اتهم تقرير صادر عن مجلس أوروبا يوم الثلاثاء 14 ديسمبر 2010 مسؤولين بجيش تحرير كوسوفو سابقا، من بينهم رئيس الوزراء الحالي هاشم تاتشي بالتورط في الإتّجار بأعضاء بشرية انتزعت من سجناء صربيين خلال عامي 1999 و2000. لكن بريشتينا كذبت تلك الاتهامات، ووصفت التقرير بالتحامل والتشهير.
وفي أوّل رد فعل دولي على هذا التقرير أعربت السلطات القضائية بصربيا عن ترحيبها بما جاء فيه، وقال المدعي العام الصربي: "إنه يمثل انتصارا كبيرا لبلدنا الذي يبذل جهودا مضنية من أجل التوصل إلى الحقيقة والعدالة".
انصب التحقيق في هذا التقرير الذي أعدّه المقرر الخاص بمجلس أوروبا السويسري ديك مارتي، على الإتهامات التي وجّهتها كارلا ديل بونتي، المدعية السابقة بالمحكمة الجنائية الدولية، لمسؤولين سابقين بجيش تحرير كوسوفو. وتوجّه نتائج التحقيق التي كشف عنها الثلاثاء أصبع الإتهام في هذه القضية مباشرة إلى رئيس الوزراء الحالي هاشم تاتشي.
ويشير التقرير في إحدى فقراته إلى أن "عددا من الأدلة تؤكّد أنه في الفترة التي أعقبت مباشرة نهاية الأعمال الحربية في كوسوفو، وقبل أن تتمكّن القوات الدولية من بسط سيطرتها على المنطقة، وفرض حالة من النظام والاستقرار فيها، انتزعت أعضاء من أجسام سجناء صربيين بإحدى المصحات في الأراضي الألبانية، على مقربة من فوخ – فروغي".
نواة صلبة قريبة من تاتشي
هذه الأعضاء، يتابع التقرير، نقلت إلى بلدان أخرى "لإعادة زراعتها". وتمت هذه العملية الإجرامية طبقا لنفس المصدر، "بمبادرة وإشراف من بعض القادة بميليشيا جيش تحرير كوسوفو، الذين كانوا مرتبطين بشبكات الجريمة المنظمة. واستمرت هذه الأعمال، تحت أشكال أخرى، إلى يومنا هذا". ودائما طبقا للمقرر الأوروبي، كان يسطر على عملية الاتجار بالأعضاء مجموعة من المسؤولين الكبار بمليشيا UCK تسمى، "مجموعة درينيكا".
وعن هذه المجموعة يقول مارتي: "هي نواة محدودة، لكنها قوية وصلبة جدا، مكوّنة من شخصيات مهمة بجيش تحرير كوسوفو، الميليشيا التي كانت نشطة في بداية التسعينات من القرن الماضي".
ويتهم التقرير رئيس الوزراء الحالي، وزعيم الحزب الديمقراطي بكوسوفو، هاشم تاتشي، الفائز بانتخابات الأحد 12 ديسمبر 2010 بكونه "المشرف والراعي المباشر لهذه المجموعة الإجرامية". كذلك يذكر التقرير بالإسم شايب موغا، أحد الزعماء التاريخيين أيضا لجيش تحرير كوسوفو، والذي هو طبيب جرّاح في الأصل، يتولى حاليا خطة مستشار سياسي لحكومة تاتشي، ومكلّف بالملف الصحي خاصة.
وجاء رد فعل حكومة كوسوفو سريعا، حيث اتهمت التقرير "بالتحامل والتشهير"، وقالت "إن الاتهامات التي يوجهها لا أساس لها من الصحة، وهي فقط من أجل إلحاق الضرر بصورة كوسوفو".
وجاء في البيان الحكومي الذي صدر ردا على تقرير مجلس أوروبا: "سوف تتخذ حكومة كوسوفو، ورئيس الوزراء هاشم تاتشي كل الخطوات الممكنة والضرورية للرد على افتراءات ديك مارتي، بما في ذلك الإجراءات القانونية".
ترحيب صربي وروسي
من جهة أخرى، لم يتأخّر كذلك رد الفعل الصربي، ومباشرة بعد صدور التقرير، تساءل وزير الخارجية الصربي فوك يريميتش الأربعاء 15 ديسمبر 2010 خلال زيارة له إلى موسكو "عن المصير الذي ينتظر رئيس وزراء كوسوفو، الذي يتهمه تقرير مجلس أوروبا بالتورط في شبكة اتجار بأعضاء المساجين".
وسعيا منه إلى دق الإسفين أكثر، أضاف وزير الخارجية الصربي: "لا أعرف ماذا سيكون مصير هذا الشخص إذا أخذنا بعين الاعتبار ما توصّل إليه تقرير مجلس أوروبا حول مشاركته في عمليات إجرامية، ودوره كقائد لمجموعة إجرامية تنشط في منطقة البلقان".
وخلال ندوة صحفية مشتركة مع نظيره الروسي، عبّر المسؤول الصربي عن خيبته وصدمته قائلا: "يعطي التقرير فكرة دقيقة عن أي بلد نحن نتحدث عندما يتعلق الأمر بكوسوفو، وبقيادتها. وعلينا جميعا توحيد الجهود من أجل حل هذه القضية".
أما سيرغاي لافروف، وزير الخارجية الروسي، فقد حذّر من جهته يوم الأربعاء من "محاولة تغافل أو تمرير نتائج هذا التقرير في صمت". وأشار الوزير الروسي إلى أن "الاتهامات التي يوجهها تقرير مجلس أوروبا قد أثارت انشغال روسيا". ودعا هذا الأخير إلى ضرورة "بذل أقصى الجهود من أجل ضمان نشر نتائج هذا التقرير على أوسع نطاق ممكن".
اما برونو فيكاريك، المدعي العام الصربي، فقد عبّر عن أمله في أن يؤدي تقرير ديك مارتي "الإيجابي جدا" إلى "فتح تحقيق حول مسألة الاتجار بالأعضاء البشرية في كوسوفو وفي ألبانيا، اللتيْن رفض القضاء فيهما الاستجابة للنداءات المتكررة بتسليط الضوء حول هذا الملف".
تريّث وحذر أوروبي
أمام الاندفاع الصربي والروسي، يبدو موقف الإتحاد الأوروبي أكثر حذرا وتريّثا، رغم أن دبلوماسية الإتحاد قد أعربت عن استعدادها للتحقيق في الاتهامات الموجهة لرئيس الوزراء في كوسوفو.
وقالت الناطقة بإسم كاترين آشتون، مسؤولة العلاقات الخارجية بالإتحاد الأوروبي: "إننا ندعو ديك مارتي، مقرر مجلس أوروبا تسليم الأدلة إلى السلطات المعنية، ومن بينها الشرطة التابعة لبعثة الإتحاد الأوروبي المعنية بسيادة القانون في كوسوفو". وأضافت هذه المسؤولة الأوروبية: "نأخذ على محمل الجد كل الاتهامات المرتبطة بالجريمة المنظمة وبجرائم الحرب".
وفي تناغم أيضا مع هذا الموقف، أوضح برنارد فاليرو، الناطق بإسم وزارة الخارجية الفرنسية أن "مسؤولية التأكّد من صحة الاتهامات التي تضمنها تقرير مجلس أوروبا تعود إلى القضاء والإدعاء العام التابعيْن لبعثة الإتحاد الأوروبي المعنية بسيادة القانون في كوسوفو".
اما سويسرا فقد دعت البلدان المعنية في إطار تقرير مجلس أوروبا إلى التعاون مع التحقيق، وتجميع كل العناصر الضرورية لتسليط الضوء على هذه العملية، ومصير ضحاياها".
وأما عن الحالات المشار إليها في تقرير ديك مارتي، فتدعو وزارة الخارجية السويسرية إلى "السماح للسلطات القضائية بمتابعة الأشخاص المتهمين بكونهم المسؤولين عن عمليات الاختفاء التي تعرض لها أشخاص خلال النزاعات المسلحة، وفي الفترة التي أعقبتها في يوغسلافيا سابقا".
وجه تقرير ديك مارتي كذلك انتقادات لاذعة إلى البعثة الدولية المشرفة على منطقة كوسوفو حاليا، والتابعة لكل من الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي. هذان الجهتان، بحسب التقرير: "تأخرتا في إجراء تحقيق معمّق على الرغم من الأدلة الدامغة والملموسة على هذه العملية الإجرامية التي حصلت بداية التسعينات".
ومن المنتظر ان يتم اعتماد هذا التقرير يوم الخميس 16 ديسمبر 2010 من طرف لجنة تابعة لمجلس أوروبا تعقد جلستها في باريس قبل أن يعرض على التصويت في ستراسبورغ في جلسة عامة في شهر يناير 2011.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com