بدا واضحاً أن المشهد الخاص بالإعلام الرسمى أو الحكومى بات مرتبكاً للغاية، نفس الارتباك بدا واضحاً أيضاً على إعلام رجال الإعلام الذين عملوا فى مرحلة الاستبداد والسلطوية وعايشوا الإعلام الحكومى الموجه والمسيطر، وليس بمقدورهم إدراك طبيعة التغيرات التى يمر بها النظام السياسى، وبالتبعية دور الإعلام فى المرحلة الجديدة، ويمكن القول إن رجال الإعلام الحكومى يعدون عقبة كأداء فى مسيرة عملية التحول الديمقراطى، فهم أكثر مقاومة لعملية التحول بما تتضمنه من فقدان للنفوذ والمكانة التى تنبع من مداهنة الحكومة وموالاتها على حساب كل قيم الإنسانية وعلى رأسها قيم الحرية، المهنية والديمقراطية.
ولا يقل إعلام رجال أعمال نظام مبارك ارتباكاً واضطراباً من الإعلام الحكومى، فهذا الإعلام يعمل لخدمة مصالح أصحاب رأس المال وأجندتهم، ويحددون مواقفهم من التحولات الجارية من منظور ضيق للغاية وهو منظور المصلحة المباشرة، ومن ثم تتسم مواقفهم بالتذبذب الشديد، فتارة يكونون مع النظام وأخرى يلعبون دوراً سلبياً فى حال إدراك أن التحولات تسير على غير هواهم.
المطلوب اليوم تنظيم مجال الإعلام المرئى على نحو يضع قواعد عامة للعمل، وميثاق شرف بين ملاك القنوات يضبط أداء الإعلاميين، مع اهتمام من الدولة برعاية الإعلام الخاص الذى بات يلعب الدور المحورى فى دفع قاطرة التطور باتجاه الديمقراطية والتعددية، رغم الأخطاء ورغم التجاوزات التى تصدر عن بعض الإعلاميين، فإن رعاية الدولة مطلوبة بشدة، والمقصود بالرعاية هنا ضبط هذا المجال وتوفير الحماية السياسية والقانونية للقنوات المصرية فى مواجهة محاولات الهيمنة من قبل شبكات غير مصرية، مثلما تفعل الدول الأخرى التى تسعى بعض القنوات المنتمية لها إلى الهيمنة على فضاء الإعلام المصرى، فالقنوات المصرية الخاصة لعبت دوراً جوهرياً فى تصحيح مسار ثورة الخامس والعشرين من يناير وتفجير ثورة الثلاثين من يونيو والدفاع عن هوية وكينونة الدولة المصرية، واستمرار هذه القنوات فى أداء مهامها بات مسألة أمن قومى مصرى، المهم هنا أن تدرك الحكومة أنه من المستحيل إعادة عجلة الزمن إلى الوراء فما مضى قد مضى وأصبح جزءاً من التاريخ، ولا مجال لإعادة استنساخ إعلام الستينات، فمجرد امتلاك الحكومة لأداة إعلامية كفيل بتراجع مصداقيتها وانصراف غالبية الجمهور عنها، كما أن الأجيال الجديدة لديها عالمها الخاص المتمثل فى الفضاء الافتراضى ومواقع التواصل الاجتماعى، دخول الحكومة طرفاً فى امتلاك وسائل الإعلام سيرتب تداعيات سلبية على مستقبل وسائل الإعلام المصرية ويفقدها قدراً مما تتمتع به من مصداقية ومن ثم دفع قطاع من الرأى العام المصرى إلى البحث عن بدائل للقنوات المصرية، وهنا تتاح الفرصة للجوء إلى قنوات معادية كالجزيرة وقنوات الإخوان التى تبث من تركيا، إضافة إلى القنوات الدولية الناطقة بالعربية، هذا كله فضلاً عن التكاليف الباهظة لهذه الصناعة التى يمثل دخول الحكومة فيها نوعاً من إهدار المال العام.
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com