ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

ازدواجية العدالة المصرية

منير بشاي | 2010-12-20 11:01:23
بقلم: منير بشاي

تعامل العدالة المصرية مع قضايا الأقباط يثير الشبهات. هذه حقيقة نلمسها في ما مضى من قضايا ونرى بوادرها اليوم في القضايا المعروضة أمام القضاء
الآن. سمعنا أنه في حادثة قرية"النواهض"والتي أدت إلى حرق أكثر من 20 منزل مملوكة للأقباط، أن رجال الأمن أجبروا أصحاب البيوت على توقيع إقرارات بأنهم لا يعرفوا المتسبب وأن جيرانهم  من المسلمين (الجناة الحقيقيون) هم الذين ساعدوهم على إطفاء النيران. وفى قضية العمرانية أعلن كاهن الكنيسة أن رجال النيابة يلفقون الاتهامات الكاذبة للمقبوض عليهم من شباب الأقباط. وهؤلاء المحتجزين يستخدموهم كأداة للضغط على الأقباط لترك حقوقهم وكالعادة يمد حجزهم من فترة الى أخرى. وقضية"نجع حمادي"يستمر تأجيلها من دورة إلى أخرى. كل هذا يدفعنا إلى التساؤل: هل هناك أمل في أن يستطيع القبطي الحصول على العدالة في بلده شأنه شان أخيه المواطن المسلم؟ 
 
من الحقائق المؤكدة أنه في قضايا القتل لأقباط بواسطة مسلمين، أنه لم يحكم على مسلم بالإعدام.  فعندما قتل الشاب القبطي"يشوع جمال ناشد"بقرية"دفش"حكمت المحكمة ببراءة المتهم المسلم، رغم أن القتل كان عمدًا ومع سبق الإصرار والترصد. ولكن في المقابل عندما قتل الشاب المسيحي"رامي عاطف خلة"زوج أخته المسلم، فيما كان واضحًا أنه كان دفاعًا عن الشرف، لم يحكم على"رامي"وحده بالإعدام بل أيضًا حكم بالإعدام على عمه"رأفت خلة". 
 هذا ليس من قبيل الصدفة ولكنها ازدواجية واضحة في التعامل مع العدالة بين أبناء الوطن الواحد، والتي لها جذورها في أحكام الشريعة الإسلامية. 
 
 
في ظل المادة الثانية من الدستور، وتزايد نفوذ الشريعة الإسلامية في المجتمع المصري، بات واضحًا أن أقباط مصر يواجهون إشكاليات خطيرة في كل مناحي الحياة. فبناء الكنائس أصبح مرتبطًا بأحكام الشريعة، والترقي للوظائف الحكومية العليا أصبح يصطدم بمبدأ لا ولاية لغير المسلم على المسلم، وتحول المسلم عن عقيدته الأسلامية أصبح يواجه بأحكام  الردة .
 
 
وهذه الإشكالية أيضًا تظهر بشكل واضح في التعامل مع القضاء، فيما يتعلق بالشأن القبطي. فقد وجد رجال القضاء أنفسهم أمام مبادئ واضحة تشل حركتهم منها:
•       لا يقتل مسلم بكافر.
•       أنصر أخاك ظالمًا أم مظلومًا.
•       لا تقبل شهادة غير المسلم ضد المسلم.
وتزداد الإشكالية في ظل وجود مبادئ واضحة في الدستور تضمن المساواة الكاملة لجميع المواطنين أمام القانون، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى مثل الانتماء الديني.
 
فكيف يستطيع القضاء المصري أن يشق طريقه وسط هذا الحقل الملغوم، عند تناوله لقضايا الاعتداءات من مسلمين ضد الأقباط خاصة التي ينتج عنها قتل للأقباط؟ 
          
المثل الأول الاعتداءات على الأقباط في المنشية محافظة"أسيوط" 
التي أسفرت عن قتل ۱٤ كلهم أقباط ما عدا واحد مسلم. وقعت الأحداث في مارس ۱٩٩۲وأستمر تأجيل القضية من دورة إلى أخرى، إلى أن حكم فيها في يوم ۱٩سبتمبر۱٩٩٦ أي أن القضية استغرقت نحو أربعة سنوات ونصف، ويبدو أن المحكمة وجدت نفسها في وضع حرج لأن معظم الضحايا كانوا أقباطًا. فكيف نصل إلى قرار يحقق شيئا من العدالة وفى نفس الوقت لا يصطدم بمبادئ الشريعة الإسلامية، ولا يثير شجون المسلمين. وفى النهاية قررت الحكم بالمؤبد لخمسة والسجن لستة وبراءة خمسة. ولم يحكم على أحد بالإعدام مع أن الجناة معروفون والجريمة ثابتة. ولتبرير هذا الحكم التجأت المحكمة إلى عدة أساليب:
التغطية: وذلك بتعيين أحد المستشارين المسيحيين عضوًا في هيأة المحكمة وهو المستشار"سمير فايز"حتى عندما تصدر المحكمة قرارها يقال أن المحكمة كان من ضمنها مستشار مسيحي، مع أن وجوده لا يؤثر غلى قرار المحكمة .
المغالطة: قالت المحكمة في حيثياتها أن هذه الأحداث مرجعها الضغائن والخلافات الثأرية، وأن الزعامة الدينية كانت ستارًا خلف هذه الأحداث وذلك للإيحاء بأن القتل كان من الدرجة الثانية لتبرير عدم الحكم بالإعدام على أحد.
الشعارات: جاء في الحيثيات مجموعة من الشعارات الجوفاء مثل أن المسيحيين والمسلمين يعيشون في ربوع هذه البلاد في أمن وسلام، متعاونين ومتحابين وليس أدل على ذلك من مقتل أحد المسلمين في هذه الأحداث.
التوازنات: أن يحكم في هذه القضية على رجل مسيحي وأسمه"رأفت فايز مهني"بأقصى عقوبة وهى السجن المؤبد. بدعوى أنه باع السلاح لرئيس العصابة جمال هريدى 
 
          المثل الثاني الاعتداءات على الأقباط فى الكشح 
والتي وقعت أحداثها مع بداية الألفية الثالثة في يناير 2000، والتي أدت إلى قتل ٢۰ قبطي، وذبحهم وإشعال النار في جثثهم.  في جلسة ٨ ديسمبر ۲٠٠٠ قررت المحكمة إخلاء سبيل جميع المتهمين. وكان عدد المتهمين يبلغ ٩٦ متهمًا منهم ٥٨ مسلمًا وكالعادة ضم لهم ٣٨ مسيحيًا.  وفى جلسة ٥ فبراير ٢۰۰۱ صدر الحكم ببراءتهم جميعًا.
          طعنت النيابة في الحكم وأعيد النظر أمام دائرة جديدة، وصدرت الأحكام في ٢٧ فبراير ٢۰۰٣، والتي تراوحت بين سنة و ۱٢ سنة سجنًا في اتهامات فرعية، أما في جريمة القتل ذاتها فقد حكم بالأشغال الشاقة على أربعة أشخاص، وبرّأت المحكمة ٩٢ ولم تتم إدانة أي من الأربعة، وهم مسلمون بالقتل العمد إنما أدين اثنان منهم بالقتل غير العمد في حين أدين الآخرين بجنحة حمل سلاح غير مرخص.
          والملاحظ أيضًا أن المحاكمة في هذه القضية قد تأجلت عدة مرات، واستغرقت أكثر من ٣ سنوات وأنهم لجئوا إلى عملية التوازنات بضم المسيحيين للمحاكمة. وأن النتيجة كانت عدم الحكم على أي مسلم  بالإعدام. وأن الأحكام كانت مخففة جدا لا تتمشى مع حجم الجريمة. وعندما سؤل رئيس المحكمة عن السبب في ذلك أرجع السبب إلى أن الأدلة التي جمعها البوليس وقدمها للمحكمة لم تكن بالدقة الكافية لإصدار أحكام أكثر شدة.
 
          والمثل الثالث الاعتداءات على الشباب القبطي في"نجع حمادي"
           والتي قتل فيه ٧ أشخاص ٦ مسيحيين وواحد مسلم في ليلة عيد الميلاد يوم ٦ يناير ۲٠١٠ والتي ما تزال ماثلة أمام القضاء. ومثل جميع قضايا الأقباط  تأجلت القضية عدة مرات. وآخرها كان تأجيل الحكم الذي كان مقررًا له ديسمبر 2010 إلى يناير 2011 مع أن القضية واضحة والأدلة ثابتة.
          والأقباط ينتظرون بقلق نتيجة الحكم في هذه القضية التي لاقت استنكارًا قبطيًا وعالميًا، وتسببت في مظاهرات غاضبة من الأقباط حول العالم. ولكن التأجيل المستمر يولد الشك في احتمال تكرار ما حدث في القضايا السابقة . ويبدو أن وراء التأجيل المستمر في هذه القضايا إستراتيجية هدفها تهدئة مشاعر الغضب القبطي، وإصابة الأقباط باليأس من احتمال حصولهم على العدالة وإنهاكهم للتسليم بالأمر الواقع وقبول أي حكم مهمًا كان ظالمًا. 
 
فالسيناريو في كل قضايا الأقباط يبدو واحدا: نفس القصة ونفس الممثلين ونفس الحبكة الدرامية ونفس النهاية الحزينة. تبدأ القصة بالموت ثم تمر بخراب الديار وتنتهي بضياع الحقوق. وأقباط مصر محاصرون من كل جانب، وليس أمامهم من مخرج سوى إلى فوق، أن يستأنفوا الحكم عند الله.
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com