ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

دروس لاتينية

بقلم : د. عماد جاد | 2016-09-05 22:36:07

 تُعد البرازيل من بين الدول القليلة فى العالم التى حققت قفزة ضخمة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هذه الدولة اللاتينية التى كانت حتى عام ٢٠٠٢ دولة مأزومة يرفض صندوق النقد الدولى منحها المزيد من القروض لشكوك فى قدرتها على السداد، أصبحت فى العام ٢٠١٢ دائنة للصندوق بمبلغ ١٤ مليار دولار، وباتت اليوم، مع الصين والهند وروسيا وجنوب أفريقيا، ضمن دول «البريكس»، وهو تجمع من الدول صاحبة أسرع معدلات النمو فى العالم. حققت البرازيل قفزتها الكبرى بوصول الرئيس السابق لولا دا سيلفا إلى السلطة، ذلك الرئيس المقبل من الطبقة العاملة والذى عمل بيديه فى المصانع وفقد أحد أصابعه، جاء لولا دا سيلفا إلى السلطة والبرازيل فى وضع متوسط، بمعنى أن من سبقه من رؤساء فى حقبة التسعينات عملوا على تحقيق قدر من التوازن فى ذلك البلد الضخم، تمكن من سبق «لولا» من الرؤساء من إرساء أسس الاستقرار، ثم جاء لولا دا سيلفا وبدأ فى تطبيق رؤيته المستندة إلى مبادئ الديمقراطية الاجتماعية، حافظ على اقتصاد السوق الحر، دعم التوجهات الرأسمالية ولكنه تمسك بتطبيق العدالة الاجتماعية التى تمثلت بالنسبة له فى التزام الدولة بمساعدة الفئات غير القادرة وضمان حصولها على أربعة حقوق أساسية هى: المسكن الصحى، التعليم المجانى الجيد، الرعاية الصحية الجيدة، وأخيراً حد أدنى للأجور يلبى احتياجات المواطن الأساسية. نجح الرئيس البرازيلى السابق لولا دا سيلفا فى تحقيق معدلات تنمية عالية مكّنته من معالجة قضايا الفقر فى المجتمع البرازيلى، نجح فى محاصرة ظاهرة مدن الصفيح والعشوائيات، تمكّن من إدخال الأطفال فى العملية التعليمية، نجح فى تحقيق قفزات هائلة فى الرعاية الصحية على النحو الذى جعل البرازيل فى عهده الدولة الوحيدة فى نصف الكرة الغربى التى تُدرج علاج الأسنان ضمن الرعاية الصحية المجانية.

 
جاء دا سيلفا برؤية وطنية تنطلق من العمل مع كافة القوى السياسية فى البرازيل، بدأ بمصالحة وطنية شاملة مع الماضى، مع تجاوزات النظم السابقة دون تفريط فى حقوق المواطنين ودون تراجع أمام أى قوة سياسية، مواجهة حاسمة مع الخروج على القانون، ولم يكن هناك مجال للبحث عن مصالحة مع كل من خرج على القانون، أقر بدور الدين فى حياة المواطن البرازيلى دون تزيد ودون مبالغة، أى دون أن يخلط بين الدين والسياسة، فالدين صلة بين المواطن وخالقه وما يؤمن به ويعتقد فيه. أطلق طاقات مواطنى البرازيل فى العمل، لم يكن أسيراً للماضى، لم يندفع وراء رغبة فى الانتقام ممن كانوا خصوماً له ولتياره السياسى. وعندما أنهى دورتيه فى مواقع السلطة لم يتحايل على الدستور ولم يبحث عن سبل تبرر له الاستمرار فى السلطة، فقد أرست بلاده مع غيرها من دول أمريكا اللاتينية صيغاً للديمقراطية يقضى من خلالها الرئيس ما بين دورة واحدة (المكسيك وتشيلى) ودورتين (مثل البرازيل والأرجنتين)، ومن أراد الحفاظ على خط الرئيس فى الإنجاز والتنمية حقق ذلك بطرق مختلفة دون المساس بالدستور، فأهل الأرجنتين قدروا إنجازات الرئيس السابق كريشنر الذى أمضى مدتين فى الرئاسة ومن ثم وجب عليه الرحيل، وكان الحل هو ترشيح زوجته كريستينا كريشنر لمنصب الرئيس حتى يبقى الرجل فى القصر الجمهورى، وهو ما تحقق بالفعل حيث تولت السيدة كريشنر رئاسة الأرجنتين وعملت بمفردها بعد رحيل زوجها الرئيس السابق، أنهت دورتى الحكم وودعها الشعب بالدموع.
نقلا عن الوطن
 
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com