بقلم: سوسن إبراهيم عبدالسيد
رن هاتفي المحمول، وظل يرن فترة طويلة، وكان بجانبي ولم أرد. فهتفت ابنتي: ما بترديش ليه يا ماما؟ ديي طنت فلانة عايزة تعيد عليكي".
فكانت إجابتي: نعم أعرف، ولكنني لا أستقبل معايدات ولا تهنئة من أحد.. فاستغربت ابنتي جدًا، ودخلنا في حوار طويل:
ابنتي: ليه كده يا ماما، وهي ذنبها إيه؟
أنا: مالهاش ذنب، بس أنا حزينة، وحزني يمنعني من سماع جملة كل سنة وإنتي طيبة.
ابنتي: يا سلام، وتحزني ليه؟ اللي ماتوا دول شهدا، واحنا لازم نفرح لهم.
أنا: وأهاليهم؟ والحرقة اللي في قلوبهم للحظة الغدر التي جعلتهم يفقدون أعز من لهم؟
ابنتي: برضو يا ماما لازم نفرح بالعيد.. ده عيد ميلاد يسوع.. يعني تحبي حد يحضر عيد ميلادك وهو لابس أسود؟ ولا تحبي يسوع يشوفك وإنتي حزينة يوم ميلاده؟
مناقشة طويلة جدًا، انتهت بعدم اقتناع ابنتي بموقفي، كما فشلت هي أيضًا في إقناعي بمنطقها. ووصلنا في نهاية الأمر إلى أنه كما إنني لا أتدخل في تصرفاتها الشخصية، فليس عليها غير أن تحترم رغبتي أنا أيضًا، ولا تتدخل في تصرفاتي..
حقيقة أنا حزينة جدًا، وأعلن حالة الحداد، وهذه أسبابي:
1- تذكرت منذ سنوات حينما قام أحد الأشخاص بنشر الرسوم المسيئة للرسول، وكيف كانت الثورة العارمة التي اجتاحت العالم الإسلامي بأسره من جراء ذلك.. ورغم تعاطف مسيحيو الشرق بحكم التعايش بيننا وأواصر المحبة التي تربطنا ببعض منذ سنوات طويلة، واستنكارهم لهذا العته، إلا أن البعض صب جام غضبه، حتى أنه في الشارع الذي أقطن به، عُلقت يافطات مندِّدة بالحدث، ومدوَّن بها "اجعل كيدهم في نحورهم "، و"فداك أبي وأمي يا رسول الله". وبرغم أن شارعنا لا يقطن به دانماركيون, أو حتى لو صادف و مر سائح أجنبي منه لن يفهم تلك اللافتات، إلا أنني التمست لهم العذر..
2- لا أستطيع أن أتقبَّل تهاني في مجتمع أغلب من فيه بثت لديه فتاوي بعدم تهنئتي ومشاركتي أعيادي، ونعت كتابي المقدس بـ"المكدَّس"، ولم يُحاسب على ازدرائه لديانتي..
3- نبَّهت مرارًا وتكرارًا لما يبثه العلام العربي من تحريضات تفرِّق ولا تجمع، ومع ذلك أجد أنه إلى يومنا هذا، لايزال الكاتب "المفجِّر" يستهجن تعاطف أخوتي المسلمين حينما عرضوا بمحبة أن يكونوا دروعًا بشرية تحمي المصليين المسيحيين أثناء أداءهم لصلوات ليلة عيد الميلاد، وخرج عليهم بتصريح أن حماية المسيحيين هي عمل أمني، ولا يجب تواجدهم مع النصاري.
4- إنسانيًا.. لا أستطيع أن أفرح وبيوت كثيرة لفها السواد بسبب فقدها لعزيز لديهم.. ورجعت بموروثاتي لأتذكَّر أن من توفَّى لديه عزيز فلا مظاهر للأعياد في ذلك البيت لمدة عام على الأقل.
5- المسيح وُلد منذ ألفي عام وأكثر، ونحن فرحين بمجيئه مذاك.. ولكن إلهي لا يحده زمان ولا مكان.. هو يشعر بآلامنا وأحزاننا، وهو الذي أوصانا في الكتاب المقدس أن نفرح مع الفرحين ونبكي مع الباكين.
6- لا أستطيع أن أتقبَّل تهاني وأنا أعيش مع بعض الأشخاص الذين يفسرون إنجيلي ومصطلحاتي المسيحية على هواهم.. فمثلاً- البعض وليس الكل- يعتبرون آية "ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا" هي تصريح بالقتال، ولا يعلمون أن المقصود بالسيف هنا هو سيف الكلمة. كما يفسِّرون كلمة "الاستشهاد" بنفس المعنى. وبنفس المنطق المغلوط، يفسر كلمة "ذخيرة"، والتي تعبِّر عن أجساد الشهداء أو الإناء الذي يحوى التناول بالأسلحة والذخيرة المستخدمة في الحروب!!
وحينما نصرِّح أننا نحتفل، بل ومن المفروض أن نبتهج بما حدث، فإننا بذلك نعطيهم تصريحًا بالقتل.. لا يا أحبائي.. الحياة غالية جدًا، ولو لم تكن كذلك لما وهبها لنا الله..
هل أنا مخطئة؟.. أليس من حقي أن أحزن؟؟ لا أريد تهاني.. فقط أريد أن تحترموا مشاعري وأحزاني..
وبهذه المناسبة، أشكر كل آبائي الأساقفة الذين رفضوا تقبُّل التهاني والمعايدات، وبعثوا برسائل رسمية تنم عن ذلك، وأعلنوا أنهم فقط سيستقبلون العزاء؛ لأنهم في حالة حداد... آبائي أشكركم، وأرجو أن تصلوا من أجلي.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com