* كثيرون في "مصر" يفتون بغير علم، ويرفضون قول "لا أعرف".
* كل فرد يسير في اتجاه مختلف، ولدينا عقدة "الأنا".
كتب: ناظم نور الدين
لازلنا في "مصر" لدينا مشاكل مع الآخر- أي آخر، وكل آخر- حتى وإن كان يشترك معنا في نفس الخلفية الثقافية والإجتماعية. لازالت الأمور تتحوَّل من النقاش إلى الصدام بسرعة غريبة. وعلى كل المستويات، أصبحنا متشددين في طرح آرائنا.. أصبحنا جميعًا نفعل هذا بشكل يومي، حتى وإن كان ما نتعرَّض له بالنقاش هو شئ تافه بالأساس! أقول جميعًا وأقصدها برمتها، حتى منْ كان منا يملك قدرًا من الثقافة، ولا أستثني نفسي من ذلك الفعل.
طبعًا لا يخلو الأمر من فروق نسبية بين كل واحد والآخر، ولكننا جميعًا نشترك في هذا الفعل، حتى وإن كان يظهر بشكل مناوشات، فهي في النهاية نوع من أنواع إثبات الرأي الذي أنتمي إليه وأؤمن به. فأنا أعتقد أن الاختلاف بيننا يفسد للود قضية، إن كانت اختلافات على المستوى السياسي، أو الديني، أو رأينا في أحد الفنانين. وتظهر جلية تمامًا في اختلافنا حول فريق الكرة الذي نشجِّعه.. فأصبح هناك دائمًا طرفين أو أكثر يصطدمون لإثبات أن وجهة كل منهم صحيحة، دون أن يحاولوا- فقط يحاولوا- تجريب فكرة الحوار والمجاورة. فإننا نستطيع أن نعيش بجوار بعضنا البعض دون الصدام.. من الممكن أن يحيا الوفدي بجوار التجمعي بجوار الوطني دون وجود صدامات لا تفعل شيئًا سوى تفكيك عناصر المجتمع الواحد، والمفترَض فيها من الأساس أن تكون مترابطة، وأن يحيا المسلم والمسيحي جنبًا إلى جنب في وطن دستوره يحترم كل الأديان والعقائد، ويكفل حق الاعتقاد لأي شخص،
شغلتني كثيرًا بعض الأسئلة حول كيفية التعامل مع الآخر؟ وهل فعلاً الاختلاف في الرأي لا يُفسد للود قضية، كما يقول المثل العربي الشهير؟ ولذا طرحت هذا السؤال على كثيرين يختلفون فيما بينهم في أيديولوجياتهم وانتمائاتهم وخلفيتهم الثقافية والإجتماعية؛ حتى تكتمل الصورة لدينا، ونضع أيدينا على مشكلة كبيرة نعاني منها، لو عولجت لاكتشفنا علاجات مشاكل كثيرة تنخر في مجتمعنا.
الاختلاف في "مصر" يُبنى على التعالي والتقليل من شأن الآخر
في البداية، قالت "فاطمة المرسي"- 55 سنة- وهي شاعرة قضت وقتًا كبيرًا من حياتها بـ"الولايات المتحدة الامريكية": إن الاختلاف في الرأي مع المصريين يقطع كل أواصر الود، حيث الكل يجامل بعضه، ولا يختلف معك في الرأي إلا منْ يتحداك ويود إحراجك أكثر مما يود إيضاح الحقيقة. مشيرةً إلى أن الاختلاف في الرأي يُبني أساسًا بين المصريين على التعالي والتقليل من شأن الآخر وإظهار جهله بطريقة غير مقبولة ومتعالية، عكس المجتمعات الراقية، والذي يُبنى فيه الاختلاف على احترام وجهة النظر الأخرى والاستفادة منها، وتقديم الشكر لمن يوضِّح معلومة جديدة أو يفيد علميًا، ويكون سعيدًا بأنك على علم ودراية. موضحةً أن كثيرين في "مصر" متخصصون في الفتوى بغير علم، ويرفضون قول "لا أعلم" تكبرًا، أما في "أمريكا" فلا يخجل أحد من قول "لا أعلم" ويقولها بكل سهولة.
أنواع علاقات المصريين مع الآخر
وأوضح "طارق نجيب"- 24 سنة، ملحِّن- أن المصريين في اختلافهم مع الآخر أنواع، منها: المتعجرف الذى لا يقبل سوى رأيه، ولا يعرف أن يسمع إلا صوته. والمجامل الذي يوافقك على كل ما تقول، رغبةً في ترك ذكرى طيبة معك. ومن يرد عليك بعكس ما تقول لمجرد أنه "يزهقك". ومن يدّعي الثقافة ويؤلف كثيرًا لإظهار إنه "مالوش حل في الدنيا" وإنه "أحسن من الكل". والمعتدل الذي يعرف أن يرد، وينسى رأيه إذا اقتنع برأيك. والمثقَّف الذي يستطيع أن يحوّل الاختلاف إلى استفادة من كل ناحية "يفيدك ويستفيد". ومن لا تفرق معه كثيرًا "ولا على باله" والذي إذا اختلف معك لا يكلِّف نفسه استكمال النقاش. والمتشائم الذي إذا اختلف معك لا يناقشك لعلمه بعدم جدوى النقاش. وفاقد الثقة في نفسه، والذي لا رأي له ودائمًا "موافق". والمنافق الذي يوافقك لمصلحة، ولكي ترغب دائمًا في الحديث معه.
أنا وبعدي الطوفان
وأكّد "نجيب" أن الاختلاف في "مصر" يفسد للود قضايا وليس قضية واحدة. مدللًا على ذلك بعدد التيارات الموجودة في "مصر" في المجال السياسي، والديني "مسيحي أو مسلم أو بهائي"، والفني . مشيرًا إلى أن كل فرد يسير في اتجاه مختلف ولديه عقدة الأنا "أنا وبعدي الطوفان"، وأنه دائمًا على صواب، مما يترتب عليه الكثير من المشاحنات كالتي نراها في الانتخابات..
التعصب للرأي
وأشار "أحمد علواني"- 25 سنة، مونتير ومخرج هوا- إلى أنهم كانوا يقومون بدراسة في أحد الجامعات كباحثين ميدانيين، وكانت الدراسة عبارة عن رسالة ماجستير لمصري وُلد وعاش بـ"ألمانيا" تتحدث عن الآخر. وكان دورهم كباحثين النزول لمعرفة آراء الناس حوال فكرة الدراسة على شرائح مختلفة من "مصر" خاصة والوطن العربي عامةً، وقد اقترحوا كباحثين أن تكون أعمار الشريحة ما بين 18 : 40 سنة لتشمل قطاعًا كبيرًا من الناس، فرفض الباحث رأيهم بشكل قاطع دون مناقشة، وقرَّر أن يكون عمر الشريحة من 45 : 60. موضحًا أن من يحاولون عمل أبحاث عن الاختلاف في الرأي هم في الأساس يتعصبون لرأيهم، ولديهم مشاكل كبيرة مع الآخر، حتى وإن كانوا قد اطلعوا على ثقافات أخرى من المفترض أنها معتدلة. وقال: إنهم اضطروا أن ينسحبوا من الدراسة؛ لعدم اقتناعهم برأي الباحث الذي مارس عليهم سلطة، من المفترض في الأصل أنه يحاربها.
نوعية الآخر
وأوضحت "هدير نور الدين"- طالبة، 19 سنة- أن هناك أسئلة هامة يجب أن نسألها في البداية مثل: من هو الآخر؟ ما هي درجة مرونته في إقامة حوار؟ هل هو معتدل في آرائه أم متعصب لها؟ مشيرة إلى أن الأمر يختلف حسن نوعية الآخر الذى تتعامل معه. وقالت: إنها كـ"زملكاوية" تشجِّع فريقها وليست متعصبة له، ولكنها لا تقبل أن يتعامل أحد معها بتعصب مقابل اختيارها وتفضيلها لشئ. وتساءلت: لماذا لا نحترم اختيارات الآخرين ونحترم أفكارهم ومعتقداتهم؟ لماذا توجد فكرة أنت أهلاوي وأنا زملكاوي؟ أنت مسلم وأنا مسيحي؟ مضيفةً أن لها صديقات مسيحيات كثيرات، وإنهن يتعاملن سويًا بشكل إنساني بغض النظر عن معتقداتهن، واتجاهتهن، حيث لاتزال جارتها المسيحية تزورها في الأعياد، وهى أيضًا تقوم بزيارتها.
عدم وجود ثقافة تقبُّل الآخر
أما عن أسوأ مواقف الاختلاف التي تعرَّضت لها، قالت "هدير" إنها كانت مع أحد أساتذتها بالكلية، والذي حينما رن موبايل صديقتها بأحد الأغاني الشبابية نهرها بأنه "حرام"، وعندما رن تليفونه بعد بضعة أيام بنغمة لـ"أم كلثوم"، وسألته: هل الأغاني الشبابية حرام وأغاني "أم كلثوم" نزل بها نص؟ اختلفا في الأمر، وكانت النتيجة رسوبها بمادته رغم أجادتها لها. وأضافت: نحن لا نملك ثقافة تقبُّل الأخر، وهو أمر يجب تدريسه في المدارس، حتى نكون على دراية بالآخر، وكيفية التعامل معه، بدلاً من الصدام معه.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com