بقلم: القمص أثناسيوس ﭼورﭺ
كثيرون بل جميعنا نشعر بضيقة قاسية من ناحية اختلال موازين الحق عند من يُطلب منهم العدل والحق... وقراءة واعية لما يدور حولنا نجد أننا في هذه الأيام نجتاز محنة بل ومحن متوالية من جهة إيماننا. فأزمنة الاستشهاد والاضطهاد قائمة بنفس ضراوتها٬ وإن اختلفت الآلات والأدوات... إننا نُجرَّب ونتغربل ونُمحَّص ولا بد أن يكون هذا كله٬ ولا بد أن نقتنع أن ما وُعدنا به هو الحادث أمامنا نعاينه ونُعانيه٬ إذ أن الأوراق الشكلية والمزيفة قد سقطت جميعها كورق التوت٬ ولا يمكن لأحد أن يزيف الواقع والحقائق التي على الأرض٬ من ذبح وحرق وسجن وازدراء وتشفٍّ وتلفيق ومحاربات وقمع وقوات الشر مجتمعة٬ والتي نؤمن أنها تتحول إلى استعادة واستزادة٬ وسيبرز وراء هذا الشكل المفكك بحسب الفكر البشري الكليل عمل الله المبني بالحجارة الحية٬ والذي يحتلّ فيه الله الديان العادل مركز المنارة.
إن الكرّام أيضًا لا بُد وأنه صانع أمرًا جديدًا٬ ولا بُد وأن يعمل عمله... ولا يمكن أبدًا أن نشك في قدرة القدير٬ كأنه جبّار عاجز٬ أو إله لا يسمع ضجة وصراخ ودماء وأنين القلوب المتراصّة أمام مذبحه كل يوم٬ إنه حقًا يسمع أنينهم٬ وقد وعد بإنقاذهم وسيرفع عنهم هذه الأتعاب ويقرر لهم سلامه٬ هذه القلوب تدعوه وتترجاه أن يتحنن على عروسته٬ كنيسته التي في مصر٬ كي يطّلع وينظر ويتعهد هذه الكرمة التي غرستها يمينه يُصلحها ويثبتها٬ وأن يتفضل ويعمل عملًا عجيبًا في كل بقاع مصر التي زارها وبارك أرضها ونيلها... وكلنا ثقة بأنه ساهر على كلمته ليُجريها٬ وعلى كنيسته ليحرسها٬ وعلى بيعته لينميها٬ وعلى رعيته ليقودها في وادي البكاء٬ وليُحيي عمله فيها في وسط السنين٬ وإن تمهل فلا يُحسب ذلك له تباطؤً٬ إذ أن ملكوته كالخميرة التي تعمل في هدوء ونشاط لتخمِّر العجين كله٬ بينما قد يُظن أنها مُعطلة أو مُهملة أو مؤجَّلة.
وفي هذه المحطة من مسيرتنا اُختُطفت نفوس وذُبحت وهي بريئة٬ وأُحرِقت بيوت وأسباب عيش بسطاء الناس٬ وتقيدت نفوس في السجون بسبب دفاعها وثباتها في إيمانها وطمعًا منها في عبادة ربها٬ كذلك تكممت أفواه كريمة ناطقة بالحق والعدل والصلاح٬ ففي ساعات الظلمة ينتهز الشيطان كل الفرص ليهيج أبناء المعصية فيضرب ويذبح ويهلك وينهب٬ إلا أن كلمة الله لا تُقيّد وهي أمضَى من كل سيف ذي حدين٬ وناموسه ليس فيه اعتساف أو تشويش٬ حتى وإن اختلت الموازين وتعرض المؤمن لمظالم أو انهزم في موقعة الأشرار.
إن مسيحنا غلب الشر بالألم والمحبة والشجاعة٬ بالغفران والتسامح والحق والمسالمة أيضًا٬ وبهذه فقط يصير نِيره سهل الحمل وحمله خفيفًا على المناكب٬ بدونه لا نقدر ولا نقوى على احتمال ما نحن فيه إلى آخر نسمة من حياتنا عندما نُسلَّم إلى الضيق ونصير مُبغضين ومرفوضين.
إن احتمال الألم ليس أمرًا استثنائيًا ولا جزءً مُضافًا٬ بل ضرورة حتمية ضمن إيماننا٬ لا نبحث عنه ولا نطلبه لكننا نقبله إذا وُضع علينا. وقد قيل أن القريب من السيف قريب من الله٬ وأن تكون وسط الوحوش يعني أنك مع الله... بالطبع إن ذلك يحتاج إلى استعداد وجهاد وتدريب وفهم ونعمة وقبول٬ لأن الذين جبُنوا وارتدوا عن الإيمان لم يكونوا مستعدين ولا متدربين٬ لذا عجزوا عن احتمال صراع شديد كهذا٬ فقد كان المسيحي يستعد ليألف السجن ويمارس الجوع والعطش ويقبل الحرمان٬ حتى أنه يدخل السجن بنفس الكيفية كما لو كان خارجًا منه حالًا٬ فلا يعود يستصعب العقاب ما دام هذا العقاب هو ضريبة حفظه للأمانة (الإيمان). شجاعتنا في صمودنا وتمسّكنا بعقيدتنا من دون شائبة٬ لأن الشجاعة ليست هي الإساءة أو التخريب أو الاستكبار أو مبدأ العين بالعين٬ وقد قال غاندي (عندما تخلع لي عينًا وأخلع لك عينًا فهذا يؤدي إلى عالم كله عميان) إنها شجاعة الحملان واقتدار الصليب٬ ومجدنا يصير بصليبنا.
وتاريخنا يشهد... لكن هذا التاريخ يبقى مجرد أدبيات وتراث إذا لم نَعيه ونُتقنه ونستوعب دروسه٬ حتى نجتاز هذه المحن التي نمر بها. كذلك لا بد أن نتنبه بأن الصلاة ليست عملًا سلبيًا أو أمرًا كماليًا وإضافيًا كي يُفرج الله عن إخوتنا المقبوض عليهم والمكروبين٬ فحينما نكف عن الصلاة فإن إبليس العدو الشرير يغلبنا٬ أما حينما نلتزم بالصلاة فإن قوة المضاد تبقى عديمة التأثير٬ ويرسل الله ملاكه فيسد أفواه الأسود ولا تقدر أن تضرنا٬ مثلما حفظ الله دانيال وتروضت الوحوش وسجدت أمامه ولم يُصبه أذىً بل خرج من الجُب حيًا٬ وشارك في القيامة وصار سيدًا لأعدائه.
فليبارك الله المهتمين بخدمة احتياجات المقبوض عليهم٬ وليعط الله نعمة لكل من يدافع عن بائس أو مظلوم... وها الفرصة مواتية لنا جميعًا في هذا الشهر المريمي أن نطلب شفاعة العذراء حالّة الحديد٬ لتحل قيد هؤلاء الأبرياء الذين شوههم الإعلام المضاد وجعلهم في مصاف أجرم المجرمين... نطلب شفاعة أم المعونة والرحمة لتُعين هؤلاء المسجونين فيتشددوا ويتحملوا الاتهامات والمظالم الملفقة لهم٬ ونناديها يا من لا نترجى سواها نسألها باكر وعشية ونتعلق في طرف ردائها وملابسها النورانية٬ التي رأيناها على قباب كنائسنا كرسالة ثبات وتعزية... ليتنا نعمل ونصلي... ونصلي ونعمل حتى يحكم الله للمظلومين وينعم علينا بالمسرة ويبني أسوار كنيسته ويُسَر بذبائح البر التي قُدمت كقرابين سُمان من أجل اسمه العظيم القدوس.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com