فى يناير من عام 1880
سامح جميل
استدعى الخديو «محمد توفيق» (1852-1892) الأستاذ «الفريد جاشوا باتلر»، خريج جامعة أكسفورد، وعضو هيئة تدريس كلية «براسنوز»، ليتولى تعليم أبنائه، فمكث فى هذه الوظيفة حتى فبراير 1881. وخلال الشهور التى قضاها بتلر فى مصر انكب على دراسة التاريخ والآثار القبطية والإسلامية، كما شهد مقدمات الثورة العرابية. وعاد بتلر مرة أخرى إلى مصر عام 1884، للزيارة وإجراء البحوث، وعقب عودته لإنجلترا وضع كتاب «الكنائس القبطية القديمة فى مصر»، والذى صدر بالإنجليزية عام 1884 (فى جزأين)، وترجمه الأستاذ إبراهيم سلامة إبراهيم، ونشرته الهيئة العامة للكتاب عام 1993.!!
وفى عام 1902 ألف بتلر أيضاً كتاب «فتح العرب لمصر»، وترجمه الأستاذ محمد فريد أبو حديد، وصدر عن مكتبة مدبولى فى عام 1996، أى بعد نيف وتسعين سنة من صدوره، الأمر الذى يعكس تردى واقع الترجمة فى عالمنا العربى. ثم كتب بتلر الكتاب المعنون به عنوان المقال، ونشره فى إنجلترا عام 1887، ومما يثير الدهشة- على حد قول مترجمى الكتاب- عدم التصدى لترجمته على مدار كل هذه السنين (126 سنة)، والإشارتان الوحيدتان إليه باللغة العربية تعودان إلى أولاً: المؤرخ «إلياس الأيوبى» (المولود فى عكا عام 1874، والمتوفى فى مصر عام 1937)، وقد أوردها فى كتابه «تاريخ مصر فى عهد الخديو إسماعيل باشا. دار الكتب 1923»، مترجما فيها فقرة توضح ما أسرّه الخديو توفيق لبتلر عن علاقته بأبيه الخديو إسماعيل. والإشارة الثانية إليه وردت من الدكتور إبراهيم عوض، أستاذ النقد الأدبى بكلية الآداب،
جامعة عين شمس، الذى طالع الكتاب أثناء دراسته فى إنجلترا. ومازال السؤال ملحاً عن السبب فى تأخر ترجمة هذا الكتاب المهم إلى العام 2013، عندما قام بترجمته وتحقيقه (د. محمد عزب- م.م/ مى موافى) ونشرته دار «ليليت للنشر والتوزيع». وهل من أسباب عدم الاهتمام بنشره التعاطف الذى أبداه بتلر تجاه الخديو توفيق باعتباره أنه رب نعمته؟! أو بسبب ارتباط الخديو توفيق بانتكاسة الثورة العرابية، بالإضافة إلى أن سياسته الهشة تسببت فى احتلال الإنجليز لمصر؟ أو كما يعلق الدكتور إبراهيم عوض على هذا الأمر بقوله: إن بتلر لا يعجبه شىء فى أخلاق الناس فى مصر، ولا فى تصرفاتهم، وينظر إليهم من علٍّ.. ولا يظهر الكتاب أى تعاطف من جانبه معهم على الإطلاق!. ربما هذا حقيقى، لكن هذا لا يمنع أن الكتاب يرصد بحرفية عالية العديد من الأعراف والعادات والتقاليد المهمة، ومن ناحية أخرى، يجب التفرقة بين توفيق الإنسان،
وتوفيق الحاكم، وألا نغض البصر عن صفاته الشخصية، أو أى مميزات أخرى قد تكون حاضرة فى فترات حكمه، مثل: حفر الريّاح التوفيقى فى عام 1890، واهتمامه بالتعليم، فهو الوحيد من أبناء الخديو إسماعيل الذى تعلم فى بمصر، كما أن المقولة القاتلة التى نسبت إليه ولصقت به إلى الأبد، وهى مقولته لعرابى: «لقد ورثت ملك هذه البلاد عن آبائى وأجدادى وما أنتم إلا عبيد إحساننا»، والذى رد عليها عرابى: «لقد خلقنا الله أحراراً ولم يخلقنا تراثاً أو عبيداً، فوالله الذى لا إله إلا هو إننا سوف لا نورث بعد اليوم»، فإن كتاب «البحر الزاخر فى علوم دولة الأوائل والأواخر» لمحمود فهمى باشا، المطبوع بالمطبعة الأميرية عام 1312هـ، يُظهر أنه حوار شط من الخيال، ولم يحدث أن قيل،
وأن مصدره المباشر مذكرات أحمد عرابى نفسه التى كتبها من الذاكرة، وانتهى منها يوم 26 يوليو 1910، أى قبل وفاته فى سبتمبر عام 1911، بعد عودته من منفاه فى جزيرة سيلان. والجدير بالذكر أن الخديو توفيق هو من رقى عرابى إلى رتبة العقيد، كما أن عرابى تزوج من بنت ممرضة إبراهيم إلهامى باشا، ابن الخديو عباس الأول، والد زوجة الخديو توفيق نفسه!!
مكاوى سعيد
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com