قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(327)
بقلم: يوسف سيدهم
يتواصل الحديث عن مجلس الشعب الجديد وسيادة الحزب الوطني علي تشكيله. وسواء كان ذلك مستحقا بفعل تفوق الحزب الوطني علي سائر الأحزاب الأخري أو كان نتيجة طبيعية للخريطة السياسية المختلة التي أرادها وسكت عليها الحزب الوطني, فإن الوقت حان لمناقشة كيفية الخروج من هذا المشهد المريض والعمل علي تهيئة الأمور لإفراز تعددية سياسية حقيقية تستطيع المشاركة والمنافسة ولا تكتفي بدور الكومبارس المرسوم لها بعناية.
يتساءل البعض بسخرية تستخف بعقولنا إزاء انكماش فرص الأحزاب في الفوز بمقاعد مجلس الشعب:ماذا تريدون أن يفعله الحزب الوطني؟...أينسحب من الدوائر ويتركها للأحزاب أم يتم تحديد كوتة للأحزاب مثل كوتة المرأة؟, لكن الأمر ليس بهذه البساطة التي يلجأ إليها من يتغافلون عن موطن الداء...فالحقيقة أن الخريطة السياسية المصرية تم تفصيلها بشكل لا يسمح إلا بسيادة وتميز الحزب الوطني وبضمان أن تدور الأحزاب الأخري في فلكه لاستكمال مشهد التعددية الحزبية فقط دون أدني مزاحمة منها لانفراده بالحكم...
ومن تابع خلال العقدين الماضيين الدور الذي قامت به لجنة شئون الأحزاب, وكيف رفضت العديد من طلبات تأسيس أحزاب جديدة ضمت من العناصر البشرية من له ثقل ملفت وطنيًا وفكريًا وسياسيًا وامتلكت برامج جادة متميزة, هذا في الوقت الذي قبلت هذه اللجنة طلبات أخري لتأسيس أحزاب موجودة علي الساحة الآن ويتسم دورها وأداؤها بالهزال...من تابع كل ذلك لا يفوته أن يلحظ أن لجنة شئون الأحزاب ساهمت جدا في تعظيم دور الحزب الوطني وحمايته من المنافسة حتي ينفرد بالساحة ويهيمن علي الخريطة السياسية...ولعل من يستغرب هذا الكلام عليه أن يراجع تشكيل اللجنة التي تتكون من أقطاب الحزب الوطني نفسه وهي اللجنة المفترض فيها الحياد التام والترفع عن الانتماء الحزبي.
إذا تغيير الواقع الذي نعيشه في الخريطة السياسية يجب أن يعتمد علي ضخ دماء جديدة تبعث الحياة في الأحزاب الموجودة علي الساحة بإضافة أحزاب جديدة تقدم أشخاصا جددا وفكرا جديدا وبرامج جديدة, وهذا لا يتأتي إلا بفتح المجال لانضمام تلك الأحزاب الجديدة دون قيود, إما بإلغاء لجنة شئون الأحزاب والسماح بتشكيل الأحزاب بمجرد الإخطار أو بإعادة تشكيل اللجنة بحيث تقتصر عضويتها علي أقطاب لهم وزنهم وليس لهم أي انتماء حزبي...إذا فعلنا ذلك نستطيع في فترة عشر سنوات تقريبا أن نقدم لمصر خريطة سياسية عفية لها من التنوع ما يجذب الجماهير ويقنعها بالذهاب لصناديق الانتخاب ساعية لتعضيد رؤي سياسية وبرامج جادة تحقق آمالها في حياة أفضل بدلا من المشهد العشائري القبلي الذي يسيطر علي انتخاباتنا حتي اليوم...وبهذه المناسبة يجب أن نعترف بأن جزءا لا يستهان به من تفوق الحزب الوطني خاصة في المحافظات خارج نطاق القاهرة والمدن الرئيسية يرجع إلي ترشيحه كبار العائلات حتي يضمن أصوات أتباع هذه العائلات, ولم يكن خافيا علي الكثيرين أن ظاهرة ترشيح الحزب الوطني لأكثر من مرشح واحد عن ذات المقعد في دوائر عديدة في الأقاليم وهي الظاهرة التي برزت خلال انتخابات هذا العام إنما كانت انعكاسا للثقل العشائري المتساوي أو المتقارب لأكثر من عشيرة في ذات الدائرة, الأمر الذي لم يستطع الحزب حسمه لصالح مرشح واحد دون الآخر, لما يمثله ذلك من مخاطرة بأصوات الدائرة, لذلك ترك الباب مفتوحا لمنافسة أكثر من مرشح حتي يضمن فوز الحزب بالمقعد أيا كان المرشح الفائز في النهاية.
يأتي بعد ذلك النظر إلي النظام الانتخابي نفسه الذي يتحتم إعادة النظر فيه لإحلال نظام الانتخاب بالقائمة محل النظام الفردي المعمول به حاليا...فالنظام الفردي يعتمد علي تعظيم قيمة الفرد فوق قيمة الانتماء الحزبي ويسمو بقدرات الفرد فوق الثقل الحزبي, وقد رأينا جميعا كيف ضاعت البرامج الحزبية وانكمش تأثيرها وخف صوتها في الانتخابات الأخيرة أمام الوعود الفردية والإغراءات المادية وهي الأدوات التي لجأ إليها المرشح الفرد بجانب سيطرته المحلية الراجعة إلي عشيرته وعزوته.
أما نظام الانتخاب بالقائمة فينعقد عليه الأمل في علاج كثير من مواطن الخلل في نظامنا الانتخابي, لأنه يقدم الحزب-أو الائتلاف الحزبي- قبل الفرد, ويراهن علي السياسة والبرامج الحزبية أكثر من العشيرة, ويسمح بإرسال تنوع حزبي إلي المجلس التشريعي توطئة لإيجاد تمثيل متوازن ومعارضة قوية لصالح الحياة البرلمانية. ولايفوتنا أن هذا السيناريو يخلو بشكل كبير من شتي أشكال استمالة الصوت الانتخابي ماديا وماليا كما يحجم من تأثير نفوذ وزراء الحكومة الذين يتقدمون للترشيح دون الاستقالة من مناصبهم وما يفرزه ذلك من الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص بينهم وبين المرشحين الآخرين.
ولأن المجلس القومي لحقوق الإنسان جهاز تابع للدولة وعلي قدر كبير من الحيدة والاحترام وتتسم تقاريره بالشجاعة والمصارحة, ألتقط في هذا الخصوص ما جاء في تقريره الصادر الأسبوع الماضي والذي تناول فيه بعض ما حدث في الانتخابات مشيرا إلي أن المجلس عاكف علي تجهيز تقريره النهائي عنها وسوف يصدره خلال أسابيع...وأورد التقرير الفقرة التالية:...وسوف يتضمن التقرير عددا من التوصيات المهمة المتعلقة بمدي ملاءمة نظام الانتخاب الفردي, ومدي قدرته علي توسيع قاعدة المشاركة والضمانات المطلوب تحقيقها لانتخابات شفافة....
ولنا عودة حول التقارير الانتخابية وكذلك حول الأجندة التشريعية لمجلس الشعب الوطني.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com