كان أمام مجلس النواب فرصة ذهبية ليشعر الناس أن هناك تغييراً قد طرأ على أداء البرلمان المصرى، وإذا كان القانون لم يكن يطبق قبل ثورة 25 يناير، حيث تُركَن تقارير محكمة النقض، فالآن الأمر اختلف تماماً، خاصة أن دستور 2014 يلزم صراحة المجلس بتنفيذ أحكام النقض دون مناقشة.
كان أولى بـ«د. على عبدالعال»، رئيس مجلس النواب الجديد، أن ينحاز للدستور الذى زعم فى أولى جلسات البرلمان أنه هو الذى كتبه، لكن الرجل لم يفعل، وماطل فى التنفيذ بطريقة تعكس إما ارتباك المجلس، أو أن البرلمان لم يعُد «سيد قراره»، وفى الحالتين، فإن البرلمان سيظل يوصم فى التاريخ بأنه صاحب سابقة إحالة أحكام «النقض» إلى اللجنة التشريعية لمناقشتها وفتح مجال العبث حولها بآراء لا تمت للقانون بصلة، تارة بانتظار التظلم، وهو أمر غريب، حيث إن أصغر دارس للحقوق يعرف أن حكم النقض بات ونهائى وينفذ دون انتظار تظلمات، وتارة أخرى بأنه ليس من حق المحكمة إدخال نائب بدلاً من آخر، ودورها فقط إقرار بطلان الانتخابات وإعادتها، وهو تفسير مختل للدستور الذى شارك «عبدالعال» فى صياغته، كما يدّعى، حيث إن «النقض» قبل ثورة يناير وفى ظل عدم وجود نص صريح بالدستور قد حكمت بأحقية أكمل قرطام بدلاً من محمد المرشدى فى دائرة المعادى، وظل الحكم حبيس الأدراج فى اللجنة التشريعية، كما يحدث الآن.
لا أعرف أين ذهب الضمير القانونى للدكتور على عبدالعال وهو يحيل الحكم إلى اللجنة التشريعية؟ وكيف وهو أستاذ قانون بالجامعة وقريباً كان يفتخر بأن تلاميذه أصبحوا بدرجة نواب رئيس محكمة النقض ونواب رئيس مجلس الدولة.. كيف لا يستطيع التمييز بين حكمين للنقض: الأول فى الانتخابات الأولى، وصدر الثانى فى مرحلة الإعادة، وهو ما اضطر محكمة النقض إلى إصدار بيان للتوضيح والتأكيد أن الحكم الأخير الخاص بخروج أحمد مرتضى منصور ودخول عمرو الشوبكى بات ونهائى، لكن «عبدالعال» لم ينتبه، بل الأخطر أنه ألزم اللجنة التشريعية بأن تقدم تقريرها فى الجلسة المقبلة لمجلس النواب، وكان ذلك فى 25 يوليو الماضى، ومر على هذا الوعد شهر، لا اللجنة أعدت تقريرها ولا عرضته على المجلس، واختفى «عبدالعال» ولم يعلق على تقرير «النقض»، ولم يستفسر عن مماطلة اللجنة التشريعية.
ابتعدوا عن الأسماء مَن سيخرج ومَن سيدخل، فالقانون والدستور هما الأساس، وإذا كان مجلس النواب عاجزاً أو عازفاً عن تطبيقهما فلمن يلجأ الناس للحصول على حقوقهم؟ وما هى الرسالة التى يصدرها البرلمان للناس خاصة فى ظل ما يلاحقه من انتقادات بسب غيابه عن مناقشة القضايا الجماهيرية، حتى إنه اقترب من نهاية دور الانعقاد، ولم يناقش استجواباً واحداً، وبالتالى كانت أمامه فرصة ذهبية لتحسين صورته أمام الناس بالانحياز للدستور والقانون بدلاً من المماطلة؛ لأن إهدار أحكام القضاء يمثل نكسة حقيقية لهذا البلد.. ولنتذكر جميعاً أن إهدار أحكام النقض كان من أسباب الثورة، بدليل أن هذه المادة التى تتيح للبرلمان حرية قبول أو رفض أحكام النقض حول صحة العضوية تم تعديلها أثناء الثورة من خلال اللجنة التى شكَّلها الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ثم تم إقرار النظام الجديد فى كل الدساتير التى جاءت بعد الثورة، لكن مجلس النواب يريد العودة مرة أخرى ليماطل ويتحكم فيمن يدخل أو يخرج، وهذا سيمثل صداماً كبيراً بين السلطتين التشريعية والقضائية سيدفع ثمنه النظام بأكمله، وسيؤدى إلى انهيار ثقة الناس فى مجلس النواب.
كنت قد تفاءلت برئاسة المستشار بهاء أبوشقة للجنة التشريعية، رغم أن القيادى الوفدى تم تعيينه بالبرلمان خلال 6 سنوات من نظامَين مختلفَين «مبارك والسيسى»، لكن أداءه فى هذه القضية جعلنى أفقد الثقة فيه كسياسى محايد يتبع القانون حتى لو على رقبته، لكن الرجل أعطى الدستور إجازة وقبل مناقشة حكم النقض، وهو يعلم أن البرلمان لا يملك فيه سوى التنفيذ، وشارك فى المماطلة، ولا أعلم لصالح مَن؟ بل إنه ترك الحبل لمرتضى منصور فى الحديث، رغم أن القانون يمنع النائب من التحدث فى أمور شخصية تخصه هو أو أقاربه، لكن يبدو أن العتاب ليس فى محله، فكيف ننتقد غياب القانون بينما الدستور الذى هو أبو القوانين تم تجميده فى أدراج اللجنة التشريعية، وإذا كان «مرتضى» يسعى لذلك بحكم أنه لم يقسم قسماً صحيحاً على الدستور، وتواطأ البرلمان فى تمريره، فكيف لأستاذ الجامعة د. على عبدالعال والمحامى الأشهر بهاء أبوشقة ونواب المجلس الذين أقسموا قسماً صحيحاً على احترام الدستور أن يفعلوا ذلك؟.. هل غاب الضمير القانونى؟ أم حصل على إجازة؟.. فى الحالتين فالبرلمان يسير بسرعة نحو السقوط إلى الهاوية.
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com