ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

الأقباط صناع سلام -17-

القس. لوقا راضي | 2010-12-17 13:11:10

بقلم: القس لوقا راضي
يقول الرب: أعطيكم فمًا وحكمة.
إن الفم المملوء بالحكمة هو فمًا مملوء بالسلام. هذه الحكمة التي تحول الغصب إلى سلام والعنف إلى محبة والسخط إلى اطمئنان، والغليان إلى الاتزان.
وعلى مدار التاريخ نستمتع بروح الحكمة التي أعطيت للأقباط عبر مواقف عديدة في التاريخ.
روح الحكمة تتبعها أيضًا سرعة البديهة في الرد، لأننا نعلم إننا لسنا المتكلمين بل روح أبينا الساكن فينا. تعالوا نستعرض معًا ونتعرف على بعض مواقف
ندلل بها على ما نقول.

الموقف الأول:
أراد البابا كيرلس الكبير (عامود الدين) أن يبلغ الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير بقرارات مجمع أفسس، لكن أتباع نسطور استطاعوا أن يحوطوا حول الإمبراطور ويمنعوا وصول قرارات المجمع إليه.. فبدأ البابا يفكر كيف يمكنه تقديم نسخة من القرارات إلى الامبراطور .. وإذ وجد أن خطة النساطرة مُحكمة جدًا، أرسل إليه راهبًا شيخًا وفتشه النساطرة قبل دخوله إلى الامبراطور تفتيشًا جيدًا ولم يجدوا معه شيئًا .. لكنه ما أن التقى بالإمبراطور حتى أخرج من العكاز المفرغ الذى كان يتكئ عليه نسخة من قرارات المجمع وسلمها إليه .. وهكذا يعطى الرب قديسيه حكمة وجرأة لتحقيق أهدافهم وتخطى المصاعب.
الموقف الثاني .... عندما جلس البابا مكاريوس الأول ( البطريرك ال 59) على كرسي البشير مار مرقس قرر أن يقوم بزيارة رعوية للمدن والقرى ليفتقد شعبه وقرر قداسته أن يكون أول مكان يزوره هي بلدته التي وُلدَ ونشأ فيها وقصد إلى بيت أبيه..

وحدث إن أمه كانت في تلك اللحظة جالسة أمام باب البيت تغزل فجاء إليها وحياها أما هي فأستمرت في عملها دون أن ترفع نظرها فظن أنها لم تعرفه. فقال لها : ( ألا تعلمين أنى أنا ابنك مكاريوس الذي رقى درجة سامية، ونال سلطة رفيعة، وأصبح سيدًا لأمة كبيرة؟) فأجابته وهى دامعة العين: "أنى لا أجهلك وأعرف ما صرت إليه، ولكنى كنت أفضل يا أبني أن يؤتى بك إلىّ محمولاً على نعش خير من أن أسمع عنك أو أراك بطريركًا.
ألا تعلم أنك حينما كنت راهبًا كنت مسئولاً عن نفسك فقط . أما الآن فقد صرت مطالبًا بأنفس رعيتك . وسيطلب المسيح منك دم كل فرد من أفراد الشعب الذى ائتمنك عليه فأذكر أنك أصبحت في خطر ، وهيهات أن تنجو منه"..
قالت له هذا وأخذت تشتغل كما كانت، فأهتز الأنبا مكاريوس حتى أعماقه من كلمات أمه فنقش هذه الكلمات الخطيرة على قلبه وظل يذكرها طيلة حياته.. فقضى عمره يعلم شعبه ويحثه على الجهاد وكان لا يرسم أي أسقف أو كاهن بدون أن يفحصه جيدًا للتأكد من صلاحه للرعاية.

الموقف الثالث...
كان البابا متاؤوس الأول البطريرك الـ 87 في فترة رهبنته عائشًا في البرية وحدث ذات مرة أن صحبته ضبعة وهو سائر في البرية وأخذت منه ( صرة ملابسه ) التي تحتوى على كل مقتنياته فاستشعر بأن لها طلبًا وسار معها إلى أن وقفت أمام صخرة مجوفة . فنزل إلى قاع التجويف فوجد جرو الضبعة ( ابنها ) فحمله على كتفه وصعد به إليها وتعبيرًا عن شكرها له أخذت تلعق يديه وقدميه.. ثم حملت صرة الملابس مرة أخرى وأوصلته إلى المغارة التي شاء أن يقطنها آنذاك ...
وتكملة لهذا اللقاء العجيب بين السائح متاؤوس والضبعة نروي لقاء أكثر عجبًا، ففي صباح اليوم التالي سمع خربشة على بابه فلما فتحه وجد الضبعة ومعها ضبعة أخرى تحمل جروا أعمى .. فركع على الأرض وبلل قبضة من الرمل بلعابه ثم طلى بها عيني الجرو فانفتحتا. فأخذت الضبعتان تلعقان يديه ورجليه وظلتا تحرسانه طيلة الفترة التي قضاها بتلك المغارة ..
فما أعجب عمل الله في قديسيه الذين أخضع كل شيء تحت قدميهم .

الموقف الرابع...
كان المعلم إبراهيم الجوهري يصلي القداس الالهي في كنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة وكان متعجلاً لأن لديه موعدًا مع الوالي في ذلك اليوم، فأرسل إلى كاهن الكنيسة الذي كان يقوم بصلاة القداس قائلاً: المعلم يقول لك أن تسرع قليلاً وتبكر في الصلاة ليتمكن من اللحاق بالديوان فأجاب الكاهن وكان رجلاً قديسًا: المعلم في السماء واحد والكنيسة لله وليست لأحد فإن لم يعجبه فليبن كنيسة أخرى.
ولم يغضب المعلم إبراهيم من هذا الرد ولم يفعل ما يفعله غيره عند الغضب من الكاهن ويهجر كنيسته إلى كنيسة أخرى، بل أعتبر كلام هذا الكاهن هو صوت الروح القدس الذي يدعوه لبناء كنيسة أخرى وبالفعل استصدر المعلم إبراهيم قرارًا من الوالي ببناء كنيسة جديدة وسماها على اسم الشهيد أبي سيفين .
فلما تم بناؤها قال للكاهن الذي تسبب فيها: حمدًا لله الذي جعل كلامك سببًا في بناء كنيسة أخرى فزادت حسناتك وميراثك في السماء .

حدث أن جاء السلطان التركي عبد العزيز إلى مصر تلبية لدعوة إسماعيل باشا والى مصر في ذلك الوقت، واحتفاءً بمجيء السلطان أقام الوالي حفلة دعا فيها مختلف الناس للمجيء إلى قصره تحية للضيف. وكان التقليد السلطاني في ذلك الوقت يقضى بأن من يتقدم للسلام على السلطان عليه أن يقبل طرف ثوبه.
فلما وصل البابا المرقسي وكان في ذلك الوقت هو البابا ديمتريوس الثاني البطريرك الـ 112 إلى حيث يجلس السلطان أقترب منه وقبل صدره ناحية القلب .. فأصيب الحاضرون بالدهشة لهذا التصرف وسأل السلطان عن معناه ، وكان بجوار البابا أحد الكهنة الذين يجيدون التركية فترجم للسلطان كلام باباه مجيبًا على السؤال بقوله: في كتابنا المقدس آية تقول إن قلب الملك في يد الله ..فأنا بتقبيلي صدركم إنما قبلت يد الله ملك الملوك وسلطان السلاطين فأنشرح السلطان وابتسم مسرورًا وقرر أن يمنح الكنيسة القبطية كل ما تحتاجه لتعمير الكنائس والأديرة في ذلك الوقت.

الموقف الخامس ...
عاش في أواخر العصر المملوكي صائغ قبطي كان مداوم للصلاة إلى حد أنه كان عندما يفتح دكانه كل صباح يركع عند مدخلها ويصلى، ثم يختتم صلاته بقوله جهرًا : قوته عظيمة .. وعظيمة العظيمة ومدبرة وحكيمة ، وإن نزلت البحر تطلع سليمة ... وكان مقابل دكانه على الناحية الأخرى من الشارع دكان لصائغ يهودي كلما سمع هذه الصلاة تساءل: كيف تطلع سليمة بعد أن تنزل في البحر؟ .. و حدث أن خاتم السلطان انفك فصه فأشار عليه البعض بالصائغ القبطي، فأعطى له الخاتم قائلاً له : إن عليه أن يركبه في ثلاثة أيام وإلا سيقطع رأسه ..
ووصل هذا الحديث إلى الصائغ اليهودي الذي وجد وسيلة لفتح دكان جاره وفتح الدرج وأخذ منه الفص ثم خرج أغلق الدكان وهو يقول لنفسه "الآن سأعرف كيف تخرج سليمة حتى إن نزلت البحر " وذهب إلى النيل والقى بالفص فيه .
وكان اليوم التالي هو يوم تذكار رئيس الملائكة ميخائيل وكان الصائغ القبطي ممن يكرمون رئيس الملائكة ويستشفعون به وكان معتادًا أن يوزع على الفقراء في هذا اليوم الفطير والسمك .. فمر على صياد صديقًا له ورجا منه أن يوصل السمك إلى بيته لأن عليه عملاً له أهمية خاصة .

ولما فتح الدكان لم يجد الفص حيث تركه وفتش في مختلف الأركان التي يمكن أن يكون وضعه فيها وبالطبع لم يجده فقال لنفسه : لن أموت إلا مرة واحدة سواء بسيف السلطان أو بغيره فلأذهب لأصطحب زوجتي وأولادي لنوزع السمك والفطير – واتكالي على الله .. ولما عاد إلى البيت وجد أن امرأته أعدت كل شيء ولكنها قالت له: إن الصياد لم يحضر لنا السمك الصغير كالمعتاد ،بل احضر لنا سمكة ضخمة معتذرًا أنه لم يوفق في العثور على النوع الصغير .. ثم استكملت حديثها بقولها: تصور إنني عندما فتحت خياشيم السمكة وجدت هذا ! وأخرجت من جيبها فصًا ووضعته في يد زوجها!

فإذا به فص الخاتم السلطاني .. !! ودهش الصائغ كيف وصل هذا الفص إلى داخل هذه السمكة التي صارت من نصيبهم .. ولكنه رفع شكره وتمجيده لله ثم ضاعف المال الذي وزعه في هذا اليوم مقدمًا تسبحة لرئيس جند السماء .. وركب الفص في الخاتم وحمله إلى السلطان .. وبُهت الصائغ اليهودي حين رأى جاره القبطي قد أتى إلى دكانه في اليوم الرابع فذهب إليه وسأله : ماذا فعلت بخاتم السلطان ؟ أجابه : لقد أصلحته وأوصلته إليه .
وبدت الدهشة على وجه اليهودي وفي صوته وهو يقول : كيف ؟؟ فتفرس فيه زميله القبطي وقال : ما لكَ مندهشًا ؟ ورد عليه : أخبرني ماذا جرى لأخبرك عن سبب الدهشة التي تملكتني .. فروى له كل ما حدث بالتفصيل .. وعندها أخبره اليهودي بما فعل وانتهى إلى القول: أنت على حق . لأن قوته عظيمة وعظيمة العظيمة . ومدبرة وحكيمة . وإن نزلت البحر تطلع سليمة ... والآن يا صديقي علمني عن السيد المسيح لأني أمنت باسمه القدوس . واعتمد الصائغ اليهودي بالصبغة المقدسة وصار يردد كل يوم مع صديقه صلاته المحببة .

الموقف السادس ....
ذهب سفير قيصر روسيا لزيارة البابا بطرس الجاولي ( البطريرك الـ 109 ) ولما دخل الدار البابوية وجد رجلاً جالسًا على دكة بسيطة تحيط به بعض الكتب التي كان يطالعها فطلب منه أن يوصله إلى البابا المرقسي ... وأصابه الذهول حينما علم أن هذا الجالس أمامه هو البابا القبطي ولم يصدق كلامه في بادئ الأمر ... فسأله السفير عن تجاهله المظاهر الخارجية فأجابه في وداعة : ليس العبد افضل من سيده .. وسيدي كان بسيطًا في ملبسه .. بسيطًا في معيشته ... فازداد السفير ذهولاً وسأل : وما حال الكنيسة ؟ أجاب البابا الجليل : هي بخير بحمد الله ومادامت كنيسته فهو يرعاها ولن يتخلي عنها أبدًا .. فعاد السفير يسأل : ألم تفكروا في الحمايـة ؟ فاستفسر البابا عمّا يقصده زائره ، فأفهمه السفير بانهم على استعداد لوضع الكنيسة القبطية تحت رعاية قيصر روسيا الذي له الصولة والجولة والذي جعل نفسه حامي الأرثوذكس في العالم ... عندها سأله البابا بطرس: ألا يموت القيصر الذي تصفه كل هذا الوصف؟ أجابه السفير : أنه بشر فلابد له أن يموت مثل سائر البشر ...

فقال البابا القديس : إننا في حمايـــة ملك لا يمــوت .. فتضاعفت دهشة السفير وأحس بقوة هذا الرجل المتواضع الذي كان مهيبًا رغم بساطته وقال : حقًا لم أقابل من يستحق أن يكون خليفة للسيد المسيح على هذه الأرض غير هذا الرجل الذي لم تخدعه مظاهر العالم ..
وحالما خرج من الدار البابوية ذهب لقصر الوالي محمد على باشا وقال له: في زيارتي لمصر اثار انبهاري شيئين اثنين . اهرامات الفراعنة .... وعظمــــة بطريــــرك الأقباط . فاعجب الوالي جدًا بوطنية البابا بطرس الجاولى ومحبته لبلاده وتقديره لها ومن هذا الوقت صارت علاقة الباشا بالأقباط على ما يرام ...

الموقف السابع ...
كان لمحمد على باشا والى مصر بنت اسمها زهرة باشا اعتراها روح نجس وحار الأطباء في علاجها فقال بعض رجال القصر للباشا بأنه في إمكان ( أئمة ) النصارى شفاءها .. فأرسل الباشا إلى البابا بطرس الجاولى ( البطريرك الـ 107 ) الذي استدعى الأنبا صرابامون اسقف المنوفية الشهير بأبو طرحة وطلب إليه الذهاب إلى قصر الباشا للصلاة على ابنته وبالطبع لبى الأسقف طلب باباه ولكنه استأذنه ان يأخذ صليب قداسته الخاص ليصلي به (وذلك انكارا لذاته حتى يقال ان صليب البابا هو سبب المعجزة ) .. وحينما وصل إلى القصر وجده مليئا بالرجال والنساء الذين ذهبوا ليروا ماذا يستطيع الأسقف القبطي عمله فدخل إلى حجرة ابنة الباشا وما كاد يبدأ الصلاة حتى ألقي الشيطان بالأميرة على الأرض فأخذت تصرخ بصوت عال جدًا ..

فتضاعفت صلوات الأنبا صرابامون وأخذ يذرف الدموع قائلاً بأعلى صوت : يا خطيتك يا صليب ( اسمه العلماني ) واستكمل يقول : يا ربنا يسوع مجد يمينك وانصر كنيستك .. وظل في صراع روحي ثم أكمله بأن رسم علامة الصليب على كوب ماء رش به وجه الأميرة .. فصرخ الشيطان بصوت مزعج وخرج منها .. وقامت الأميرة معافة صحيحة ... وعندها صدحت موسيقى القصر وجرى الخدم ليبشروا محمد على بشفاء ابنته .. فجاء ووجد ابنته في أحسن حال وعافية وأراد أن يعبر عن شكره للأنبا صرابامون فقدم له صرة فيها أربعة آلاف جنيه ذهب ولكن القديس رفضها قائلاً: لا استطيع أن أربح المال بالمواهب التي منحها الله لي مجانًا .. وكل ما أرجوه من دولتكم أن تتعطفوا على أبناء القبط الذين تجنى عليهم الحكام وطردوهم من وظائفهم ... فقبل الباشا هذا الرجاء ثم ألح عليه في أن يأخذ المال .. فأخذ منه القليل ووزعه على الجنود المصطفين على الجانبين لتوديعه وهو خارج ...

الموقف الثامن ....
حدث في سنة 1807م في أيام بابوية البابا بطرس الجاولي البطريرك الـ 109 أن جاء فيضان النيل شحيحًا فداخل الناس الخوف من نقص المحصول ورجوا من الوالي أن يطلب من الرؤساء الدينيين الصلاة ليبارك الله في النيل فترتفع مياهه الارتفاع المطلوب وبالفعل ارتفعت الصلوات من الجميع .. من رؤساء الديانة الاسلامية ثم من رؤساء الديانة اليهودية .. ولم يحدث أي تغيير في منسوب النيل .. وجاء الدور على الأنبا بطرس الذى اصطحب معه جماعة من الأساقفة والكهنة يتبعهم الشعب إلى شاطئ النيل .. وهناك أقام صلوات القداس الإلهي .. ولما انتهوا من القداس أخذ البابا بطرس قربانة من قربان الحمل مع الماء الذى غسل به الأواني المقدسة وطرحهم في النهر .. وعندما لمست القربانة والمياه المقدسة مياه النيل فارت مياهه وارتفع منسوبه .. فرفع الجميع آيات الحمد والتسبيح للرب المتحنن على شعبه ... وقد أصبحت للبابا بطرس كرامة ودالة خاصة عند الوالي التركي ......
ومن الملاحظ كيف أن روح الحكمة ملئت كل تلك المواقف السابقة وها نحن نستمتع بتلك الروح التي تقود إلى صناعة السلام وتغير الضمائر من الشر الى الخير الرب معكم .

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com