شدّدنا أمس على أن زحف المكون الأمنى على المجال العام والسماح للأجهزة الأمنية بلعب دور خارج إطار كل ما له علاقة بالأمن يقود إلى كوارث حقيقية ويُجهض أحلام وطموحات المصريين فى بناء دولة مدنية حديثة ويضرب فكرة السير باتجاه دولة ديمقراطية، لأن الأجهزة الأمنية ذات بنية غير ديمقراطية، وترى أن حزمة الحقوق والحريات تُعرقل جهودها ونشاطها، ومن ثم فهى بحكم التكوين معادية لكل ما هو مدنى - ديمقراطى. وحتى تبنى دولة مؤسسات لا بد أن تخضع الأجهزة الأمنية لسيطرة ورقابة محكمة من قِبَل الحكومة كسلطة تنفيذية، وتكون للبرلمان المرجعية النهائية فى المحاسبة من منطلق امتلاكه سلطة الرقابة على السلطة التنفيذية، أى الحكومة وأجهزتها الأمنية.
زيادة مساحة الدور المخصّص للأجهزة الأمنية فى أىّ نظام يعنى ببساطة أن النظام غير ديمقراطى، ولا يسير باتجاه التحول الديمقراطى. ملاحظتنا الجوهرية على نصف الولاية الأولى للرئيس عبدالفتاح السيسى هى السماح باتساع دور الأجهزة الأمنية وزحف هذا الدور وهيمنته على مساحة كبيرة من تلك المفترض أن تشغلها السياسة أو الأجهزة التنفيذية. وفى تصورى أن السماح باتساع دور الأجهزة الأمنية هو المسئول الرئيسى عن حالة الانقسام الموجودة بين القوى السياسية فى مصر، التى تقف وراء تفتيت تحالف ٣٠ يونيو، فالأجهزة الأمنية دخلت مباشرة فى إدارة المشهد السياسى والحزبى فى البلاد وتعمل على تشكيل الخريطة السياسية والحزبية، وليست ببعيدة عن العبث داخل البرلمان.
وقد أدى طغيان دور الأجهزة الأمنية فى الحياة السياسية والحزبية إلى تشويه المشهد برمته، وساعد على تقديم صورة مشوّهة للبرلمان، كما يقف هذا الدور وراء تصاعد الضغط الطائفى فى كثير من مدن وقرى مصرية، فأصابع الأجهزة الأمنية تقف خلف تصعيد التوتر الطائفى والعنف الدينى من خلال حزمة من السياسات التقليدية المتوارثة، سواء فى التعامل مع تفاعلات الحياة اليومية أو فى ملف بناء وإصلاح وترميم الكنائس، فهذا الملف تضخّم بفعل إمساك الأجهزة الأمنية به وإصرارها على التعامل مع المواطنين المصريين الأقباط، باعتبارهم ملفاً أمنياً. ونظرة متأملة فى الاعتداءات الطائفية الأخيرة والمشكلات التى تفجّرت بسبب شائعات بناء كنائس أو إصلاح وترميم بعضها تكشف عن دور الأجهزة الأمنية فى تفجير هذه القضايا وإدارتها على نحو يُشجّع على تكرارها.
ولعل خير دليل على الدور التخريبى للأجهزة الأمنية فى القضايا الطائفية ذلك الإصرار الغريب على الإمساك بملف بناء وترميم الكنائس والتعامل مع هذا الملف، باعتباره ملفاً أمنياً، فبعد أربع عشرة جولة من المفاوضات بين الحكومة والكنائس المصرية الثلاث، وبعد لقاء البابا والرئيس عبدالفتاح السيسى وصدور تصريحات عن ممثل الكنيسة تشيد بنصوص القانون فى طبعته الأخيرة، فجأة انقلب الموقف رأساً على عقب، وصدر بيان عن الكنيسة الأرثوذكسية فيه من الغضب والشعور بالغدر ما يكفى للعودة إلى المربع الأول فى العلاقة بين الكنيسة والدولة، وبدا واضحاً أن تراجع الحكومة عما تم الاتفاق عليه مع الحكومة سببه إصرار الأجهزة الأمنية على الإمساك بالملف الطائفى برمته، وتحديداً بناء وترميم الكنائس، ووضع مواد جديدة تُقيّد ترخيص الكنائس القائمة على النحو الذى أثار غضب الكنيسة وأفقد النظام دعم وتأييد كتلة متماسكة سبق ودفعت ثمناً غالياً، دفاعاً عن الوطن، ودعماً لثورة ٣٠ يونيو والرئيس عبدالفتاح السيسى.
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com