في السنوات الأخيرة أصابت حياتنا وعلاقاتنا لعنتي "الافتراضية" و"الطعم"، مما فرض طابعًا مزيفًا على مشاعرنا وتصرفاتنا، وأفقدنا الكثير من المعاني الإنسانية.
الجيل الشاب من المجتمع هو الجيل الذي تربى على كل شيء بطعم شيء آخر، فمثلاً هناك شرائح البطاطس بطعم الجبنة والفراخ والكباب وغيرها، وهناك أكياس صغيرة من البودرة تمنحك مشروبًا سريع التحضير من نوع ما من العصائر، وكيس آخر ما أن تضعه في الماء الساخن حتى تحصل على كوب من اللبن، منزوع أو كامل أو نصف دسم.. حسبما تشتهي وتريد.. وبعيدًا عن الجانب الصحي، فإن هذه الأطعمة والمشروبات لبت وسددت الكثير من الرغبات لدى مستهلكيها، على عكس الأجيال السابقة التي كانت تأكل كل شيء بطبيعته الحقيقية.. وحتى هذه النقطة فإن فكرة "الطعم" ما زالت إيجابية حتى دخلت في العلاقات فأصبحت "لعنة" تطاردنا.
رويدًا رويدًا بدأنا نفقد "حقيقة" العلاقات، وتلقائيتها، وعفويتها، وحتى سذاجتها وجنونها في بعض الأحيان.. فكل شيء مهم وله وقته ومتعته الخاصة التي ذهبت أدراج الرياح، ولم يتبقى لنا منها إلا "طعمًا" يعوضنا عما فقدناه من إنسانيتنا، فرأينا علاقات عبارة عن كذبة كبيرة مستمرة متكررة بشكل يومي، أصبح من الصعب علينا التفرقة بين الصديق المزيف، الذي يدعي المحبة وآخر يكن لنا مشاعر حقيقية، أو شريك في الحياة يقدم لنا صدقًا وإخلاصًا، وآخر مدعي مزيف يتصنع حتى الابتسامة.
كل شيء أصابته لعنة "الطعم" ستجد أقارب يطعنونك في الظهر، وأعداء متخفون في شكل أصدقاء يتحينون الفرصة المناسبة للانقضاض عليك، وستجد عشرة سنوات وسنوات تضيع أمام عينيك وتتبخر لا لسبب إلا أنها كانت "مجرد طعم".
أخطر ما يمكن أن تصيبه لعنة "الطعم" هو العلاقات الزوجية!! وللأسف فإننا أصبحنا نرى ذلك بوضوح، فما أن يختلف الخطيبان ويفسخان الخطبة حتى تجد كل طرف يقول ما لم يقله "مالك" في الخمر.. والغريب أن هذه الفئة من البشر تمكنوا من تطوير سمة غريبة جدًا في شخصياتهم، وهي قدرتهم الفائقة على تحويل كل ما كانوا يرونه إيجابيات في الشريك الآخر، وكانوا يمدحونه ليل نهار إلى سلبيات تقشعر لها الأبدان، وتشعر بأنهم كانوا مخدوعين كل منهما في الآخر.. لا لسبب إلا ﻷن هذه كانت علاقة "بطعم الخطبة".. ونفس الأمر ينطبق على علاقات الزواج!!
أما بالنسبة للعنة "الافتراضية" فقد أصابتنا مع التطور التكنولوجي، حيث استطاعت أجيال كثيرة من تحقيق ذاتها "افتراضيًا" وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي هي الحياة البديلة لعدد كبير من الشباب كاد أن يصبح جزءًا من المصفوفات مثل فيلم "ماتريكس"، وأصبحت هناك العديد من العلاقات المبنية على "الشات"!! ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أصبحت المشاعر إلكترونية، فهناك شكل للإعجاب وآخر للضحك، وواحد للحزن أو البكاء، أو الاستياء، وغيرها من الأشكال التي باتت تعبر عن مشاعرنا، وجزءًا مهمًا من مسلتزمات التواصل الإلكتروني.
بالطبع لا يستطيع أحد إنكار فضل التكنولوجيا الحديثة في التواصل والتعارف، وتقريب المسافات، وتبادل الاحترام والخبرات، وقدرتها على ربطنا بإشخاص لهم كل تقدير، ولولا هذه التقنيات الحديثة ربما لم نلتقي حتى في العالم الآخر، إلا أن العلاقات التي تحولت إلى مجرد طعم، أو علاقة إلكترونية، هي علاقات مزيفة -وهنا بالطبع أتحدث عن العلاقات التي تدعي عكس حقيقتها- إنها تشبه تناول شرائح بطاطس بطعم الجبنة، وليس تناول الجبنة ذاتها.. وهناك فرق!!!
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com