الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق، 13)
بقلم: د. عبدالخالق حسين
توضيح
خُصِّصَ هذا الفصل لمناقشة الطائفية في عهد الجمهورية الأولى، أي فترة حكم الزعيم عبدالكريم قاسم، الممتدة من 14 تموز 1958 إلى 8 شباط 1963. ومن ثم عهد الجمهورية الثانية، أي في عهد الأخوين عارف، الممتدة من 8 شباط 1963 إلى 17 تموز 1968. أما الطائفية في عهد الجمهورية الثالثة من 17 تموز 1968 إلى يوم انهيارها في 9 نيسان 2003، فقد خصصت لها فصلاً خاصاً (الفصل الرابع عشر) بعنوان: الطائفية في عهد حكم البعث.
الطائفية في عهد عبد الكريم قاسم
لقد تربى الزعيم عبد الكريم قاسم في بيئة غير طائفية، ويمكن القول أن بيئته العائلية كانت محايدة وبدون أي تمييز بين المذاهب الإسلامية، فوالده كان عربياً سنياً من عشيرة الزبيد، ووالدته شيعية من بني تميم، وقيل كردية شيعية. لذا نشأ الرجل محايداً يمقت التمييز بين العراقيين على أساس العرق، أو الدين، أو المذهب. ويبدو أنه كانت هناك في العائلة حيادية وحرية في المعتقد الديني وزوال الحدود المذهبية، بحيث سلك كل من الأخوة الثلاثة (حامد وعبداللطيف وعبدالكريم) طريقه الخاص من هذين المذهبين السني والشيعي. فالمرحوم حامد قاسم تبنى مذهب والدته الجعفرية، بينما بقى المرحوم عبد اللطيف على مذهب والده السني. أما عبد الكريم فبقي محايداً ولم يتخذ موقفاً معروفاً متميزاً من هذا وذاك، وكان مسلماً متديناً دون انحيازه لأي من المذهبين.
ونقل عنه أنه عندما كان يصلي وهو في مقره في وزارة الدفاع خلال فترة حكمه، كان يصر على الإغلاق باب الغرفة، قائلاً أنه كرئيس حكومة لكل العراقيين، لا يريد أن يعرف أحد مذهبه الديني.
وفي عهد حكمه بذل قاسم جهداً استثنائياً وتدريجياً، وبهدوء للتخلص من جميع أشكال التمييز العرقي، والديني، والطائفي بحيث كادت الطائفية أن تختفي تدريجياً، حيث أكد على عدم الأخذ بالعرف السائد الذي كان معمولاً به في العهد الملكي في رفض الطلبة الشيعة في الكلية العسكرية، والضباط الشيعة على قلتهم في كلية الأركان، وفي مناصب الدولة الأخرى. كان سلوك قاسم في عدم التمييز بين أبناء العراق على أساس مذهبي يعتبر انقطاعاً مع الموروث، وخروجاً على أحد أهم أركان السياسة العراقية التي بدأت منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921.
يقول الأستاذ حسن العلوي في هذا الخصوص: [ لقد أوعز سياسي كبير وهو السيد عبد العزيز القصاب، رئيس مجلس النواب في العهد الملكي، قيام ثورة 14 تموز 1958 إلى خطأ ارتكبته لجنة قبول طلبة الكلية العسكرية لأنه اعتقد ان عبد الكريم قاسم كان شيعياً. فقد وجه وبانفعال شديد سؤالاً إلى زميله السياسي العراقي، عبد الهادي الجلبي- رئيس مجلس الأعيان في العهد الملكي أيضاً- وكان كل منهما قد خرج من العراق إلى بيروت بعد الثورة قائلاً: "من أين أتيتم أيها الشيعة بهذا الرجل البغيض؟ وكيف عبر على هؤلاء المغفلين في الكلية العسكرية إسم عبد الكريم قاسم؟". فاستغرب الجلبي من سؤال زميله، وكلاهما متضرر بالثورة، وكأن الجلبي هو الذي أتى بعبد الكريم قاسم. فأجابه قائلاً: "أنت تعلم إن عبد الكريم قاسم ليس شيعياً. ولكنه (ترباة شيعة) مشيراً إلى والدة عبد الكريم قاسم. " (1)
لقد أنصف الزعيم قاسم الشيعة كما أنصف بقية مكونات الشعب العراقي، إذ لم يلتزم بالعزل المذهبي، أو العرقي، أو الفحص الطائفي للمتقدمين لإشغال المناصب الكبيرة في الدولة، بل كان يعتمد على كفاءة المتقدم وسمعته الوطنية وتاريخه النزيه. لذلك فقد أصر قاسم على تعيين الدكتور عبد الجبار عبد الله، رئيساً لجامعة بغداد، وهو من أبناء الصابئة المندائيين الأقلية، وذلك لمكانته العلمية، والدكتور مهدي المخزومي - شيعي- عميداً لكلية الآداب، لمكانته المتميزة كأستاذ بارز في اللغة العربية. وشدد على تجاوز الأعراف الطائفية في القبول في الكلية العسكرية وكلية الأركان، كما وشدد على علاقات جديدة بين الضباط والجنود، وألغى عقوبة الجلد المهينة، ومنع استخدام الجنود كخدم في منازل الضباط.
لذلك اعتبرت هذه السياسة خروجاً على المألوف من قبل غلاة الطائفية والمستفيدين منها، الأمر الذي أدى إلى التحالف بين ممثلي المدرسة التركية، والقوميين، الجمهوريين والملكيين، وممثلي المصالح البريطانية، والأمريكية، وغيرهم من المتضررين من الثورة. لذلك أتهم عبد الكريم قاسم بالانحراف عن مبادئ الثورة، كما واتهم بالشعوبية ومخالفة الإسلام. إن الكراهية لعبد الكريم قاسم قد حققت وحدة بين خصومه قلما يحصل في التاريخ، وحدة جمعت شخصيات، وأحزاب علمانية، ودينية، ودولِ عربية وأجنبية مختلفة، وحملات إعلام واسعة، ومكثفة ضد ثورة تموز وقائدها، إلى أن أطاحوا بها واغتالوا قيادتها الوطنية النزيهة.
موقف رجال الدين الشيعة من قاسم
من نافل القول أن لثورة 14 تموز استحقاقات تاريخية، لأنها لم تكن مجرد انقلاب عسكري كما يحلو للبعض وصفها، بل كانت استجابة لمتطلبات تاريخية، وضرورة وطنية، أي أنها أحدثت تغييرات جذرية سياسية، واقتصادية، واجتماعية في الدولة والمجتمع. لذلك أصدرت الثورة قوانين ثورية لتحقيق هذه الأغراض. ومن هذه القوانين ما يلي:
1- قانون الأحوال الشخصية
كانت المرأة العراقية مسحوقة، إجتماعياً وسياسياً إلى درجة كبيرة قبل ثورة 14 تموز 1958 وخاصة في المجتمعات الريفية الفلاحية. لقد خلقت الثورة أوضاعاً جديدة في العراق وخاصة فيما يخص مكانة المرأة في المجتمع، فلأول مرة شاركت المرأة المسؤولية في الحكم في العراق، وتسنمت منصب وزاري حيث تم تعيين الدكتورة نزيهة الدليمي وزيرة للبلديات.
ولانصاف المرأة، أصدرت حكومة الثورة قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959، الذي استغل من قبل الخصوم ضد ثورة 14 تموز 1958 وقائدها الزعيم عبدالكريم قاسم، وتم تحريك رجال الدين الإسلامي وبالأخص الشيعة منهم فاعتبروه خروجاً على الشريعة الإسلامية.
2- قانون حكم العشائر
العشائرية مرحلة من مراحل التطور الحضاري ما قبل تكوين الشعوب والدولة. لذلك لم يكن شيوخ العشائر في العهد العثماني، وما قبله، إقطاعيين من مالكي الأراضي الزراعية، بل كانوا وجهاء قبائلهم، ينضِّمون شؤون أبناء العشيرة وحمايتهم من العدوان الخارجي، أي كانوا بمثابة حكومة مصغرة لكل قبيلة. ولكن بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، رأى الانكليز احتلالهم للعراق، تمليكهم قطاعات واسعة من الأراضي الزراعية التي كانت هي ملكية الدولة في العهد العثماني، وبذلك تم تحويل الشيوخ إلى إقطاعيين، كما ومنحوهم امتيازات قانونية لكسب ولاء هؤلاء الشيوخ، فأصدروا قانون حكم العشائر الذي يخول شيخ العشيرة حل المنازعات بين أفراد عشيرته وليس عن طريق المحاكم المدنية. والجدير بالذكر أن سكان الريف كانوا يشكلون نحو 70% من الشعب في العقد الأول من عمر الدولة العراقية الحديثة. ومعنى هذا أن حكم الشعب بقانونين، قانون مدني حديث لسكان المدن، وآخر قانون العرف العشائري لسكان الأرياف، يكون شيخ العشيرة دكتاتوراً يعمل بفلاحيه ما يشاء ودون أي رادع، إضافة إلى كون هذا القانون العشائري يكرس التخلف. لذا فقد اعتبر علماء الاجتماع نظام حكم العشائر، عقبة كأداء أمام التطور الحضاري لسكان الأرياف ويعمل على إبقائهم متخلفين. وعليه، رأت حكومة الثورة من الضروري إلغاءه. لذلك استغل قرار إلغاء هذا القانون من قبل أعداء الثورة، فحاول شيوخ العشائر استمالة رجال الدين ضد الحكومة وحققوا في ذلك نجاحاً كبيراً.
3- قانون الإصلاح الزراعي
لتجريد شيوخ العشائر من سلب أتعاب الفلاحين من أبناء عشائرهم، أصدرت حكومة الثورة قانون الإصلاح الزراعي الذي هو الآخر أضر بمصلحة الإقطاعيين لتجريدهم من منابع قوتهم الاقتصادية، وكان لهؤلاء نفوذ كبير على رجال الدين بما يدفعون لهم من خمس وزكاة.
هذه القوانين الثورية الثلاثة، الأحوال الشخصية، حكم العشائر، والإصلاح الزراعي، أثارت نقمة الرجعية المحلية والإقليمية المتمثلة في أعداء المرأة، وشيوخ الإقطاع، فحركوا رجال الدين ضد الزعيم عبدالكريم قاسم وحكومته الوطنية، رغم ما قدمه الرجل من تعاطف ومودة واحترام لهم، وما قدم من خدمات جليلة للجماهير الفقيرة. ومن نتاج هذا التحرك هو إصدار فتوى من المرجع الشيعي السيد محسن الحكيم ضد الحزب الشيوعي (الشيوعية كفر وإلحاد)، حيث تم تفسير الفتوى أنها ضد قاسم وحكومته، إذ أنهم اتهموا قاسم بالشيوعية مسبقاً. وقد استنسخت هذه الفتوى على شكل شعارات ولافتات ألصقت على البنايات في الشوارع في جميع المدن العراقية، وطبعت بأعداد كبيرة من النسخ وزعت على نطاق واسع من قبل القوميين والبعثيين وحزب التحرير (الأخوان المسلمين)، إذ لم يكن للسيد الحكيم آنذاك أي تنظيم سياسي واسع للقيام بهذه المهمة. وقد تحمس لها رجال الدين السنة، وشخصيات قومية لهذه الفتوى فشهِّرتها سلاحاً ماضياً في مواجهة الحزب الشيوعي العراقي، كما واستخدمت سيفاً بتاراً لإضعاف حكم قاسم من قبل المناوئين له. كذلك أصدر رجال دين آخرون فتاوى بهذا المعنى، واعتبروا الشيوعيين مرتدين عن الإسلام يجب قتلهم ما لم يتراجعوا عن الردة ويعلنوا التوبة! علماً بأن نحو 70% من الشيوعيين كانوا من الشيعة ومعظمهم من الفقراء.
وغني عن القول أن هذه الفتاوى لعبت دوراً مهماً في إجهاض الثورة، إذ فسرها كثيرون بأن المقصود بها هو الزعيم عبدالكريم قاسم وحكومته، حيث اتهم الرجل بالشيوعية، علماً بأنه كان متديناً، ويحترم رجال الدين، ولكنهم فسروا موقفه هذا ضعفاً منه!! كما وضيَّق الخناق على الشيوعيين بعد أحداث الموصل وكركوك عام 1959، حيث حاول خصوم الشيوعيين إلقاء تبعة هذه الأحداث المأساوية على الشيوعيين لأسباب وتعقيدات ليس هنا مكانها. (للمزيد عن هذا الموضوع، يرجى مراجعة كتابنا عن (ثورة 14 تموز).
موقف جماهير الشيعة من قاسم
المعروف في تلك الفترة أنه لم تقف جماهير الشيعة إلى جانب مرجعياتهم الدينية ضد قاسم، بل أغلبها ظلت صامدة في تأييدها له، نظراً لما عرف عنه من مناصرته للفقراء فقابله هؤلاء بمناصرتهم له أيضاً، لذا لم تكن للمعارضة الدينية لقاسم أي نفوذ شعبي في المدن الشيعية. لذلك لجأت هذه المعارضة إلى ممارسة نشاطها في المناطق السنية، مثل الأعظمية، والرمادي، والموصل. فشهدت تلك الفترة وحدة إسلامية غير مسبوقة بين رجال الدين الشيعة والسنة. وكان حزب البعث ينظم الاحتفالات والمهرجانات الدينية بمنسبة المولد النبوي مثالاً، والمؤتمرات التي أقيمت في داخل حرم جامع الإمام الأعظم أبي حنيفة، يحضره مندوبون عن الشيخ محمد مهدي الخالصي وعن جماعة الإخوان المسلمين وجماعة علماء بغداد، والحركة القومية، وحزب البعث....وغيره
وبإعتراف الأستاذ حسن العلوي، البعثي السابق، أنه شارك شخصياً في هذا النشاط بدور فعال، إذ أنيطت به مهمة كتابة الخطب الخاصة بحزب البعث، سواء التي ألقاها بنفسه في تلك الاحتفالات، أم التي ألقيت من قبل أشخاص آخرين.
ويقول العلوي الذي غيَّر موقفه من حزب البعث وقاسم في أوائل الثمانيات من القرن الماضي: "وعندما نتأمل جيداً في العوامل التي أسقطت حكم عبد الكريم قاسم وإعدامه على الفور، نجد العامل الخارجي كان العامل الحاسم لأن العامل المحلي لم يكن مؤهلاً للنجاح بدليل أن الأغلبية الساحقة من العراقيين مازالت مشدودة إلى عبد الكريم قاسم."
إن عملية إغتيال حكومة عبد الكريم قاسم أدت إلى حرمان العراقيين من نظام سياسي غير متعصب لم يلتزم بتعميم تمذهب الدولة. وما أن تم القضاء على ثورة تموز وقائدها، حتى انفرطت تلك الوحدة التي ضمت القوى والشخصيات المتناقضة وعادت إلى صراعاتها الدموية فيما بينها. وكان بعض علماء الإسلام، والبعثيون، والضباط، والوزراء الشيعة الذين شاركوا في إسقاط عبد الكريم قاسم من ضحايا هذه السياسة. (2)
الطائفية في عهد عارف
عُرِفَ الرئيس عبد السلام محمد عارف بطائفيته العلنية إذ كان يسمي الشيعة روافض وعجماً، وجعل مبدأ النقاء العرقي والطائفي أساساً للتقرب إلى السلطة والمناصب الحكومية. كان عارف رائد الحق العرقي والعزل المذهبي في العمل السياسي بشكل صريح، ولأول مرة يجري العمل بالهوية العرقية والطائفية علناً.
ويذكر السيد هديب الحاج حمود، وزير الزراعة في حكومة عبدالكريم قاسم: " إن عبد السلام عارف ذكر لأحد الضباط الأحرار الموجودين معه في الفوج ليلة 14 تموز 1958، بأنهم سينفذون الثورة وهناك ثلاث جماعات يجب إستئصالها وهم: الأكراد، والمسيحيون والشيعة".(3)
فقد دشن عبد السلام عهده بقتل عبد الكريم قاسم مع وطنيين آخرين من قبل قيادة حزب البعث المسؤولة رسمياً عن حركة 8 شباط 1963. وهكذا تم تدارك ما أعتبر خللاً في الأعراف التقليدية بوجود نظام عبد الكريم غير الطائفي، كما وتدارك عبد السلام عارف نفس الخلل المتمثل بوجود أغلبية شيعية في قيادة حزب البعث المدنية، فقام بحركة 18 تشرين الثاني عام 1963 ضد حزب البعث للتخلص من البعثيين الشيعة. ففي البيان الأول لحركة عبد السلام عارف، أشير إلى هؤلاء بكلمة الشعوبيين، وهو الوصف الذي يستخدمه الطائفيون في الحركة القومية للشخصيات الشيعية.(4)
كما ويورد المرحوم هاني الفكيكي، وهو أحد قادة انقلاب 8 شباط 1963 الأسود، حادثة طريفة، حيث يصف فيها هجوم الضباط القوميين مساء 11/11/1963 على القاعة التي كانت القيادة القطرية لحزب البعث مجتمعة فيها لمناقشة الأزمة، فيقول: ".. وضجت القاعة بالإحتجاج والصياح والشتائم..عندما أصر سعدون حمادي على المغادرة وأعلن أن ما يجري مؤامرة لن يشارك فيها، ولعلنا نجد في جواب المقدم علي عريم على إصرار سعدون بعضاً من أسباب الإنقلاب ودوافعه. إذ قال إخرس عبد الزهرة!!. والزهراء هي فاطمة بنت النبي محمد، وفقراء الشيعة درجوا على تسمية أبنائهم بـ"عبد الزهراء" تقرباً من أبيها النبي محمد ومن زوجها الإمام علي بن أبي طالب. ويقال أن اسم والد سعدون أو جده عبد الزهراء. وكما هو واضح أراد علي عريم أن ينتقص من سعدون حمادي لشيعيته.(5)
يقول الأستاذ حسن العلوي إن وضع الشيعي في السلطة وفي جميع الفترات هش دائماً، مهما بدا للناس انه قوي ومؤثر، وان العراقي في المفهوم الرسمي يظل طائفياً إذا لم يشترك في حملة إضطهاد الشيعة وإن كان سنياً كعبد الكريم قاسم. وهذا يجعل شيعة السلطة في مأزق فلا هم محسوبون على السلطة، ولا هم محسوبون على الشيعة.(6)
ويذكر الفكيكي في مكان آخر من كتابه أوكار الهزيمة: "ونظرة عبد السلام إلى الأكراد لم تكن أفضل حالاً من نظرته إلى المسلمين الشيعة، إذ كان يردد باستمرار كلمة (الشعوبية)، بالمعنى والقصد اللذين كان يستعملهما بعض الطائفيين في محاربتهم لعرب العراق الشيعة. وأذكر إننا، محسن الشيخ راضي وأنا، وصلنا مرة متأخرين إلى إحدى جلسات مجلس قيادة الثورة، فقال عبد السلام: جاء الروافض، وكان يقصد بذلك اننا شيعيان، الشيء الذي حمل أنور الحديثي على الإحتجاج طالباً إلى عارف الإعتذار عن هذا التعبير."(7)
وعن طائفية الرئيس عبدالسلام عارف، يقول الدكتور سعيد السامرائي: عرف الرئيس العراقي عبدالسلام عارف بالتطرف في طائفيته ضد الشيعة حيث كان لا يحتمل رؤية الشيعي حتى أنه قطع زيارته لشركة التأمين الوطنية يوماً (في عام 1965 أو 1966) لأنه وجد أن مدراءها ورؤساء أقسامها وشُعَبها هم إما من الشيعة أو المسيحيين والذين تبوأوا هذه المناصب بكفاءتهم في هذه المهنة (التأمين) التي لا تحتمل وضع غير الكفوء فيها. مثل هذا الرجل لا يمكن أن ينتظر منه إصلاح لأنه غارق بالطائفية إلى درجة لا يستطيع فيها أن يرى سبيلاً آخر. هذا علاوة إلى جهله المركب عموماً.(8)
كما وحدثني صديق نجفي، نقلاً عن قريبه السياسي القومي المعروف، الدكتور عبد الرزاق محي الدين، وزير الوحدة في عهد عارف، أنه عندما كان عارف يقوم بتعديل وزاري وينتهي من توزيع الحقائب الوزارية المهمة، يلتفت إلى جماعته سائلاً: (وماذا نعطي للعجم؟ يقصد الشيعة). كانت وزارة الوحدة التي أسنِدتْ إلى الدكتور محي الدين عبارة عن خدعة مكشوفة، لأنه لم يخصص لها حتى مكتب في غرفة خاصة بهذه الوزارة النكتة!.
وهناك قصص كثيرة عن غلو عبد السلام عارف في الطائفية لا فائدة من ذكرها، ربما بعضها غير صحيح أو مبالغ فيها، لأن في هذه الأحوال يخلق المخيال الشعبي قصصاً لتؤكد مدى طائفية الرجل.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
1- حسن العلوي، الشيعة والدولة القومية، مطبوعات CEDI فرنسا عام 1989، ص 175-176- في حديث مع السيد عبد الهادي الجلبي يوم 1/1/1988 في منزله في لندن وقد توفى إلى رحمه الله بعد هذا اللقاء بشهرين.
2- حسن العلوي، نفس المصدر، ص 202-206
3- د. ليث عبد المحسن الزبيدي، ثورة 14 تموز 1958 في العراق، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1979 - مقابلة شخصية بين المؤلف مع السيد هديب الحاج حمود، بتاريخ 21-6-1977، في العراق، ص404-405.
4- هاني الفكيكي، أوكار الهزيمة، دار رياض الريس، لندن، 1993، ص213.
5- هاني الفكيكي، نفس المصدر، ص349-350.
6- حسن العلوي، نفس المصدر، ص 244.
7- هاني الفكيكي، نفس المصدر، ص 273.
8- د.سعيد السامرائي، الطائفية في العراق، ط1، مؤسسة الفجر، لندن، 1993، ص 46.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com