حوار مروى السعيد
على هامـش فعاليات الملتقى الثاني لتأهيل وتـثقـيف شباب المستـقـبل والـمندرج تـحت دورة الـبـرنامج الرئاسي لإعـداد الشباب للقيادة المستقبلية والذي يهدف لإنشاء قاعـدة شبابـية بـفـكر تـنويري متناغـم ومتصالح مع الحضارات والثقافات الأخرى كان لـقاؤنا مع الدكتور رؤوف هندي احد أبـرزالمحاورالهامة في مجال الحريات والحقوق الإنسانية ولاسيما المتعلق منها بحرية العـقـيدة والـفكر وكان د. هندي قد تقـدم بـورقـة بحثية بعنوان (حضارة العولمة)أثارت جدلا ونقاشا ولاقت حيّزا كبيرا من الاهتمام وسط النخبة المثقفة وخـاصة بعد قرار المؤسسة السويسرية(بروهلفتسيا) الوثقية الصلة باليونسكو بترجمة مقال الدكـتوررؤوف (حضارة العولمة)والذي تم نـشره في يونيو2016 في اكثرمن مـوقع إلى اللغـة الإنجليزية إقـتناعا منهم برؤيةعالمية يحويها المقال وفي ذات الوقت قوبل المقال من بعـض المثقـفـين بتشكـك وهـجوم فهم يرون ان المقال قد يُـفهم منه دعـوة لتفـتيت الاوطان فكان لابد من لـقاء مع كاتب المقـال وصاحب الورقة البحثـية في الملتقى لإلـقاء الضوء حول ماأثيرمن جدل وفي بـداية حوارناالذي امـتـد لساعتين وشمل قـضايا عديدة وهـامة وجه الدكتوررؤوف الشكر للمجلس الأعلى للثقافة لرعايته الملتقى ولـدوره الريادي التنويري ثم أعرب عن بالغ سعـادته بحالة الحراك الـفكري الذي أثاره المقـال والورقـة البحثية التي حوت في الأساس فكرة المقال
وقال هندي أن المقال لم يـشِرأبدا إلى فكرة تفتيت الاوطان بل كل ماتحدثت عنه أننا بسبب وكنتيجة لثورة الاتصالات التكنولوجية الغير مسبوقة تراجعت حواجز الحصانة للدول كلهاولم يعُد بمقـدور أي دولة من بسط سيادتهاعلى أراضيها بالمفهوم التقـليدي القديم وأشرت ان ثورةالأتصالات العلميةوالمعلوماتيةوتقنيتها فاقت التصوروالخيال وهي في مضمونها تحول نحو العالمية كعقيدة فالإنسان باتَ قادراعلى التفكير كونيّا والتفعيل محليا وألمحـتُ بأن البشريـة ونتيجة تلك الثورة الثقافية العلمية فهي على وشك استقبال حضارةجديدة أطلقتُ عليها في المقال والورقة البحثيةحضارةكوكبةالجنس البشريّ تتخطى المفهوم القديم لمصطلح الدولة بل سنعيش في عالم مابعـد الدولة او عالم اللادول عالم تزول فيه الحدود والحواجز والفواصل بين الدول ليصبح العالم كأنه وطـن واحـد والبشرسكانه وهذا لايعني أبدا دعوة أورغبة لتفتيت الدول وزوالها بل هورصد لواقع عالمي قائم فرض مفاهيم جديدة ومتطلبات ملّحة لعصر جديدعلينا إدراكها واستيعابها والتعايش معها من اجل استقبال تلك الحضارةالجديدة التي لاحَ في الأفق فجرها فعندما تكون(الأرض وطن واحدوالبشرسكانه) وهوقـول بالـمناسبة لحضرة بهاءالله مؤسس الدين البهائي تنبأ به منذ مايزيدعن160 عام وهومفهوم سيّرسخ فكرةالمواطنةالعالميةكنتيجة مباشرة لتقارب العالم وتحوله إلى بيئةواحدةيتجاور ويتحاورفيهاجميع البشر فالمحبة الشاملة لأهل العالم لاتستثني محبة الإنسان لوطنه ولا يستهدف إطفاء شعلة حُب وطن وطمس هويته ولن يتجاهل هذاالمبدأ خصائص الشعوب أوتلك السمات المتصلة بالعِرق والتاريخ واللغة والتراث والمتعلقة بكل امةوخيروسيلةلخدمة مصلحةالجزء في مجتمع شمولي عالمي هي خدمة مصلحة المجموع وفي رأيي أن محبة الإنسان لوطنه كمفهوم لابدوأنه سيتطورويرتقي ليشمل محبة العالم الإنساني ككل بل وخـدمته وفي رأيي ان فكرةالمواطنة العالمية كملمح من حضارة العولمة هي أبرز ماقدمته في المقال أو الـورقة البحثية وأعي تماما مصطلح جديد على أجندة الثقافة المصرية لذا فانا متفهم تماما لكل اختلاف وجهات النظروالرؤى بل وسعيد بها.وفي سؤال عن النتائج المتوقعة بخصوص اقتراحه المتعلق بلقاء وزيرالعدل بالأقليات المصرية والذي تمت الموافقةعليه بالإجماع في المنتدى الحقوقي للبلدان الأفريقية قـال الدكتور رؤوف :
بالفعل كان قد تم إرسال برقية لوزير العدل من اجل مقابلة وفـود الأقـليات المصرية العرقـية والدينية للإستماع لمشاكلهم التي لاتزال عالقة ولكن ليس من وظيفتي متابعة إجراءات ولكن علمت بأن الـوزير قـد أجرى بالفعـل مقابلات مع بعض وفودالأقـليات وأتمنى ان يقابل ممثلي جميع الأقليات وبدون تميـيز.
وفي سؤال حول رؤيته الحالية لوضع المواطنة والحريات والأقليات في مصر قال هندي للأسف هـناك معوقات كثيرة ولايزال مصطلح المواطنة كمعنى ومضمون كلمة للديكور تردده شفاة المسئـولين لـزوم الـشو الإعلامي ولكن على أرض الواقع هناك تمييز بين المواطنين بسبب الدين والعـقيدة وهناك قـهـر مـقـنن واضطهاد لبعض المصريين ممن لايدينون بدين الأغلبية لذلك يلزم جملة مـن الاجراءات على الحكومة إتخاذها لترسيخ دعائم وأسس دولة مدنية حديثة هذا إذا كانت جادة ولديها الإرادة السياسية الحقـيقية لحماية حرية الفكروالعقيدة لكل مواطنيها وان تكون المعاييرالحقـيقية لتقييم المواطنين هـو القانون والعلم وعلى الحكومة أن تقف على مسـافة واحدة تجاه كل معـتقـدات مـواطنيها في رأيي ان الحريةالتي تنتج خياراوتمنع أخرهي حرية زائفةولايمكن من وجهة نظري إعتبارإعتناق دين الأغلبية حرية إلاإذا كان تركة ممكنا وامنا وبحرية وأن الاخرايضا يعيش بحرية وامان ويـقـول نلسون ماندلا الحريات الإنسانية في المعتقد لايمكن ان تُعـطى على جرعات فالإنسان إما ان يكون حرا أو لايـكـون ويـؤسفني انه في الوقـت الذي أتحدث فيه عن المواطنة العالمية لاتـزال الأقـليات في بـلداننا العـربية تعـاني من سـلب أبسط حقوق المواطنة فنرى هناك تعنت وقهرواضطهاد بل وسجن في بعـض البلدان لمواطنين كل تهـمتهم انهم لايدينون بدين الأغلبية على الرغم من احترامهم للقانون وخدمتهم لبلادهم فـمتى سندرك انه يتحتم علينا وفورا التصالح مع ثقافات وحضارات ومعتقدات أهل العالم بل والتعايش معها في ظل التعـددوالتنوع وقبول الأخروهي مقومات باتت لامفرمن الأعـتراف بها وضـرورة لنهضة الامم فالعالم قد تغيرت مفاهيمه وتوجهاته ومن لم يدرك المتغيرات فسيكون خارج المنظومة الإنسانية والعالمية وحينها ربما يفـقد مقـومات البقاء ويكون مهـددا بالتلاشـي والـزوال .
وبخصوص سؤال عن الثورات التي شهدتها المنطقة في السنوات الاخيرةوأثرها على وضعيةالحريات قـال دكتوررؤوف هناك اعتقاد وتصور خاطئ لدى البعض الذين يظنون ان الثورات هي تغـيير أشخاص أونوعـية أنظمةولكن مصطلح الثورات في عِلم الإجتماع السياسي هـوتغـييرالعـقل الجمعي لأمة من الامم نحوالتنويروالرقيّ والازدهارهذه هي الثورات الحقيقية ثورات ثقافية تنويرية يضرمها المفكرون والفلاسفة فـتغـيروتطيح بظلامية العقول وتقفز بالأمم نحو التقدم والرقـيّ وهذه هي الثورات الحقيقية في التاريخ الإنساني كما حدث بالضبط في عصرالنهضة بأوربا وغيرذلك ليس بثورات بل هي صراعات وتصــفية حسابات بين أيدولوجيات سياسية متصارعة وفي رأيي اننا فـي احتياج لثورة ثقافية تنويرية في ربوع ونجوع وقرى مصركمـشروع استراتيجي شامل يأتي في مقدمة اولويات المرحلة الحالية يقتضي وجود إرادة سياسية حقيـقية لتحقـيق ذلك الحلم والامـل وإعادة النظر وبجرأة في منظـومة التعـليم بكل مراحلهـا وعناصرها مـع الإستعانة بالـخبرات العالميـة فـي هـذا المجال ولذا فـمطلوب فـوراعـلمنة العـقـل المصري ليـصبح مـتناغما متعايـشا قابلا للتصالح والتعامـل والخلـق والإبداع في ظـل متـطـلبات الزمـن الجديد مطـلوب فـوراخلق اجيال جديدة بامال وطموحات جديدة تدرك عالمية عصر نحن مرغـمين ان نتعايش معه وقد أشرت لذلك فـي مـقالي(مطلوب ثورة ثقافية تنويرية) الذي تـمت دراسـته في قـصـور الثقافة بعدد من محافظات وقرى مـصركاأحـد دعائم وروافـد تـثقـيف الـشباب.وفي سؤال عن مستجدات مشروع حـذف خانة الديانة المقدم من النائب علاء عبد المنعم باسم إئتلاف دعم مصر قال الدكتور رؤوف انه تـقابل بالصدفة في إحدى المنتديات مع الصديق العزيزمحمد انورالسادات رئيس لجنةحقوق الإنسان بمجلس النواب وكان المستشاربهاء ابوشقة رئيس لجنـة التشريعات بالمجلس متواجدا وتحدثت معهما بإفاضة عن مشاكل عديدة قد تواجه الأقليات إذا صدرَالـقانون بهذه الـصورة وأبدواإهتماما كبيرا بكل ملاحظاتي التي وردت في حوارصحفي لي بخصوص هذاالموضوع وكماعلمت فإن النائب أنورالسادات قام بتوزيع نُسخ مصورة من حواري الصحفي على السادةالنواب في المجلس اثناء مناقشتهم للقانون واعتـقد من وجهة نظري الشخصيةأنه لن يتم الموافقة على هذاالقانون.
وفي سؤال بخصوص قانون بناء الكنائس الذي يتم مناقشته الأن قال دكتوررؤوف من مسمى القانون فهذا يخص الكنـيسة الام وحدها ولكننا في مجلس الأقليات كنا قـد تقـدمنا بمسودة مشروع قانون موحد للعبادة يضمن لكـل مواطـن ومقـيم حرية ممارسة شعائره الدينية وقد استلمه المستشاربهاءأبوشقة ووعد بدراسته وبحثه ولايزال قيد الدراسة والبحث.
وفـي سـؤال عن رأيه لأهم أحداث أولمبياد ريودي جانيرو2016قال هذاالحدث العالمي وحدّ الـبشرية وأضاف لقد أبهـرني حفـل الإفتتاح الذي أُقيم على ملعب ماركانا الشهير وسـط حضوركـوكبة لامعة من اكبرشخصيات العالم وقادة الحكومات وهو تجمع إنـساني رائع يدّل أن الـبشر قـادرون على الـتلاقي والوحدة والسلام وهي قيم إنسانية عُليا حرص الـحفـل المبهر أن يؤكدها واكثرمالفـت نظـري حين تجـلت وتألقـت القيم الأخلاقية فـي أروع صورها في مـشهد العـداءة الأمريكية ديأجوستيو فبرغم أنها كانت على بعد بضع دقائق من إنهاءالسباق والفوزلكنها توقفت وذهبت للإطمئنان على منافستها النيوزلندية حين سقطت مصابة فتجلى موقـف إنـساني مُبهرامام العالم كله وأعجبني جدا قـراراللجنة الأوليمبية الرائع بتأهيل العداءتين للدورالنهائي ترسيخا للقيم الأخلاقية والإنسانيةالتي تقام من أجلها الألعاب الأولمبية كما أبهرني جدا وبشعورمـن السعادة والفخرالمظهرالمشرف لفتيات مصر في السباحة التوقيعية فـقد قدمواعرضا مبدعا وراقيا وأهنأ كل شـبابنا الـذين حـصلواعلى مـيداليات ولكن أتمنى بكل تاكيد في الاولـمبياد القادمة ان تحقق مصرإنجازات اعظم وعن رؤيته لسير العملية الديـمقراطية بمصر قال الديمقراطية بمكوناتها الأربعة(العلمانية والعقد الإجتماعي وعصر التنويروالليبرالية) هي عـمليات متدرجةلايمكن تحقيقها بين عشية وضحاها والديمقراطية كحٌكم الأغلبية بالانتخابات فقط قد تتحول إلى ديكتاتورية الأغلبية وتؤدي إلى ضياع حقوق الأقليات والحريات أما الليـبرالية الديمقـراطية فـهي حٌـكم الأكفْاءوفيها إعلاء لقيمة الفرد وضمان الحريات العامة والخاصة وهي ليـبرالية دستـورية لايمكن أبـدا تعطيل الدستور فيها تحت أي مسمى وفيها فصل كامل للدين ونصوصه عن إستراتيجيات الدولة ولكن علينا ان نعلم ان هذه الديمقراطية التي أبدعها جون ستيوارت استغرق تحـقيقها في أوربا أربعة قرون وهذا معنى كلامي ان الديمقراطية عمليات متعددة وممتدة وتدريجية.وفي نهاية حوارنا الثري مع دكتور رؤوف هندي احد أبرز النخبة الوطنية المثقفة والتي تحمل رؤاه دوما أفاقا اوسع وأرحب نحو العالم وجهنا له الشكروالتقديرعلى هذا اللقاء على وعد بتكرار مثل تلك اللقاءات الثرية.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com