لم يمض سوي أسبوعين علي إعلان البنك المركزي عن ارتفاع الاحتياطي من النقد الأجنبي إلي حدود آمنة بعض الشئ بعد أشهر ممتدة من التراجع، حتي بلغت قيمته 19.5 مليار دولار، نهاية سبتمبر الماضى، مقابل 16.564 مليار، نهاية أغسطس الماضى، وذلك نتيجة تلقى البنك وديعة إماراتية بقيمة مليار دولار، وضخ شرائح لقروض دولية متفق عليها مع الحكومة، وتحسن حصيلة الصادرات نسبيا من موارد النقد الأجنبى.
بيد أن الأزمات المتلاحقة التي واجهت الحكومة مؤخرًا، أبت إلا أن تدفع الإقتصاد الوطني مجددًا نحو دائرة الخطر، حتي سارت الدولة تعثر خطواتها تارة في أزمة القمح وأخري مع وقف توريد شحنات النفط، وأخيرًا ضربت أزمة نقص المعروض من السكر الإقتصاد في مقتل.
فبينما تسعي الحكومة جاهدة بالتنسيق مع القطاع المصرفي نحو ترشيد نفقاتها للحد من نزيف الإحتياطي النقدي من العملة الصعبة، وتقليص حجم وارداتها بأقصي قدر، فرضت الأزمات الطارئة نفسها بقوة علي أداء إقتصادي متعثر لازال يبحث عن طريقه نحو التعافي في إطار رؤية إصلاح إقتصادية تبنتها الحكومة تزامنًا مع مباحثاتها مع بعثة صندوق النقد الدولي بغية الحصول علي قرض بقيمة 12 مليار دولار.
إذ تجددت مطلع العام الجاري المخاوف من نقص السلع التموينية، التي يقتات عليها غالبية أفراد الشعب المصري من محدودي الدخل، وأبناء الطبقة الوسطى، دون وجود حلول حكومية للأزمة، وعدم كفاية تدخل القوات المسلحة لحل الأزمة، ما أدى إلى اتساع نطاق التذمر منها بين المواطنين، وبقالي التموين في العديد من المحافظات، ودون وجود أفق لحلها قريبا.
"اختفاء الزيت "
في البداية، واجهت وزارة التموين والتجارة الخارجية أزمة كبيرة بعد أن خلت مخازنها من زيت الطعام ما تسبب في عدم صرف المقررات التموينية، ما سارعت علي إثرة الشركة القابضة للصناعات الغذائية إلي طرح مناقصة مناقصات إستثنائية لسد العجز من احتياجات الزيت التي تستورد مصر أكثر من 95% من إحتياجاتها منه.
وكان آخرها، تعاقد الهيئة العامة للسلع التموينية علي شراء 60 ألف طن من زيت الصويا الخام و20 ألف طن من زيت دوار الشمس الخام في يونيو الماضي، وكذا التعاقد مع أكثر من 650 موردا من القطاع الخاص للقيام بضخ كل السلع الغذائية وغير الغذائية المتنوعة، بالإضافة إلى منتجات الشركات التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية وذلك لتوفير السلع للمواطنين.
"جنون أسعار الأرز"
وبعد أيام واجهت الوزارة ايضًا شبح تعرض المخزون الاستراتيجي من الأرز للنفاذ، بعد أن تقلص مخزون الوزارة بشكل حاد، ثلاث خلال العام الجاري، كانت الأولي في مارس الماضي بسبب قيام التجار الذين يوردون الأرز للحكومة برفع أسعار التوريد بنحو 50% في الشهرين الماضيين مستغلين حاجتها إلى ملء مخازنها الفارغة.
وفي مايو ارتفع سعره بطريقة جنونية ليصل سعر الكيلو 9 جنيهات، ورغم إعلان وزارة التموين العديد من المرات بتوفيره وبأسعار منخفضة إلا أنها فشلت في ذلك، ومع تفاقم الأزمة أعلنت التموين عن طرح80 ألف طن أرز من خلال الاستيراد في المجمعات الاستهلاكية والعربات المتنقلة بسعر مناسب في جميع المحافظات, مع التعاقد علي كميات إضافية وقت الحصاد لزيادة المخزون الإستراتيجي.
وأخيرًأ عادت أزمة الأرز تطل بوجهها من جديد قبل أيام، إثر نقص المتاح من الأرز التمويني والحر في الأسواق، تزامنًا مع إستمرار أزمة إختفاء السكر، وهو ما أكدته تصريحات وليد الشيخ نقيب البقالين، أن نسبة العجز بلغت حتي اليوم 40% بالسوق المحلي، نتيجة تراجع إنتاجية المضارب لعدم توافر الأرز الشعير.
وكشف الشيخ، في تصريحات صحفية عن أن 75% من الأرز لا يزال لدى الفلاحين، وأن المضارب تزاول عملها من خلال 25% فقط، مرجعا السبب وراء ذلك إلى رفض الفلاحين بيع الأرز، وسعيهم للحصول على أسعار أعلى.
في محاولة لإحتواء الأزمة، أعلنت الهيئة العامة للسلع التموينية عن التعاقد على شراء نصف مليون طن أرز من المناشئ الخارجية ومنها الهند بسعر 300 دولار للطن لتأمين مقررات البطاقات التموينية والسوق المحلي من هذه السلعة الإستراتيجية لمدة 6 أشهر.
"أزمة السكر"
وإضافة إلي سلسلة الأزمات السابقة، عصفت أزمة شح المعروض من السكر بالحكومة مؤخرًا، ارتفعت معها أسعار السكر إلي مستويات جنونية تخطت الـ 10 جنيهات للكيلو، مقارنة بسعر الطبيعي الذي لا يجاوز الست جنيهات.
وإزاء الأزمة، بذلت وزارة التموين محاولات مستميته للسيطرة علي الأزمة بعد التعاقد علي شحنات إضافية من السكر المستورد لسد الفجوة بين حجم الطلب وكمية المعروض من السلعة، عن طريق التعاقد علي 420 ألف طن، وبالفعل وصلت كميات من شحنة التعاقد، وبدأ طرحها فى المجمعات الاستهلاكية والسلاسل التجارية الكبرى.
"آراء الخبراء"
تعامل الحكومة مع الأزمات المتعاقبة دفع خبراء الشأن الإقتصادي لإطلاق تحذيراتهم من وصول الإحتياطي النقدي إلي حدود متدنية، معتبرين السياسات الحكومية فشلت في إحتواء تلك الأزمات، بعد أن عمدت إلي معالجة العرض وليس المرض.
ويقول الدكتور صلاح فهمي، استاذ الإقتصاد بجامعة الأزهر، أن هناك حالة من الإسترخاء تعامل الحكومة مع الأزمات القائمة، وعجز حيال التنبؤ بالأزمات المتوقعة، علي نحو يتطلب إجراء تعديل وزراي عاجل للتخلص من الوزراء اصحاب الأيدي المرتعشة.
وأضاف الخبير الإقتصادي، في تصريح لـ"الدستور"، أن تردد الحكومة في إتخاذ القرارات إلي حد يبدو معه حالة من التراخي لاسيما فيما يخص تحديد سعر واقعي للجنيه المصري للقضاء علي السوق السوداء للعملة الصعبة، إلي جانب عدم الإلتزام بتوفير مخزون إستراتيجي من السلع الأساسية.
وأكد أن الإتجاه نحو طرح مناقصات استثنائية لسد العجز في مخزون السلع الغذائية مسلك إضطراري لجأت إليه الحكومة امام ارتفاع اسعار السلع الإستراتيجية لتوفير مخزون يكفي لما بين 4-5 أشهر، مشيرًا إلي أن هناك تقصير من جانب الحكومة في فرض الرقابة علي الأسواق والتنبؤ بحدوث الأزمات بدلا من تعليق أسباب فشلها علي شماعة الإحتكار وجشع التجار.
ومن جانبه، أكد الدكتور شريف الدمرداش، خبير إقتصادي، علي أن اي سلعة لها سعرين في السوق تعطي الضوء الأخضر امام السوق السوداء، ويفتح المجال أمام الممارسات التلاعبيه، بمعني أن السكر الحكومة طرحته في المنافذ بخمس جنيهات، فلجأ التجار إلي تهريب السكر من المجمعات الإستهلاكية وإعادة تعبئته في عبوات بأسماء وهمية ليباع بما يتجاوز الـ 10 جنيهات، لتحقيق ربح سريع.
وشدد الدمرداش، في تصريحات خاصة، علي ضرورة إحكام الرقابة استنادًا علي معايير دقيقه في تنفيذ الضوابط والقوانين، وتوقيع أقصي العقوبات علي الموظفين الفاسدين إلي حد إعدامهم حتي يكونوا عبرة لغيرهم، لاسيما وأن الغذاء قضية أمن قومي بالنسبة لأي دولة.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com