ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

الأبعاد الخفية لأزمة السعودية والكونجرس!

مكرم محمد أحمد | 2016-10-06 16:29:00

دون اعتبار لتحذيرات وزير الدفاع ورئيس هيئة أركان القوات المسلحة الأمريكية ومدير المخابرات المركزية، أسدل الكونجرس الستار على سبعة عقود من العلاقات الخاصة المتميزة بين السعودية والولايات المتحدة، عندما وافق بمجلسيه وبأغلبية ساحقة على قانون (جاستا) الذى يتيح لأسر ضحايا 11 سبتمبر ملاحقة الحكومة السعودية أمام القضاء طلباً للتعويضات، رغم أن التحقيقات الأمريكية أثبتت أن الحكومة السعودية لا علاقة لها البتة بهذه الأحداث التى لم يتورط فيها أى مسئول سعودى! وعندما استخدم الرئيس أوباما حق الفيتو ليمنع صدور القانون تأسيساً على أن الحكومة السعودية لا دخل لها بالحادث، وأن القانون سوف يشكل سابقة تدخل فى قضايا تتعلق بسيادة الدول، رفض مجلسا الكونجرس الفيتو الرئاسى، الأمر الذى زاد من تعقيد القضية وضاعف من خطورتها، لكن الآثار الوخيمة التى يمكن أن تتعرض لها الولايات المتحدة ذاتها إذا جرى تطبيق القانون على الهيئات الدبلوماسية الأمريكية والعسكريين الأمريكيين فى الخارج تحقيقاً لمبدأ المعاملة بالمثل، ألزمت جماعات عديدة داخل الكونجرس إعادة النظرة فى هذا القانون، حماية لآلاف العسكريين والدبلوماسيين الأمريكيين الذين ساهموا فى عمليات قتل وعدوان فى أنحاء كثيرة من العالم، سقط بسببها ضحايا كثيرون من حقهم طبقاً لهذا القانون محاكمة المسئولين عن هذه العمليات والمطالبة بالتعويض. ولأن القانون صدر فى خضم حملة انتخابات الرئاسة والكونجرس الأمريكى، ثمة شبهات قوية فى أن يكون هدف قانون جاستا ابتزاز الحكومة السعودية، رغم عدم وجود أى علاقة بين الحكومة السعودية وأحداث سبتمبر، بما أضفى على القانون صورة غير أخلاقية بعد سبعة عقود من علاقات التحالف الوثيق بين واشنطن والرياض.

وبالطبع لا يمكن فصل هذه المواقف عن حالة التوتر التى تعرضت لها العلاقات الأمريكية السعودية، إثر توقيع اتفاق التسوية السلمية لمشكلة الملف النووى الإيرانى، الذى أدى إلى رفع القيود عن الأرصدة الإيرانية المجمدة فى بنوك الغرب وإعادة تسليمها إلى طهران، بما زاد من اعتقاد السعودية بأن الجزء الأكبر من هذه الأموال سوف ينفق على أعمال الإرهاب التى تقودها إيران فى المنطقة العربية، إضافة إلى تمويلها حزب الله اللبنانى ونظام حكم الرئيس السورى بشار الأسد.

وإذا كان لبعض الدوائر الأمريكية ملاحظاتها حول بعض الأفكار الوهابية بدعوى أنها تشجع على الغلو والتطرف وتحض على العنف، فإن هذه الشكوك ما كان ينبغى أن تنسحب آثارها على الحكم السعودى، الذى يتبنى الآن برنامجاً ضخماً من أجل تحديث المملكة، الأولوية فيه لتشجيع الاعتدال ومحاربة الإرهاب، لكن جانباً مهماً من المشكلة يعود بالفعل إلى بعض الدوائر الأمريكية الفاعلة التى تعتقد خطأ أن السنة هم سدنة التطرف والإرهاب عكس الشيعة التى تتيح فرص الحوار والاجتهاد، وبرغم خطأ هذا التعميم المخل لأن نسبة غير قليلة من العمليات الانتحارية تتم على أيدى الشيعة، تتعامل قوى الغرب مع السنة باعتبارها المصدر الأول للتطرف والإرهاب.

ومع الأسف فإن الشيعة والسنة كانا يتجاوران فى سلام ويتعايشان فى العراق على نحو آمن، يتصاهران ويتجاوران إلى أن جاء الغزو الأمريكى للعراق، وتم تفكيك الدولة والجيش العراقى، كما تم تغليب طائفة على أخرى إلى حد أن كلاً من السنة والشيعة يعيشون الآن فى أحياء منفصلة تفصلها جدران شاهقة، ومن المؤكد أن ما يجرى فى سوريا من حرب أهلية يخفى وراءه نزعة طائفية حادة جعلت العلويين وحزب الله اللبنانى والحرس الثورى الإيرانى يحاربون على جبهة واحدة بينما تحارب السنة على الجبهة الأخرى، الأمر الذى زاد من قسمة البلاد وتمزيقها.

وسواء كان الهدف هو ابتزاز السعودية فى قضايا التعويضات أم أن المخطط أكبر وأشمل من ذلك ينطوى على أهداف استراتيجية كبرى، شهدنا ملامحها فى الفوضى غير البناءة التى صاحبت أحداث الربيع العربى الزائف الذى استهدف تقويض الدولة المصرية لولا يقظة قواتها المسلحة، وفى الحروب المخططة التى دمرت العراق وسوريا وليبيا وأجهزت على مقدرات هذه البلاد، بما فى ذلك الدولة والثروة الوطنية والقدرة العسكرية، لتجعل منها مجرد خراب ودمار، فضلاً عن إشعال حرائق الفتنة الطائفية فى معظم أرجاء عالمنا يتلهى بها العرب إلى أن تستنزف قواهم، وزرع منظمات الإرهاب، القاعدة وداعش وجبهة النصرة وعشرات المنظمات التى تتنوع أسماؤها وعناوينها لكن مهمتها الوحيدة هى ضرب أمن واستقرار المنطقة، وأظن أن جزءاً من هذا المخطط استهدف خفض أسعار البترول إلى ما دون ثلاثين دولاراً للبرميل، للتضييق على إنفاق السعودية ودول الخليج وإدخالها فى طور اقتصادى مختلف، يلزمها خفض الإنفاق العام وإلغاء الدعم وتقليل الرواتب، بما يؤثر على مستوى الرضا العام لشعوبها، ويؤكد أننا فى مواجهة مخطط كبير يستهدف هذه المنطقة، تم رسم خطوطه الأساسية إثر حدثين مهمين تعلم منهما الغرب الكثير، أولهما قطع البترول العربى عن الغرب فى حرب 73 الذى رفع أسعاره من بضعة سنتات إلى 5 دولارات للبرميل، ليتوالى رفع السعر إلى أن وصل لأكثر من مائة دولار، والثانى أحداث سبتمبر التى استهدفت برجى التجارة الدولية فى نيويورك وشارك فى تنفيذها عدد من شباب السعودية.

ومع الأسف لم يفطن عالمنا العربى إلى أبعاد هذا المخطط الخطير، فرطنا فى التضامن العربى لينهشنا الانقسام والاختلافات وتضارب الرؤى، وتصور بعضنا أنه يمكن أن يفلت من شباك هذا المخطط إذا هادن أو تخلى دون أن يدرك أنه أُكل يوم أُكل الثور الأبيض، وتورط بعضنا الآخر ليصبح جزءاً من هذا المشروع الشرير، كما فعلت قطر على أمل أن تحظى بحماية الغرب الكاملة، وزاد الوضع سوءاً أننا أهدرنا دور الجامعة العربية كمنظمة إقليمية مهمة، هدفها تعزيز العمل العربى المشترك وحماية المصالح الاقتصادية العربية وتعزيز أمن العرب الجماعى، وبلغ التآمر ذروته عندما تم تسليم الأزمتين الليبية والسورية تباعاً إلى الأمم المتحدة واستبعاد أى دور للجامعة العربية فى هاتين المشكلتين ليتم تدمير الدولتين تباعاً، ليبيا عبر حلف الناتو الذى دمر جيشها وطائراتها ومقدراتها وسلم مدنها تسليم مفتاح إلى الجماعات المسلحة المتطرفة، وسوريا عبر حرب أهلية بلا نهاية شارك فيها الجميع وتحولت إلى مفرخة لجماعات الإرهاب.

وإذا كان صحيحاً أن ما يجابه السعودية الآن هو جزء من مخطط يستهدف المنطقة تباعاً، يصبح من الضرورى للعرب أن يعيدوا النظر فى مجمل سياساتهم بما يعزز تضامنهم العربى ويعيد لجامعتهم العربية اعتبارها ودورها الحيوى كمنظمة إقليمية تحفظ أمن العرب الجماعى، وأظن أنه ليس سراً أن الجامعة العربية التى حققت للدول العربية الكثير من الإنجازات المهمة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية تزداد الآن ضعفاً بعد أن رضخ العرب لتهميش دورها فى مشكلات العالم العربى وجرى استبعادها فى جهود التسوية السلمية للحروب العربية الثلاث التى تجرى فى اليمن وسوريا وليبيا، ليصبح للغرب وحده الكلمة الفصل، وما يزيد من عمق المأساة أن العرب فعلوا ذلك بأيديهم عندما أهملوا دور الجامعة العربية، وحولوا قراراتها التى يتم صدورها عادة بالإجماع أو التوافق إلى حبر على ورق، ولم يعد يهمهم كثيراً المشاركة فى اجتماعاتها، فالقمة العربية الدورية تعقد الآن بمن حضر وعادة لا يزيد عدد حضور الرؤساء على 11دولة إن لم يكن أقل، والأخطر من ذلك اجتماعات وزراء الخارجية العرب التى تم آخرها بحضور 9 وزراء فقط، ولهذه الأسباب ضعف العرب وضعفت الجامعة وأصبح من الضرورى أن تكون وقفة الدول العربية مع السعودية بداية جهد عربى حقيقى يستهدف إعادة التضامن العربى، مفتاح قوة العرب ورمز عزتهم ومعيار احترام العالم لحقوقهم فى الأمن والرخاء والتقدم.
نقلا عن الوطن

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com