ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

حول الثقافة الشعبية القبطية

د. أحمد الخميسي | 2010-12-21 11:28:31

بقلم: د. أحمد الخميسي
في سلسلة الدراسات الشعبية- الهيئة العامة لقصور الثقافة- صدر كتاب "حول الثقافة الشعبية القبطية" لـ"أشرف أيوب عوض". ولا أخفي فرحي بهذا الكتاب والكتب التي سبقته- من زوايا أخرى- في الموضوع ذاته؛ لأنني أعتبر أن كل كتاب من هذا النوع سهم مسدَّد إلي صدر الطائفية؛ لأن الجهل بالآخر يقيم العمود الفقري في وحش التعصب. فلم يعد يكفي أن نكرِّر أن الوحدة الوطنية حقيقة، بل أصبح علينا– كما تفتت الأم اللقمة لفم طفلها– أن نتوقف عند عناصر تلك الوحدة بالشرح والتفسير، ساعتها سنعرف ونكتشف كل ما يجمعنا، خاصة إذا أولى الإعلام المرئي اهتمامه بعرض تلك الكتب لمن يستمدون ثقافتهم فقط من  الفرجة على التلفزيون.

 يقول الروائي المعروف "خيري شلبي" في تقديمه لكتاب "أشرف عوض": "إنه يقدِّم لنا طائفة من ظواهر الفولكلور القبطي الخاص بالموالد المسيحية حافلة بالمعلومات التاريخية والعقائدية والاجتماعية التي لا يعرف القارئ المعاصر شيئًا كثيرًا عنها". وأول ما يؤكِّده "أشرف عوض" أن التراث الشعبي القبطي تراث مصري قديم يشكِّل جزءًا من الثقافة الشعبية لكل المصريين بغض النظر عن العقيدة. وعلى سبيل المثال، فإننا– مسلمين أو مسيحيين– نستخدم كلمة "يهوذا" كناية عن الخيانة، وهي مأخوذة من قصة "يهوذا" الذي باع السيد المسيح وسلَّمه لليهود ليصلبوه. وقد بقيت القصة في الذاكرة الشعبية باعتبارها صورة مبسَّطة للصراع بين الشر والخير.

ويؤكِّد أحدهم أن المسلمين والمسيحيين كانوا في أربعينات القرن الماضي يحتفلون معًا بزفة "يهوذا الخائن" فيما يشبه الدراما الشعبية التي تتفاعل فيها الموسيقى والغناء والأداء التمثيلي. وتعود مثل هذه الاحتفالات والموالد بجذورها إلي عصر قدماء المصريين الذي شهد الاحتفالات الدينية الخاصة بـ"آمون" و"إيزيس" وغيرهما، وتقديم النذور والأضاحي والقرابين. كما شهد احتفالات دنيوية في عيد الحصاد وعيد الفيضان وغير ذلك. ثم ظهرت في العصر القبطي الاحتفالات بأعياد القديسين لتكريمهم، ثم أخذت تلك الأعياد تكتسب طابعًا شعبيًا بخروجها من الكنيسة إلي الشوارع.

 ويعرض لنا "أشرف عوض" تاريخ "الميمر" (أي السيرة الشعبية القبطية) المنتشرة في الصعيد حتى الآن، وتتخلل تلك السير أبيات تحيات قبطية للأخوة المسلمين مثل قول المنشد القبطي: "والأخ حسين مازايد وزايده– ومن الخير الكتير ربنا زايده– ربنا يعطيه الصحة ويوعده- بزيارة الحجاز ويفرح به أولاده". ويقوم بإنشاد "الميمر" معلمون ينشأون منذ صغرهم في الكنيسة، ثم يجوبون القرى والأعراس والمناسبات بالسيرة الشعبية.

 ويشير د. "محمد عمران" إلي أن الإنشاد الديني كان يشق طريقه إلي المناسبات الاجتماعية، حيث كان العريس يزف إلي عروسه في موكب كبير، بينما ينشد المنشدون الموشَّحات في مدح الرسول، وهو ما حدث مع الميمر أيضًا إذ كانت تلك السير الشعبية تشق طريقها لمناسبات الطهور والزفاف وغير ذلك.

 ويقارن "أشرف عوض" بين دور الشيوخ المنشدين في غناء تلك السير، وبين دور معلمي الكنائس في المجال ذاته. ويشتمل كتاب "حول الثقافة الشعبية القبطية" على عدد كبير من أجمل ما قدَّمه الموروث الشعبي من أهازيج وأغنيات، كتلك التي يغنيها الأقباط في احتفالية الذهاب للقدس، وتقول كلمات إحداها: "إن نويت يا مقدس– خد أختك في طولك– تكتب لي قديسة– وتسلم حمولك– إن نويت يا مقدس– خد أختك خطيرة– تنفعك في عمل القهاوي– وقلي الفطيرة". وسنرى في تلك الأغنيات ملامح مشتركة مع الثقافة الإسلامية؛ فعندما تتجه للحج امرأة مسلمة يغنون لها: "رايحة فين ياحاجة يا أم الشال قطيفة– رايح أزور النبي والكعبة الشريفة"، وعندما تتجه للتقديس امرأة قبطية يغنون لها: "على فين يا مقدسة بتوبك القطيفة– رايحه أزور المسيح وأعول الضعيفة"!.

 إنه ضمير واحد، علينا أن نكتشفه، وأن نبعثه، وأن نرفع نوره الذي يمتد من فجر الضمير البشري إلي يومنا هذا.  

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com