الشخص الذى من المفترض أنه رياضى سافر ليمثل وطنه فى الاحتفال العالمى الأرقى فى هذا المضمار، أظنه لا يدرك خلفية التراث الأولمبى الإنسانى الرفيع المؤسس فى الأصل لإحياء القيم الراقية، من خلال استبدال ساحات الصراع الكريهة والمؤلمة بأخرى تعظم من قيم التعايش والتنافس الشريف فى مضمار التفوق الرياضىً.
الشخص الذى ظننت فيه أنه لا يعلم تلك المفاهيم لم أقصد أن أمارس عليه أى نوع من التعالى أو التقعر فى الخطاب، بل هذا ما بدا منه عندما اختار طابور العرض الرئيسى للأولمبياد ليرفع علماً لدولة شقيقة بجوار علم دولته، ليسجل باسمه واقعة قياسية غير مسبوقة ولن تكون لاحقة أبداً باليقين، ليس مصرياً فحسب ولكن لدى أى رياضى ينتمى لأى دولة فى العالم، فهو ومن معه ممن رأى وسمح ومرر تحت وطأة قصور عميق بالإدراك لم يلتقط مغزى أن يتقدم كل بعثة علم الدولة، وأن كافة لاعبى البعثات يرفعون علم بلدانهم كطقس شهير له دلالته الوطنية التى تجمع بين العزة والفخر والمساواة الكاملة بين الدول، فبعثة أمريكا لها علم رئيسى واحد بنفس حجم علم هايتى والمكان المخصص للبعثة الروسية يوجد مثيله لدولة جيبوتى، لذلك بدا مشهد الشخص المصرى الذى يسير وسط بعثة دولته شاذاً وبعيداً تمام البعد عن أى سياق مما حوله.
ومما كان فى السياق تماماً هى مشاعر الغضب والغيظ والحنق الذى شعر به المصريون ممن تابع هذا الموقف أو حتى سمع به، وقبل أن نسترد أنفاسنا تناقلت وسائل الإعلام تعليقاً لرئيس البعثة ومن الشخص نفسه، تحمل تصوراً أشد بؤساً من الواقعة ذاتها، فرئيس البعثة الذى لم يصدر قراراً فورياً باعادة هذا الشخص على أول طائرة مقبلة لمصر، تلّبس عباءة التبرير الساذج وساق من الكلمات العقيمة التى أجابت عن مجموعة من الأسئلة الموازية، فالمظهر العام للبعثة بعيداً عن تلك الواقعة المشينة يدعو للرثاء ويشى بقدر كبير من الارتجال، مظهر الإداريين ومندوبى الاتحادات الرياضية وهم يتقدمون طابور البعثة المصرية سخيف للغاية، بسنهم الكبيرة وببدلاتهم الكاملة فى مضمار رياضى يحتفى برياضيين، وباقى اللاعبين بملابسهم الفقيرة ذوقاً لم يلفتوا أنظار أحد ولا يوجد ثمة ما يدعو لأى إعجاب أو انبهار، وهذا من المستهدف حتماً فى مثل تلك الفعاليات.
أتصور أن هذا الكم من البؤس شهد فى خلفيته آلافاً من كلمات «معلهش، حصل خير، مش عايزين نكبر الموضوع، خلينا فى المهم»، وهو للمفارقة لن يذهب أحد لأى خطوة مهمة فتلك هى سيمفونية الهروب من الجودة التى نتقنها فى كل أمورنا، فضاع وتاه المهم الحقيقى الذى تنازلنا فيه عن الإجادة والصح والأصول التى يجب أن تسود، استبدلنا ذلك بقدر هائل من العشوائية والاستهانة والقدرة الفذة على التمرير، تحت مسميات الطيبة والمهارة والدماغ الكبيرة والحمد لله على المتاح، لكن نحن من سندفع الثمن وقد بدأنا فى سداده بالفعل، فالإتقان والجودة عملتان نادرتان فى معظم مجالاتنا، رضينا أن نمرر أخباراً ملفقة وكاذبة فى صحفنا لسبب وبدون، وأتقنا صناعة الذرائع فخرج إعلامنا من المنافسة، شهدنا جميعاً على مأساة التعليم وفظائعه وصمتنا، فخرجت علينا أجيال كاملة مشروخة الوعى فاقدة المهارة، سمحنا للقبح أن يسود شوارعنا ومررنا كافة أشكال الفساد التى ترتكب فيه، فانقلبت حال مدننا وأحيائنا إلى هم ومعركة يومية يخوضها الجميع لمجرد قضاء اليوم، وقفنا أمام مشكلة النقل العام وكأنها لغز فضائى، لدرجة أنه ليس لدينا محطات محددة لخطوط الحافلات، فإذا بالملايين من شبابنا يعملون سائقين على مختلف وسائل النقل الخاص، فى الوقت الذى تفرغ المصانع والحقول من سواعدهم، قائمة المجالات المشابهة طويلة وقاسية لأنها تحتاج إلى جهد وتخطيط واستيعاب، وهذه الأفعال مع الانضباط الصارم تعنى باختصار «الجودة»، التى من دونها أو التساهل فيها نحكم على أنفسنا بما اقترفه هذا الشخص ورئيس بعثته.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com