ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

المرمى الطائفى

عاطف بشاى | 2016-09-04 20:27:38

 «إذا كنت وأنا سنى اتناشر سنة بيطردونى من الملعب.. أمال أما يبقى سنى عشرين.. هايعملوا فىّ إيه؟!.. هايولعوا فىّ؟!»

 
تلك الصيحة المريرة التى أطلقها الطفل «مينا» تعليقاً على استبعاد كابتن «إكرامى» له ولزميله «بيير» من اختبارات النادى الأهلى لحراس المرمى تحت (14) سنة لأنهما مسيحيان.. وخلو بعثة مصر الأولمبية لـ«ريو دى جانيرو» التى ضمت (122) رياضياً، من الأقباط.. اقتداء بفتاوى «ياسر برهامى» وغيره من التكفيريين المزدرين للمسيحيين ودينهم وكنائسهم.. تلك الصيحة تعبر بأسى عن رعب من مستقبل بائس لأقلية مضطهدة فى مجتمع يتشدق بأنهم شركاء وطن ومصير.. ينعمون فيه بالمساواة وحقوق المواطنة.. بينما الحقيقة أن الفكر العنصرى البغيض الذى تزداد حدته.. وأصبح يكشف عن نفسه بوقاحة وغلظة دون مواربة أو خجل كنتيجة منطقية لسيطرة التيارات الوهابية الظلامية على مقدرات شعب.. لم يعد طيباً.. ولم يعد متسامحاً.. وحدث له نوع من الانقلاب فى السلم القيمى.. حيث خلقت تلك التيارات المتخلفة تربصاً واحتقاناً وانشقاقاً يستثمر فى شيوع التناحر الذى يكرس الفرقة والانقسام ويعلى من شأن «الطائفية» فوق «المواطنة».. ويهدر من أصول ودعائم دولة مدنية يتناقض وجودها تناقضاً مخلاً فى مواجهة دولة دينية تغذيها فتاوى مسمومة أصبحت مترسبة فى العقول، راسخة فى وجدان العامة والبسطاء.. ترى أن الكتب السماوية عند المسيحيين غير سماوية.. ولا يجوز للمسلم أن يبدأ بالسلام على «النصرانى» أو يهنئه فى أعياده الباطلة.. وأن عبارة «الدين لله والوطن للجميع» بها ضلال مبين.. ومن ثم فإن «إكرامى» حينما يستبعد الطفل المسيحى من الاختبارات يتصور أنه سوف يثاب لأنه استبعد ذمياً، فالشارع المصرى أصبحت تحكمه نزعة طائفية وتحركه ثقافة الحلال والحرام، والمزاج السلفى يسيطر على أفكار الناس وكافة أمور حياتهم الاجتماعية.
 
لذلك فإن الاعتراف بفداحة التصدع فى بنيان العلاقة بين الأقباط والمسلمين أجدى وأنفع من التخفيف من شأن واقع مؤلم شرس يسيطر فيه العنف والتطرف ونبذ الآخر والتشدد الدينى على الشارع المصرى.
 
والحقيقة أن سيطرة فكرة نبذ «الآخر» والإحساس بالاضطهاد الدينى لدى الأقباط هى إحساس قديم راسخ فى النفوس.. لكن الفارق هو فى شكل التعبير عنه الذى أصبح يتصف بالجهر والإعلان المباشر دون التفاف أو محاولة للإخفاء أو التبرير.. فـ«إكرامى» -كما جاء فى أخبار الواقعة- استبعد الطفلين على الملأ.. أى أن «تديين» الكرة والاستبعاد التلقائى لغير المسلمين يتم بوضوح، أو كما يقول د.«منير مجاهد» رئيس جمعية «مصريون ضد التمييز» فى تحقيق أجراه الصحفى «حمادة حسين»، إن هذا الاستبعاد الذى ظهر منذ مرحلة السبعينات تحول فيها التدين بالتدريج إلى منظومة فى الفريق بأكمله تعلن عن نفسها صراحة.
 
وقد سبق فى عام (2010) -وفى إطار اختلاط الخطاب الدينى بالخطاب الرياضى- أن خصصت مجلة «روزاليوسف» فى أحد أعدادها ملفاً بعنوان (الدين والكرة) دعت فيه إلى رفض تسمية المنتخب الوطنى لكرة القدم بقيادة مدربه كابتن «حسن شحاتة» بـ«منتخب الساجدين».. وعدم الانسياق وراء مروجى الفتن ومحترفى تعكير الأجواء الصافية بحثاً عن صيد خبيث.. أولئك الذين نجحوا فى الهبوط بالدين من عنان السماء إلى الشوارع والميادين والساحات والملاعب حتى أصبح مثل عصا غليظة معلقة فى الهواء لإرهاب الآمنين والمؤمنين بالفطرة مما يمثله ذلك من استنفار مارد الغضب الأعمى وإحالة من يحاول التصحيح والتحليل إلى مارق مهما كانت درجته العلمية وشفافية وصدق اجتهاده.. ذلك إن التصاق وصف «الساجدين» بمنتخب مصر الوطنى فى اللعبة الأكثر شعبية وجاذبية فى العالم، يصعب جداً التعامل معه على أنه مجرد (Nick name) هدفه تمييز منتخبنا لأنه ينسحب على شخصية الدولة المفترض أنها وفقاً للدستور دولة مدنية لا دينية.
 
لذلك فقد صرح «نور قلدس» مؤلف كتاب «الأقباط والرياضة» بأنه بالطبع لا يمكن تخيل حال لاعب مسيحى كـ«هانى رمزى» أو «محسن عبدالمسيح» فى منتخب «حسن شحاتة» الذى يبنى اختياراته على أساس الأخلاق والدين، حتى إنه كان يصطحب رجل دين ضمن بعثة المنتخب حتى يجلس مع اللاعبين ويهدئ من روعهم قبل المباريات الصعبة، ويبث الطمأنينة فى نفوسهم.. هذا بينما أكد «حسن شحاتة» أنه من الحماقة ألا يستفيد المدرب من لاعب قبطى موهوب سوف يرجح كفة فريقه ويعلى من شأن المدرب.. كما أكد «هانى» نفسه أن نظرة الأهل دائماً إلى ابنهم إذا أخفق فى إثبات ذاته فى أحد النوادى هى نظرة اتهام للمدرب بالتعصب الدينى.. رغم أن الابن كثيراً -أو عادة- ما يكون غير موهوب.. وهذا يقودنا بالطبع إلى مناقشة انعكاس هذا الإحساس بالاضطهاد لدى الأقباط ونفورهم من المشاركات الاجتماعية المتصلة بالأنشطة البشرية المختلفة والمشتركة.. ومنها النشاط الرياضى إلى نوع من الهوس والوساوس القهرية التى أدت إلى عزلتهم فى «جيتوهات»، منها مثلاً جيتوهات الطلبة المسيحيين فى الجامعات المصرية التى تدعم وترسخ العزلة عن الحياة الجامعية.. وهى نتيجة مباشرة لأنشطتها المتقوقعة المتمثلة فى الأسر الجامعية المسيحية.. كل كلية لها أسرة يجتمعون مرة كل أسبوع فى إحدى الكنائس يصلون ويمارسون الشعائر الدينية ويتبادلون الآراء والأفكار حول بعض الأمور العقائدية والأنشطة الدينية التى تبتعد تماماً عن مناقشة مشاكل المجتمع وهموم الإنسان المعاصر وتنحصر فى الروحانيات.
 
يروى «خالد الخميسى» فى كتابه المهم «تاكسى.. حواديت المشاهير» موقفاً حدث له مع سائق تاكسى، فحواه أن السائق الشاب رفع صوت شريط الكاسيت إلى درجة مزعجة جداً.. فلما طلب منه أن يخفت الصوت صرخ فيه: «يعنى ده لو قرآن كنت قدرت تقول لى وطى الصوت؟!».. يدرك الراوى أن الشريط يحوى عظة دينية.. كما يستلفته وجود عدد كبير من صور «البابا شنودة» و«البابا كيرلس» معلقة داخل التاكسى فى تعمد أن يعلن أنه مسيحى.. ثم يقرر السائق: «مش حاوطى الصوت ولو مش عاجبك انزل».. يتودد الراوى له ويحاول بكل الطرق أن يمتص غضبه ويستدرجه عما يجيش فى صدره.. «لسه أخويا مكلمنى دلوقتى.. ده الوحيد اللى فلح فى عيلتنا.. ده عقبرى.. معيد فى كلية الآداب اجتماع.. الدكتور إللى بيشرف على رسالته أجل المناقشة كمان مرة.. بيمطوح فيه.. مضطهده علشان مسيحى.. عاملين فى كلية الآداب رباطية علشان يقفوا فى وش كل مسيحى».
 
موقف آخر صادفنى شخصياً.. فى أحد الاختبارات الشفهية للقبول بالمعهد العالى للفنون المسرحية قسم التمثيل.. وقف الطالب المسيحى فى مواجهة اللجنة المكونة من أساتذة المعهد الكبار فلما سألوه عن اسمه اكتشفوا لديه عيباً جسيماً فى النطق.. فهو ينطق حرف «السين» «ثاء» حيث قال: إثمى جرجث إثحق عبدالمثيح (اسمى جرجس إسحق عبدالمسيح)، فداعبه أحد الأساتذة مردداً: «قل خمسة وخمسين فقال: «خمثة وخمثين».. ثم عاد يسأله: قل «خمسة وستين».. فقال: «خمثة وثتين».. فقال له الأستاذ: «ثاقط يا جرجث.. مع الثلامة» (ساقط يا جرجس.. مع السلامة) فخرج جرجس يشكو للزملاء مؤكداً أنه أجاب عن كل الأسئلة لكن الأساتذة اضطهدوه مردداً: «والمثيح الحى دى كوثة ثقطونى علشان أنا مثيحى» (والمسيح الحى دى كوسة.. سقطونى علشان أنا مسيحى)..
 
نقلا عن الوطن
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com