرباح القناة و قدرها 15% لاتحاد الماليين بباريس وفاءً للديون فأصبحت مصر لا تملك شيئاً من قناة السويس.
كما تألفت لجنة دولية من الدول التي لها معظم الديون لبحث الحالة المالية وتحديد علاقات كل من الحكومة والدائرة السنية (أملاك اسماعيل) وأملاك الدومين (أملاك أسرة محمد علي وإسماعيل) بالدائنين وطريقة تصفية الديون السائرة، ونتج عن هذه اللجنة قرارات بتخصيص نفقات الحكومة السنوية بأقل من نصف الإيرادات وتخصيص النصف الآخر لسداد الديون القائمة، وكذلك وضع أملاك إسماعيل وأسرته تحت إدارة دولية كضمان للديون التي تم الاقتراض باسمها.
الحقيقة أن كل هذه التدخلات الأجنبية المتنامية كانت كفيلة بإيقاظ الشعب للوقوف في وجهها، فكانت الحركة الوطنية التي أخذت أشكالاً عدة والتي منها ما عُرِف تاريخياً بالثورة العرابية، على كل حال كانت مسألة الرقابة الثنائية على الاقتصاد ومن قبلها مسألة صندوق الدين caisse de la detteالذي استمر من عام 1877 وحتى 1940 من أسباب غضب الشعب المصري والتضييق عليه وعلى اقتصاده ونهب ثرواته كما كانا أيضاً بسبب الإنفاق ببذخ وهدر الأموال فيما لا يعيد بالفائدة على البلاد والعباد، وكانت المشاريع كلها تصب في شكليات الحضارة، وهو ما لا يعد استثمار فقد أخذ القائمون على حكم مصر يهتمون بالمظاهر ببناء المدن والميادين وأهملوا المشاريع الاستثمارية ذات العائد، فتدخل الأجانب في كل صغيرة وكبيرة حتى احتلت مصر وسقط حكمهم ورزلهم الشعب.
المختصر المفيد ربنا يستر
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com