يغضب بعض الليبراليين المصريين والعرب عندما نكتب عن مسئولية الولايات المتحدة فى صناعة الإرهاب الدولى وتحديداً الجماعات المتشددة، ويرى بعضهم أن مثل هذه الكتابات وتلك الآراء فيها تجنٍّ شديد على الولايات المتحدة، ورغم أننى شخصياً أكتب عن هذا الموضوع منذ أكثر من عقدين من الزمان، فإن بعض الليبراليين المصريين كثيراً ما علقوا على كتاباتى حول مسئولية الولايات المتحدة فى صناعة ورعاية الجماعات المتطرفة بكتابات تحمل بعض اللمز والغمز تحديداً فى زمن الإخوان وبالتحديد أكثر بعد ٣٠ يونيو عندما كتبت عن دور السفيرة الأمريكية السابقة فى القاهرة،
آن باترسون، واتصالاتها بجماعة الإخوان، وحزب النور السلفى، وعندما كتبت معلقاً على تصريحات باترسون فى مركز ابن خلدون قبيل ثلاثين من يونيو عندما طالبت المصريين بعدم الخروج على مرسى لأنه رئيس منتخب، وطلبت لقاء البابا تواضروس الثانى وطلبت منه أن يصدر تعليمات واضحة للأقباط بعدم المشاركة فى المظاهرات ضد مرسى، وعلمنا فى ذلك الوقت من مصادر مقربة من قداسة البابا أنه رد عليها بالقول إن الأقباط مصريون قبل كل شىء وأحرار فى اتخاذ المواقف التى يرونها تتوافق ومصلحة الوطن، وكان لقاء غير ودى بالمرة. وعندما ذهبت باترسون إلى خيرت الشاطر فى مدينة نصر طالبة منه حشد أنصاره فى الشارع لإظهار الدعم الذى تحظى به الجماعة ومندوبها فى قصر الرئاسة، كتبنا كثيراً عن تجاوز السفيرة الأمريكية لدورها وصلاحياتها وتدخلها فى الشأن المصرى الداخلى. عندما كتبنا ذلك كنا نكتب من منطلق الباحث المصرى الذى درس تاريخ العلاقات الدولية قديمه وجديده، درسنا الغزو السوفيتى لأفغانستان وكيف تعاون السادات مع ضياء الحق وكمال أدهم فى تشكيل ظاهرة المجاهدين الأفغان، كتبنا بعد حصيلة ضخمة من المعلومات التى استقيت بعضها مباشرة من لقاءات فى الخارجية الأمريكية عام ١٩٩٦ فى إطار برنامج «الزائر الدولى» حيث وجهت سؤالاً لمسئول فى الخارجية الأمريكية خلال هذه الزيارة عن كيفية دخول عمر عبدالرحمن الأراضى الأمريكية، وقلت له إننا نعانى فى العالم العربى ومصر تحديداً من ظاهرة «العائدين من أفغانستان»،
تلك الظاهرة التى صنعتها الولايات المتحدة الأمريكية ضمن حربها بالوكالة ضد القوات السوفيتية فى أفغانستان، فرد الرجل بكل هدوء ووضوح قائلاً إن هزيمة القوات السوفيتية فى أفغانستان كانت بداية انهيار الاتحاد السوفيتى، وهو هدف أمريكى استراتيجى، أما فيما يخص تداعيات ذلك عليكم وعلى غيركم من الدول فهو أمر لا يخصنا، قالها بوضوح «we do not care». وما فائدة الجدل حول هذه القضية وقد أقرت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، والمرشحة عن الحزب الديمقراطى لانتخابات الرئاسة الأمريكية التى ستجرى فى نوفمبر المقبل، هيلارى كلينتون، بذلك فى شهادة لها أمام إحدى لجان الكونجرس، قالت نعم نحن ساهمنا فى تشكيل جماعات متشددة فى أفغانستان، كانت نواة لتنظيم القاعدة، وذلك لمحاربة القوات السوفيتية فى أفغانستان. وربما أقول ما هو أكثر من ذلك أن الولايات المتحدة لم تتوقف عن إنتاج هذه البضاعة بعد ذلك، فواصلت العمل بنفس الوتيرة فى البلقان والبوسنة وكوسوفو، لاعتبارات تتعلق بتفكيك يوغسلافيا وتصفية النظام الصربى عام ١٩٩٩. فقط بعد كارثة الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١، أيقنت واشنطن خطورة اللعبة، فتوقفت عن إنتاج المزيد من هذه البضاعة، ولكنها سرعان ما عادت إلى إنتاجها مجدداً فى سياق التحضير للربيع العربى وإدارته، وهو ما أسقطته مصر بشعبها وجيشها وخلطت الأوراق الأمريكية مجدداً، فاضطربت السياسة الأمريكية بشدة وأخذت فى توزيع الاتهامات يميناً ويساراً، وهى المسئول الأول عن كل هذه الجرائم.
كلمة أخيرة لبعض الليبراليين المصريين والعرب الذين يرون أن تذكير واشنطن بدورها فى صناعة الإرهاب هو تهجم على قلعة الليبرالية بل الليبرالية ذاتها، نقول لهم «عودوا إلى التاريخ المعاصر واقرأوا تاريخ التفاعلات الدولية خلال الحرب الباردة أولاً وميزوا بين القيم والمبادئ وبين مكونات السياسة الخارجية للدول ومنها الولايات المتحدة».
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com