من الظلم أن نتهم الخارج فقط بأنه أداة المؤامرة ضد مصر وضد الرئيس السيسى، هناك المتآمرون فى الداخل، الإخوان والإرهابيون فى مقدمتهم، ولكنهم قطعاً ليسوا وحدهم.
بعد انتصار ثورة الثلاثين من يونيو، بانحياز القوات المسلحة إليها، كان اليقين لدى عامة الناس، أننا بدأنا عصراً جديداً، بعد أن طوينا صفحة الماضى، غير أن القوى المتآمرة أعلنت الحرب على مصر، أمنياً وسياسياً واقتصادياً، وخلال الفترة الانتقالية كان الشائع أن البلاد لن تستطيع تحقيق الأجندة التى أعلنها القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح السيسى فى هذا الوقت، غير أن الدستور تم الاستفتاء عليه بالموافقة بأغلبية كاسحة، والانتخابات الرئاسية جرت فى أجواء من الحيدة والنزاهة شهد بها الجميع، أما انتخابات مجلس النواب، فقد كانت هى الأكثر نزاهة فى تاريخ الانتخابات البرلمانية المصرية.
لقد استطاع الرئيس السيسى إنجاز ما وعد به كاملاً، ورغم إشعال الحروب والإرهاب والتظاهرات الإخوانية، إلا أنه استطاع أن ينجز المهمة التى وعد بها فى الثالث من يوليو 2013، بجدارة ومصداقية.
أدرك المتآمرون أن النجاح الذى تحقق، فرض على دول العالم أجندة جديدة، ورؤية مختلفة، لقد أدرك الجميع أن كل الرهانات خاسرة، وأن مصر تتقدم إلى الأمام.
فى هذه الفترة بدأت حملة إعلامية وسياسية خارجية متزامنة بين صحف ووسائل إعلام بريطانية وأمريكية وفرنسية وتركية وقطرية وغربية تتحدث جميعها عن «خراب مصر على يد الرئيس السيسى» وهو مصطلح لا يمت للمهنية ولا العلمية ولا الواقع بشىء، لكنها الحرب التى تناغمت جنباً إلى جنب مع اتهامات إيطالية ومحاولات للإيقاع بالعلاقات المصرية الروسية من جانب والمصرية الفرنسية من جانب آخر.
حاولوا استغلال الأزمة الاقتصادية التى جاءت نتيجة التراكمات السابقة والحصار الاقتصادى غير المعلن وتوقف المساعدات من بعض الأشقاء لظروفهم الاقتصادية بعد هبوط أسعار النفط، وعندما حاولت مصر إجراء حزمة من الإصلاحات الاقتصادية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد أن وصل الدين إلى نحو ٪97 من مجمل الناتج القومى، مهدداً البلاد بإعلان إفلاسها، راحوا يشعلون الحرب من جانب آخر بهدف إثارة القلاقل الجماهيرية وإحداث الانهيار الذى لم يحدث بفعل تصدى الشعب ومؤسساته لهذه المخططات التى استهدفت إسقاط الدولة والقضاء عليها.
لم تكن المؤامرة الخارجية وحدها المسئولة عن تداعى الأزمة الاقتصادية، ولكن هناك التخبط فى بعض القرارات الحكومية، وهناك الفساد الذى يريد أن يأكل الأخضر واليابس، وهو فساد استشرى فى فترة السنوات والحقب الماضية، بعد أن سادت قيم الفهلوة والانفتاح الطفيلى وتوجيه معدلات النمو لصالح فئات بعينها وترك الفقراء يعانون من هول المزيد من إجراءات إفقارهم.
وعندما تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى لأكثر من مرة عن ضرورات العدالة الاجتماعية والتكافل الذى يحمى الفئات المقهورة، كان يعرف أن الأوضاع الاقتصادية لن تساعده فى تحقيق الهدف سريعاً، فبدأ فى توسيع شبكة الأمان الاجتماعى «تكافل وكرامة والمعاشات وغيرها»، وسعى إلى فتح مجالات لحماية هذه الطبقة من عواصف الإصلاحات الاقتصادية.
ورغم تقبل الناس فى البداية لزيادة أسعار الوقود، حرصاً على تقليل العجز فى الموازنة العامة، فإن جمهور الفقراء والطبقة المتوسطة أصبحوا يعانون بشدة من تداعيات الإجراءات الأخيرة، وتوسع الحكومة فى زيادات الأعباء مرة أخرى، مما قابله التجار فى الأسواق بزيادات أخرى أثقلت كاهل المواطنين.
وإذا كان الجميع يدرك أن الدولة بدون إصلاحات اقتصادية جادة لن تستطيع القيام بمهامها الحقيقية والضرورية تجاه شعبها، لكن هناك من يتسبب فى زيادة الاحتقان بسبب السياسات غير الرشيدة التى يجرى اتباعها.
وإذا كان هذا الارتباك يسود بعض الدوائر الاقتصادية ويقابله إعلام يستهدف الإثارة أكثر من كونه يستهدف المعالجة والتركيز على الثوابت، فإن النتيجة والمحصلة النهائية قطعاً ستعود بالسلب على شعبية الرئيس.
أما الفساد والفاسدون فحدث ولا حرج، مليارات الجنيهات تضيع من موازنة الدولة بسبب سياسات خاطئة، منها على سبيل المثال وليس الحصر تلك المليارات المهدرة فى منظومة القمح والطحن والخبز، وعندما قرر البرلمان تشكيل لجنة لتقصى الحقائق كانت الدلائل والمؤشرات مرعبة، وهو أمر بالقطع سيكون مجال مناقشة تحت قبة البرلمان.
وعندما يقول لك البعض الحديث عن الفساد هو نوع من الإثارة التى لن تستطيع الدولة تحمل تبعاتها فى هذا الوقت، فهؤلاء هم من أشد أعداء الدولة ورئيسها، لأنهم يظنون أن الشعب غافل عن هذه الوقائع، وهؤلاء هم الذين يقفون ويعطلون صدور العديد من القرارات المهمة والضرورية فى مؤسساتهم المختلفة.
لقد تولى الرئيس السيسى حكم البلاد فى واحدة من أخطر مراحل التاريخ المعاصر وأكثرها تعقيداً، غير أنه مقاتل، لا يعرف الهروب من الميدان أو التراجع بل هو يخوض المعركة بلا تردد.
وإذا كان الرئيس قد اتبع فى الفترة الماضية سياسة المضى قدماً إلى الأمام مع محاولة الاحتواء، إلا أن الفترة المقبلة تحتاج منه إلى قرارات حاسمة وقوية تعيد التوازن إلى الساحة، ذلك أن الرئيس لن يستطيع أن يرضى الجميع، لكنه قطعاً يجب أن يكون منحازاً إلى الفئات الاجتماعية والسياسية الوطنية.
إن المؤامرة ضد مصر والرئيس تتخذ وجوهاً عديدة ومتعددة، تحاول من خلالها النفاذ إلى الجسد المصرى، لكنهم ينسون أو يتناسون أن تجارب مصر طيلة سنوات الفوضى الماضية أدت إلى اكتساب جماهيرها «مناعة» تمكنها من الحرص على مصلحة الدولة وكيانها وبنيانها قبل أى شىء آخر.
إن خيار الرئيس عبدالفتاح السيسى، هو خيار شعبى لا بديل عنه فى أذهان الغالبية من الشعب المصرى، ولكن الجماهير تنتظر من الرئيس المزيد.
إن المتآمرين على السيسى، الذين يحشدون طاقاتهم استعداداً للانتخابات الرئاسية المقبلة فى 2018 لن يعدموا الوسيلة فى الإثارة وخلق التناقضات والحواجز بين الرئيس وجماهيره، وبين القوى السياسية ومؤسسات الدولة وبعضها البعض، لذلك يتوجب على رئيس الجمهورية من الآن أن يعلن المواجهة ضد أصحاب المصالح المناوئين لمصلحة الشعب والدولة وأن يعيد تنظيم الصفوف، وأن ينحى من يتوجب تنحيته وأن يسد الفراغ الذى تعيشه الساحة السياسية فى أقرب وقت ممكن.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com