بقلم: محمد بربر
حلقة جديدة لكنها كانت مرهقة بالنسبة له، أخذ المفتش "كرومبو" يتابع أحداثها، ماذا يحدث في بلدة فساد ستان، أين الأزمة الحقيقية، من السبب، لمصلحة من يحدث كل هذا، ما مصير هذا البلد الذى كان مضرب الأمثلة فى الحضارة والتاريخ والفن والعلوم، كل هذه الأسئلة صدعت دماغ المفتش كرومبو، ظل يحاول المفتش كرومبو إيجاد اللغز الذي استطاع دائمًا أن يفك شفراته، قرر استخدام جهاز الكمبيوتر الخاص به، الجهاز الذس يحتفظ به لنفسه ويساعده في اكتشاف الحقائق، المعادلات التي يجيد استخدامها محفوظة على الجهاز العبقري، فتح "الإنترنت" وتصفح العديد من المواقع والصحف التي من الممكن أن تساعده على حل اللغز، بحث عن كلمة "فساد"، هاله ما رأى، شعر بأن دقات قلبه تتزايد، صحافة ملونة، تترجم فساد مؤسسات، في مجتمع يعاني من ألغاز كثيرة، هحل إيه ولا إيه، صارح نفسه، ثم أعطى لنفسه مساحة من الوقت حتى يُرضي غروره وينجح في إيجاد اللغز الذي أوصاه أهل "فساد ستان" بمساعدتهم في إيجاده، لعلهم ينجحون في تطوير بلدهم وطرد من أفسدوها.
"تمييز"، "عنصرية"، "استبداد"، مفردات جديدة لم يسمع عنها من قبل، لكنه لا يزال يبحث في شبكة الإنترنت الدولية عن أسباب هذا الكم الهائل من الفساد، أين البديل، وجوه مكررة مشوهة، وواقع يأبى التغيير، من يسمح له أصلاً أن يتغير، دقات قلب كرومبو تتزايد، يخشى الفشل لكنه يتحدى نفسه، "عنف"، "نفاق"، "خنوع"، تتوالى المصطلحات، وتتوالى أيضًا تعقيدات اللغز، أين المفر من كل ما يحدث، الآن يشعر بعاطفة تجذبه ليعلن –وبصدق مع نفسه– مع أهل البلدة، يتهجى بصعوبة كلمة ملونة مائلة "معارضة"، يقرر أنها مائلة لأن القائمين عليها يميلون إلى أشياء أخرى غير إصلاح هذا البلد، وأن الألوان التي تطغى على الكلمة تؤكد أمرين هامين، أولهما أن ليس كل المعارضين على سوء شديد، غير أن أحداثًا كثيرة وعواقب أكثر تمنعهم من القضاء على هذا الحال المائل، الأمر الثاني هو أن الواقع في بلدة "فساد ستان" يعاني من غياب منهج منظم ومدروس، ببساطة شديدة، الأمور فوضوية تتلون بتلون الأحداث.
أجهد التفكير كرومبو فاتجه لتناول كوب من المياه "يبل" به ريقه، فتح حنفية المياه في غرفة متواضعة بإحدى شقق البلدة، وضع الكوب أسفل الحنفية وهو يتمنى أن يشرب مياه الدنيا كلها، فالوضع محير جد، قطرات المياه تسبح داخل الكوب، شرب الكوب سريعًا قبل أن يكتشف أن شوائب أخرى زارت بطنه وعليه أن يعتاد عليها طالمًا أراد الإقامة في البلدة لحل مشكلة المواطنين الغلابة، تجرع المأساة وعاود البحث، كتب "ديمقراطية" في بحثه على موقع "جوجل" الشهير، صفحات عديدة قرأها لكنها جميعًا تنتقد غياب الديمقراطية في البلدة، وضع يده على أول الخط، فرح بهذا جدًا، وأقنع نفسه بأن أول الغيث قطرة، قطرة تختلف عن قطرات الشوائب بالتأكيد، ولكن المشكلة حدثت بالفعل، لقد قرأ كرومبو تقارير خطيرة "الجهاز المركزي للمحاسبات"، "الحريات"، دقات قلبه تزداد بشكل سريع، يواصل القراءة فيجد "تعدد الديانات والمذاهب"، "العشوائيات"، "القهر"، "تشويه صور الرموز الوطنية"، يتحدث بصوت مسموع لعله يقنع نفسه "إيه ده يا كرومبو، الناس دي ساكتة ازاي"، جمل أخرى تظهر على الشبكة العنكبوتية غريبة هي الأخرى "زواج عرفي"، "أمراض سرطانية"، "إقصاء للآخر". قلب كرومبو يكاد أن يعلن التوقف على الرغم من أن المفتش نفسه يكافح من أجل مساعدة هؤلاء المساكين، يصرخ بأعلى صوته "دى مش بلد، دي غابة"، ثم يحقر من نفسه مرات ومرات، وهل في الغابة وحشية بتلك الطريقة، الحيوان لا يصطاد إلا إذا كان جائعًا، في البلدة المكلومة، يأكلون الناس في السر والعلن، من أجل تحقيق رغباتهم الشهوانية، يدوسون على رؤوس أقرانهم من البشر من أجل حفنة من المال، السلطة. رمى المفتش كرومبو قلمه على شاشة الكمبيوتر، ضحك بصوت عال وهو يرقص كالمجنون، يقفز لأعلى ثم يضحك في قهقهة عالية، عملتوا فيها إيه يا ولاد اللذينا، بعد مرور أيام قليلة، كان كرومبو يتلقى العلاج بإحدى مستشفيات الصحة العقلية، فقد أودعه الأهالي المصحة، ولسان حالهم يقول "حتى أنت أيها المفتش كرومبو".
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com