من بين أهم وأبرز مكتسبات ثورة الثلاثين من يونيو أنها سارت بنا خطوات على طريق تجاوز حالة الطائفية المقيتة التى أمسكت بتلابيب العقل الجمعى المصرى منذ نهاية الستينات، ومطلع السبعينات من القرن الماضى، فقد صمد النسيج الوطنى المصرى أمام محاولات شيطانية لتفجير صراع دينى - طائفى فى البلاد، خطط الإخوان لحرق عشرات الكنائس وتدمير أديرة تاريخية والتنكيل بأسر قبطية فى صعيد مصر وذلك فى محاولة لجر الأقباط إلى رد فعل يوظف لاحقاً فى تفجير البلاد دينياً وطائفياً على النحو الحالى اليوم فى سوريا والعراق. لكن التماسك الذى أبداه النسيج الوطنى المصرى نجح فى تجاوز مؤامرات الجماعة، فقد خرج البابا تواضروس الثانى ليقول إن ما يجرى لكنائس وممتلكات الأقباط إنما هو جزء من ضريبة للوطن، وقال عبارته الشهيرة التى أحسب أنها ستظل خالدة وهى «وطن بلا كنائس، أفضل من كنائس بلا وطن». بهذه الكلمات وبتلك الحكمة أجهض البابا مخطط الجماعة وأجج الشعور الوطنى لدى الأقباط.
عبرت مصر المرحلة الانتقالية بنجاح شديد وتمكنت من وضع لبنة إضافية فى صرح البناء الوطنى، لكن المشكلة الحقيقية تتمثل فى الميراث الطائفى المركب والمعقد فى نفوس المصريين وفكر وأداء بعض مؤسسات الدولة، فالميراث الطائفى البغيض مركب، وهو ميراث ثقافى وسياسى تاريخى ناجم عن موروث قديم غذاه فكر وهابى مقبل من صحراء قاحلة، لا تقبل بالتنوع والتعدد والاختلاف، تأبى التعايش مع مبدأ المواطنة وترى فى المشابه الدينى مهما بعد جغرافياً ولغوياً وعرقياً، أقرب من الشقيق المغاير دينياً وطائفياً، هذا الميراث تغذى تاريخياً وأحياه السادات وضخّمه الفكر الوهابى فى الحقبة النفطية. وقد تغلغل هذا الفكر فى عقول الكثير من المصريين ودخل إلى عدد من مؤسسات الدولة، فباتت ملامح الطائفية تظلل أداء هذه المؤسسات، ورغم ما جرى منذ الخامس والعشرين من يناير وتجارب العيش المشترك والنضال فى الثلاثين من يونيو، فإن بقايا هذا الفكر لا تزال قوية. فى المقابل، عاش الأقباط فى مصر فترة صعبة للغاية اعتباراً من سبعينات القرن الماضى مع مجىء السادات الذى رفع شعارات دينية، أسس وموّل وسلح الجماعة الإسلامية فى صعيد مصر، حاول تطبيق الشريعة الإسلامية بما فى ذلك تطبيق الحدود، سحب مظلة الدولة من فوق رؤوس الأقباط وحرمهم من سمات المواطنة، فتقوقع الأقباط ولجأوا إلى الكنيسة، احتموا بأسوارها ومارسوا كافة الأنشطة داخلها وبنى جداراً ضخماً من الشك بينهم وبين المجتمع.
أحدثت ثورة الثلاثين من يونيو شرخاً كبيراً فى جدار الطائفية البغيض، لكنها لم تهدمه، فذلك يتطلب معركة طويلة ونضالاً متواصلاً على كافة المستويات، يتطلب تحديث وتطوير وعصرنة الخطاب الدينى على الجانبين، يتطلب كسر دائرة الفوقية التى زرعها الفكر الوهابى فى نفوس مسلمى مصر، وكسر دائرة الشك والريبة التى تسيطر على القطاعات الأكبر من أقباط مصر، يتطلب تغيير مناهج التعليم وحذف كل ما يضرب قيمة ومبدأ المواطنة بداخلها، تكريس مفهوم الوطن والمواطنة، احترام وتقدير القيم الإنسانية من عدل ومساواة وحرية وحقوق متنوعة من الحق فى الحياة إلى حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية والتعبير عن الرأى.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com