كتب: هشام عواض
المعارك والحروب دائمًا تعلم الإنسان وتكون له عبرة وعظة، وأيضًا تكشف عدم كفاءة القادة في إدارة الحروب، وتبرز عبقرية أشخاص في خوضهم المعارك الضارية ويستطيعوا بعبقريتهم العسكرية في نيل النصر الحاسم، ليسجلهم التاريخ ويخلدهم، ومن هؤلاء القادة العسكريين الذي لمع أسمهم خلال اعتى الحروب التي مرت بالأرض الحرب العالمية الأولى والثانية هو القائد العسكري الألماني أرفين رومل، الذي يعد ليس قائدًا تقليديًا خاض حروبًا في مختلف أنحاء الأرض، فهو لم يكن من ذلك النوع الذي يجيد تلقي الأوامر ومن ثم تنفيذها، بل إنه كان يبتكر أساليبًا حربية يستحدث استراتيجيات لإدارة المعارك، ولهذا فقد لقب أرفين رومل بلقب ثعلب الصحراء، لمهارته الفائقة في إدارة المعارك البرية، ونستعرض في هذا التقرير لمحات حول رومل ومعاركه ضد البريطانيين.
بروز عبقرية رومل العسكرية
بدء رومل حياته العسكرية كملازم في الجيش الألماني وحارب في فرنسا ورومانيا وإيطاليا، وخلال حروبه أصيب ثلاث مرات وحصل على وسام الصليب الحديدي من الدرجة الثانية. وأراد أن يبقي كقائد ميداني في ساحة المعركة على منصب أركان حرب، وتمت ترقيته إلى رئيس الضباط في مدرسة "وينر نيوستادت" بالقرب من فيينا عام 1938. في عام 1938، التقى رومل بصديقه جوزيف جوبلز وزير الدعاية. جوبلز أصبح من المعجبين المتحمسين لرومل.
ومع بداية الحرب العالمية الثانية رقٌي رومل إلى قائد قوة حراسة هتلر الشخصية. شارك في عام 1939 في الغزو النازي لبولندا. وفي عام 1940 تولى رومل منصب قائد التشكيل السابع لقوات البانزر، وشارك في غزو فرنسا وبلجيكا.
توليه قيادة الفيلق الأفريقي
في عام 1941، تم تكليف رومل بدعم القوات الإيطالية في شمال أفريقيا حيث حقق رومل أقوي وأعظم انتصاراته، ومشاركته في العمليات العسكرية في شمال أفريقيا، ولعب دورًا كبيرًا في معارك شمال أفريقيا، وصلت أنباء انتصارات رومل إلى هتلر في ألمانيا فأمر بترقيته لرتبة مشير. وكان بعد الإنزال الأمريكي في الدار البيضاء وصلت وحدات جديدة إلى شمال أفريقيا لتكون الجيش المدرع الخامس وغير اسم الفيلق الأفريقي إلى الفيلق الإيطالي الأول وعين الجنرال الإيطالي جيوفاني ميسي لقيادته في الميدان وأعطيت تسمية الفيلق الأفريقي لقوات جديدة فيما أصبح الجنرال رومل القائد العام للجيش المدرع الخامس والفيلق الإيطالي الأول والفيلق الأفريقي الجديد.
رومل يتقدم إلى مصر لدحر البريطانيين
كانت جزيرة مالطة التي كانت تحت السيادة البريطانية تشكل عائقًا أمام وصول الإمدادات إلى قوات المحور في شمال أفريقيا، إذ يغير منها المغاوير على السفن التي تحمل الإمدادات إلى تلك المحور، ولا تتراجع هجمات أولائك المغاوير إلاّ في حالة القصف الجوي المركز لتلك الجزيرة.
وأمر هتلر، رومل بالهجوم الجديد في برقة بدون أن يحتل مالطة، على أن يتم احتلالها بعد احتلال طبرق.
بدأ رومل في 26 مايو شن هجومه في برقة الذي عرف باسم معركة عين الغزالة، واجهت قواته صعوبات أثناء المعركة، منها نقص الوقود، كادت أن تفشل هجومه، لكن إصراره وإدارته الجيدة للمعركة مكنه من دحر قوات الجيش الثامن البريطاني، الذي أبقى فرقة من جنوب أفريقيا في طبرق، وتراجع إلى مصر، وربما كان الجميع يتعقد أن حامية طبرق ستصمد إلى يستأنف الجيش الثامن هجومه ويحررها، أو على الأقل تصمد لوقت طويل نوعاً ما.
لكن طبرق سقطت في يد قوات المحور بعد حصار قصير في 21 يونيو، وقام المشير كسلرنج بالمجيء جوًا إلى أفريقيا لغرض مقابلة رومل وعندما تقابل القائدان احتدم النقاش بينهما، ففي حين كان كسلرنج مصرًا على تطبيق الخطة الأصلية التوقف بعد احتلال طبرق، كان رأي رومل وجوب التقدم فورًا قبل أن يعيد البريطانيون تنظيم قواتهم من جديد ومن ثم الهجوم على ليبيا مرة أخرى، وكانت وجهة نظر كسلرنج أن التقدم إلى مصر، مع وجود قاعدة مالطة في يد البريطانيين، لا ينجح إلا بمعاونة سلاح الطيران، ولأن الطيران سينشغل بمعاونة القوات البرية، فلن يستطيع متابعة عملاته ضد مالطة، وبالتالي فإن خطوط إمدادات قوات المحور تصبح مهددة.
لم يصل القائدان إلى نتيجة، وفي النهاية وضع رومل كل من كسلرنغ، وكافاليرو أمام الأمر الواقع وأمر قواته بالتقدم إلى مصر، وكان هتلر يؤيده في ذلك.
معركة العلمين الثانية
فشل رومل في اختراق الخطوط البريطانية في معركة علم حلفا لم يكن أمامه ما يفعله سوى انتظار الهجوم البريطاني التالي على أمل أن يقوم بصده على الأقل. وفي يوم 23 سبتمبر 1942 سافر رومل إلى ألمانيا لتلقي العلاج، تاركًا وراءه جورج فون شتومه قائدًا لقوات المحور في شمال أفريقيا. وفي 24 سبتمبر، أثناء طريق العودة، التقى رومل بالزعيم الإيطالي بينيتو موسوليني، وشرح له مشاكل الإمدادات في الجبهة، وأنه إن لم تصل الإمدادات إلى المستوى المطلوب فسيضطرون للتخلي عن شمال أفريقيا، إلا أن موسوليني بدا عليه، وفقاً لرومل، عدم تقديره لخطورة الوضع. وبالنسبة للبريطانيين فقد استمروا في تعزيز موقفهم، واستمروا في تلقي الإمدادات من بريطانيا والولايات المتحدة، ولم يكن على هارولد ألكسندر، قائد القوات البريطانية في الشرق الأوسط، وبرنارد مونتجمري، قائد الجيش الثامن البريطاني، سوى اختيار الوقت الذي يناسبهم للهجوم.
خسارته لمعركة العلمين الثانية
كان رومل قد حقق بعض الانتصارات في مصر ولكن هذه الانتصارات كانت هي السبب في نقص السلاح في القوات الألمانية. خسر معركة العلمين الثانية في مصر على يد الجنرال الإنجليزي مونتجمري قائد الجيش الثامن البريطاني في أكتوبر 1942 م ليس لعدم كفاءته أو لكفاءة خصمه بل لعدم توفر دعم جوي لديه وكذلك نقص حاد في المحروقات بينما كان خصمه يتمتع بتفوق جوي مطلق ونسبة قواته تعادل 1:3 وقد اختلقت الدعاية البريطانية أسطورة مونتجمري لتعزيز معنويات جنودها المهزوزة ويبقى مونتي القائد الحذر الذي يحجم عن استغلال الفرص مستهيناً بالسيقات التكتيكية العسكرية لصالح المحافظة على سمعته فقط.
رومل يعصى هتلر
أراد رومل سحب الجيش الألماني من شمال أفريقيا لأنهم لن يستطيعوا أن يواجهوا صيف صحراء شمال أفريقيا ولكن هتلر رفض طلب رومل بل وأمر هتلر بأن يهاجم الجيش الألماني القاهرة وقناة السويس وبالفعل بدأ الجيش الألماني بالإتجاه نحو الإسكندرية حتى أوقفته القوات البريطانية علي بعد مئتي كيلومتر من الإسكندرية. وفي 4 نوفمبر لم يعد رومل قادرًا على تنفيذ أمر هتلر، فبدأ الانسحاب إلى فوكة في الغرب، وكان قد خسر ما بين عصر 3 نوفمبر، وعصر 4 نوفمبر حوالي 200 دبابة، وكان رومل قد التقى يوم 4 نوفمبر بالقائد الألماني ألبرت كسلرنج، قائد القوات الألمانية في جبهة البحر المتوسط وأكد له صواب رأيه بالانسحاب، وفي هذا اليوم أيضًا فقد رومل الاتصال بفون توما قائد الفيلق الأفريقي، وسرى اعتقاد بأنه قتل، لكنه في الواقع وقع في الأسر. وفي النهاية أمر هتلر بإعادة رومل إلى ألمانيا.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com