أثناء انعقاد المؤتمر الدولى الخامس للجمعية الدولية لابن رشد والتنوير، فى 5 ديسمبر 1994، نشأت علاقة خاصة بين المستشرق الألمانى، شتيفان فيلد، ونصر حامد أبوزيد. وأظن أن هذه العلاقة قد تطورت فى اتجاه التصوف الإسلامى وليس فى الاتجاه العقلانى لابن رشد. وأظن أيضاً أننى فى حاجة إلى التدليل على صحة هذا التطور.
كان شتيفان فيلد، أستاذ الدراسات الشرقية بجامعة بون، فى بحثه الذى ألقاه فى ذلك المؤتمر، يدور عن نقد بحث كنت قد ألقيته فى مؤتمر «الإسلام والحضارة» فى عام 1979 بالقاهرة، وكان عنوانه «مفارقة ابن رشد». وهذه المفارقة تكمن فى أن ابن رشد حى فى الغرب ميت فى الشرق. وقد شكك فيلد فى مصطلح «المفارقة». وفيلد فى هذا الشك يساير نقد جورج حورانى، أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة نيويورك، فى ربطى بين ابن رشد والتنوير، إذ له بحث بالفرنسية عنوانه «ابن رشد المسلم» تساءل فيه «عما إذا كان ابن رشد مسلماً وكان جوابه إنه كان كذلك فى فلسفته العملية حيث كان قاضياً مسلماً ومحافظاً». إلا أن فيلد يذهب إلى أبعد مما ذهب إليه «حورانى» فى كتابه الذى أصدره فى عام 1996 وعنوانه «التنوير الإسلامى ومفارقة ابن رشد». واللافت للانتباه فى هذا الكتاب أنه يبدأ فى مقدمته بنقد المصطلح الذى سككته وهو مفارقة ابن رشد. وفى خاتمته يتساءل: هل يمكن العثور على التراث الفلسفى الحق لفكر التنوير فى أعمال ابن سينا وملا صدرا وابن عربى؟ ومسار كتابه يشى بأن الجواب يلزم أن يكون إيجابياً فى اتجاه الالتزام بالبحث فى التصوف الإسلامى. والجدير بالتنويه هنا أن نصر حامد أبوزيد قد أصدر كتاباً فى عام 2002 عنوانه «هكذا تكلم ابن عربى»، وهو من كبار متصوفة الإسلام.
وفى الصفحة الأولى من الكتاب تحت عنوان إهداء يقول «أهدى هذا الكتاب إلى (عم حسن سمك) لأنه أول من علمنى التصوف». ونصر حامد أبوزيد فى هذا السياق يواكب تحريض فيلد للمثقفين الإسلاميين على الاقتصار على التصوف. ومع ذلك فمفارقة نصر حامد أبوزيد هى على النحو الآتى:
لقد تم تعيينه «أستاذ كرسى» بجامعة لايدن بأمستردام عاصمة هولندا فى 27 نوفمبر 2000، كما تم الاحتفال به فى ذلك اليوم، وجاء فى المحاضرة التى ألقاها بهذه المناسبة تحت عنوان «القرآن: اتصال بين الله والإنسان» أن هويتنا الإنسانية هى هوية إلهية كما أن الهوية الإلهية هى هوية متأنسة بسبب الإدراك الإنسانى لها. وأن هذا النموذج القرآنى وارد عند المتصوف المسلم ابن عربى. ونصر حامد أبوزيد فى ذلك متسق مع ذاته، إذ يقول إنه لم يتوقف اهتمامه بابن عربى منذ أنجز رسالته لدرجة الدكتوراه عن تأويله للقرآن منذ أكثر من عشرين عاماً.
ومفارقة نصر حامد أبوزيد هنا أنه بعد إلقاء محاضرته بثلاث سنوات عُين أستاذ كرسى ابن رشد فى جامعة أوترخت بهولندا. والمفارقة تكمن فى أن ثمة فارقاً كيفياً بين المعرفة بالنظر العقلى الخالص، التى كان يدعو إليها ابن رشد، والمعرفة التى تأتى إلى الإنسان مباشرة من الله، كما يتصورها ابن عربى.
والمفارقة هنا أننى كنت على علم مسبق بتعيينه أستاذ كرسى ابن رشد، إذ كان هذا التعيين باقتراح من صديقى العلمانى أستاذ علم الاجتماع بجامعة أوترخت، روب تلمان.
والسؤال بعد ذلك:
ماذا حدث بعد مؤتمر القاهرة فى عام 1994؟
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com