فيما تشير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إلى زيادة كبيرة في عدد المسيحيين العراقيين الذين يفرّون من بغداد والمُـوصل إلى المنطقة الإقليمية لحكومة كردستان منذ الاعتداء الذي تعرّضت له كنيسة سيدة النجاة في بغداد في الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي، يشكُـو أقباط مصر من الاضْـطهاد والتّـمييز والحِـرمان من الحقوق المُـتساوية، التي تكفلها المواطنة.
وأصبح السودان على شَـفا الانقِـسام إلى دولتيْـن، بسب ما يراه الجنوب المسيحي مُـحاولة مُـستمرَّة من الشمال المُـسلم، لفرض الشريعة الإسلامية وحِـرمان الجنوبيين من فُـرص الاستثمار والتنمية.
وفي ظِـلِّ تصاعُـد مخاوِف المسحيين العرب من واقع مُـؤسف في أكثر من بلد عربي ومستقبل يغلِّـفه الغموض، نظم مركز الحوار العربي في واشنطن ندوة بعنوان: "المسيحيون العرب.. واقعهم ومستقبلهم"، تحدث في بدايتها الأستاذ صبحي غندور، مدير المركز فقال، "إن هاجس الخوف على المستقبل عند المسيحيين العرب، يعود إلى الممارسات السيِّـئة بحقِّـهم في عدد من الدول العربية، نتاجا لمحاولات التفرقة التي يدبِّـرها الأعداء وأجهزة المخابرات المعادية، وعلى رأسها الموساد الإسرائيلي، وكذلك الممارسات السيِّـئة بحق المسيحيين العرب، بسبب الفهْـم الخاطِـئ لدى غالبية العرب للدِّين والعروبة وحقوق المواطنة".
ودعا الأستاذ صبحي غندور الشعوب والحكومات العربية إلى أن تتذكَّـر أن "الوجود المسيحي على الأرض العربية، تزامَـن مع الوجود الإسلامي لأكثر من ألف وأربعمائة عام، وأن صيغة التعايش الإسلامي المسيحي في المنطقة العربية، ليست حقا للمسيحيين فقط وليست واجِـبا على المسلمين فقط، بل هي مسؤولية مُـشتركة فرَضَـتها الإرادة الإلهية، التي اختارت الأرض العربية لتكون مهْـد الرِّسالات السماوية".
وخلَّـص إلى أن "الدين يدعو للتوحُّـد. والعروبة تعني التَّـكامل ورفض الفُـرقة والانقسام والوطنية، تجسيدا لمعنى المواطنة، لذلك، فالفهم الصحيح يتعارَض تماما مع أيّ ممارسات سيِّـئة ضد المسيحيين العرب في العالم العربي".
الواقع السيِّـئ له جذوره التاريخية
واستعرض الأستاذ جابي حبيب، الأمين العام السابق لمجلس كنائس الشرق الأوسط، الأصول التاريخية لمخاوف المسيحيين في العالم العربي فقال، "إن نظرة المسلمين للمسيحيين على أنهم أهْـل ذمّـة، لا يتساووْن في حقوق المواطنة مع المسلمين، رغم إكبار الإسلام لهُـم باعتبارهم من أهلِ الكتاب، وضع اللّـبنة الأولى في شعور المسيحيين بالخوف من مستقبل معيشتهم في الدولة الإسلامية، ثم جاءت الحروب الصليبية والتي تعرّض فيها المسيحيون في الشرق لمذابِـح على أيْـدي الصليبيين. ومع ذلك، استمر بعض المتشدِّدين من المسلمين في وصْـف الأقليات المسيحية في الدول العربية، بالصليبية الجديدة وزادت المخاوف بشكل هائل في أعقاب انتهاء الحرب الباردة وتهميش القومية العربية والاتجاهات العِـلمانية وارتفاع موْجة العداء للفلسفة العِـلمانية والديمقراطية الغربية، والنظر إليهما على أنهما لا يتماشَـيان مع الإسلام. فظهرت حركات إسلامية متطرِّفة، لا تمانع في ممارسة العُـنف ضد الآخر، مثلما حدث في مصر وفي العراق، وهو أمر يُـدينه معظم المسلمين، ولكنه يزيد مخاوف المسيحيين في العالم العربي من مستقبل حياتهم".
وردّا على سؤال لـ حول ما إذا كان واقع المسيحيين في العالم العربي يُـساعد محاولات إسرائيل تفْـتيت المجتمعات العربية على أسُـس طائفية، قال الأستاذ جابي حبيب: "إسرائيل تُـواصل منذ الخمسينيات جُـهودا متواصلة لتفتيت الدول العربية إلى دُويْـلات على أسُـس دينية وعِـرقية، كلما أمكنها استغلال الظروف المواتية. وكان أوضح مثال على ذلك، محاولة استغلال الغَـلَـيان الطائفي في لبنان أثناء الحرب الأهلية، لإعلان قيام ما وُصِـف بدولة لبنان الجنوبي الحُـر بقيادة الرائد سعد حداد. وتأمل إسرائيل في قيام دويلات دينية، تفكِّـك أوْصال الدول العربية وتعزِّز من تبرير مشروعها الصهيوني، لتصبح دولة يهودية لشعب الله المختار، كدولة تأسست على حقٍّ إلهي يسمُـو فوق الحق الإنساني للشعب الفلسطيني".
لذلك، طالب الأستاذ جابي حبيب في ندوة مركز الحوار في واشنطن، بالعمل على العودة إلى الاجتهاد الصحيح في التفسير، ليُـدرك الجميع أن الإسلام هو، عَـمليا ونَـظريا، دِينٌ يدعو إلى المحبّـة والتسامح والتعايش بين الدِّيانات السماوية، وهو الدِّين الذي حافظ على التعدُّدية في المجتمعات الإسلامية على مَـرِّ العصور، بعيدا عن التطرّف الأعمى.
الهجرة هي الحلّ
أما الدكتور غسان رسام، الخبير الجيولوجي، العراقي الأمريكي، فاستعرض التقلُّـبات التي مَـرّ بها وضع المسيحيين في العراق خلال القرن العشرين وحتى الآن، فقال "إن الطوائف المسيحية تمتَّـعت باحترام، كأقلِـية في العراق خلال العهد الملَـكي وحتى عام 1958، حيث تمكَّـن المسيحيون العراقيون من الحصول على تمثيل نِـسبي لهُـم في البرلمان العراقي. وعندما قامت الثورة وتَـحوَّل العراق إلى النظام الجمهوري في عام 1958، اتَّـسع الامتِـداد العِـلماني في العراق من خلال الحزب الشيوعي وحزب البعث، مما أفسح المجال أمام مسيحيي العراق لمزيدٍ من الحرية في دخول مُـعترَك الحياة السياسية. ولكن، بعد الغزو الأمريكي للعراق وشُـيوع التمييز بين ما هو سُـني وشيعي ومسيحي ومسلم، عادت الحياة السياسية في العراق إلى الحِـصص والتَّـقنين وفتح الشهية أمام اضْـطِـهاد الأقليات، بحيث أصبح ما يحدُث للمسيحيين في العراق الآن، مشابِـها إلى حدٍّ كبير لِـما حدث لليهود العراقيين ما بين عامي 1948 و1968، بحيث انتهى وجودهم تماما".
وردّا على سؤال لـ عن الحلِّ الذي يقترحه للتَّـعامُـل مع ما وصفه بالتطهير المُـنظم، الذي يستهدف القضاء على الأقلية المسيحية في العراق، قال الدكتور غسان رسام: "أعتقد أن التَّـناقص المطرد في أعداد المسيحيين العراقيين، يشير إلى مستقبل مُـظلم لمَـن تبقى منهم. فبعد أن كانت أعداد المسيحيين العراقيين تُـقدَّر بثلاثة ملايين في نهاية القرن العشرين، لا يزيد عددهم في العراق اليوم عن نصف مليون. وإذا استمر فِـرارهم للنَّـجاة بأنفسهم، فأتوقّـع نهاية وجودهم بالعراق خلال السنوات العشر القادمة. والحلّ الوحيد أمامهم هو الهجرة، إما إلى الشمال في كردستان العراق، حيث يمكنهم التمتُّـع بقدر كبير من الحرية، أو الهجرة إلى خارج العراق".
أقباط مصر.. ضحايا التنفيس
وتحدَّث في ندوة مركز الحوار في واشنطن، الدكتور مجدي خليل، مدير منتدى الشرق الأوسط للحريات، فأكَّـد أن الأقباط في مصر، أقلية تُـعاني من اضطهاد مَـنهجي ومُـنظم، يقوم النظام الحاكم فيه بدورٍ رئيسي لاستِـخدام الأقباط كهدف لتنفيس الغَـليان الشعبي، من فَـساد النظام واستبداده ونموذج التنمية المشوّه، الذي تقوده الحكومة المصرية، مُـستغِـلَّـة موجات التعصُّـب الدِّيني، الناتج عن اعتماد فِـكر جماعات إسلامية متطرِّفة تُـؤمن بثقافة إقصاء وطرْد الآخر، من خلال خطاب دِيني بعيد عن التَّـسامح الذي اعتاده المجتمع المصري، قبل عهديْ السادات ومبارك.
وشدد الدكتور خليل على ما وصفه بـ "براعة الرئيس مبارك بالذات"، في استخدام الإعلام الذي تُـديره الدولة والتعليم والخطاب الدِّيني، للحفاظ على كُـرسي الحُـكم، من خلال تصريف فائض الغَـليان في الشارع المصري على محوريْـن: أولا، تفريغ الفائِـض اللَّـفظي في تعبِـئة الرأي العام ضدّ تصرّفات إسرائيل وسياسات الولايات المتحدة. ثانيا، تفريغ شُـحنة الكراهية والعُـنف بشكل عمَـلي، في مشاحنات بين المسلمين المصريين وشُـركائهم في الوطن من الأقباط، عِـوضا عن التَّـعبير العنيف ضدّ نظام الحُـكم".
وحدد الدكتور خليل ملامح اضطهاد الأقباط في مصر، فقال: "أولا، تصاعد وتيرة العنف، دون توفر القدْر اللازم من العدالة، سواء في تحقيقات النيابة أو بمعاقبة الجناة. ثانيا، عدم توفُّـر الحريات الدينية، بحيث تحتلّ مصر المركز الخامس، كأسوإ دولة في العالم. ثالثا، تهميش الأقباط في مصر، باستِـبعادهم من كل مؤسسات صُـنع القرار وضعف تمثيلهم في المجالس النيابية. رابعا، استِـهداف الأقباط بتفريغ شُـحنة الغضب الشعبي وضُـلوع أجهِـزة أمْـن الدولة، في صُـنع ما يوصف في إعلام الدولة بـ "الفتنة الطائفية".
ولدى سؤاله عن سبب مساندة الكنيسة القبطية وقداسة البابا شنوده للنظام الحاكم في مصر وعدَم إظهار التذمّـر من ممارساته، إذا كانت اتهاماته صحيحة أجاب قائلا: "يجب على الجميع أن يتذكّـر الدرس الذي لقَّـنه النظام للبابا شنودة في عهد الرئيس السادات، حينما تذمَّـر من أوضاع الأقباط وما يتعرّضون له، فكان جزاؤه النَّـفي في وادي النطرون، ولذلك تلتزم الكنيسة القبطية في مصر، جانب الحذر كأقلية، في مواجهة النظام والدولة، التي تمتلك كل أجهزة القوة والقمع".
ويرى الدكتور مجدي خليل أن الحلّ الوحيد، هو التحوّل الديمقراطي في مصر وإقامة دولة مدنِـية، يتمتع فيها المسلم والمسيحي بنفس الحقوق، تطبيقا لحقوق المواطنة.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com