ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

عصر ميلاد المسيح.. عصر دم ودموع.. عصر قسوة ووحشية

ميرفت عياد | 2011-01-09 00:00:00

كتبت: ميرفت عياد
انتصرت المسيحية في بداياتها، وعلى الرغم من صدور قانون روماني يحرم هذه الديانة في كافة أنحاء الإمبراطورية، إلا أن المسيحية تغلغلت إلى الوجود، وجذبت الناس بالآلاف، واستطاعت أن تصارع جميع القوى الشريرة؛ فتضاءلت أمامها "أثينا" بفكرها العملاق، وتصاغرت "رومية" عاصمة الإمبراطورية الرومانية الجامحة. واستطاعت المسيحية أن تصمد لمدة ثلاثة قرون في مقاومتها المستمرة مع التعصب اليهودي والفلسفة اليونانية وقوة السياسة الرومانية. واُختبرت الفضائل المسيحية في بوتقة الآلام والضيقات والاضطهاد،  وصمدت بالرغم من سفك دماء الشهداء عبر كل العصور.

تمتاز المسيحية بتجديد الفكر والقلب ليحيوا حياة القداسة والطهارة والسلام. فالسيد المسيح جاء إلى الناس ليشفي أمراضها، ويضمد جراحاتها، ويقوى ضعفات البشر، ويشفي أمراضهم، ويقوي ضعفاتهم، ويحرِّر عبيدهم، ويحيي موتاهم. السيد المسيح أسس كنيسته العجيبة الكائنة من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها متسامية فوق الحواجز الطبيعية والسياسية والبشرية، تلك الكنيسة التي عمَّرت حتى الآن أكثر من ألفي عام دون أن تشيخ بل يتجدد شبابها، لا تستند على ذراع بشري يحميها ويزود عنها، بل إلى ذراع مؤسسها وراعيها الذي وعد أن "أبواب الجحيم لن تقوى عليها"..

فتُرى، ما هي سمات العصر الذى وُلد فيه السيد المسيح؟ هذا ما سنعرفه خلال السطور التالية:

طريق الألم والاضطهاد
" لم يكن العصر الذي وُلد فيه المسيح عصرًا ذهبيًا.. بل عصر دم ودموع.. عصر قسوة ووحشية".. هكذا قال "جورج سارتن" في وصفه للعصر الروماني والإمبراطورية الرومانية التي كانت في قمة عزها ومجدها، حيث كان الرومان في قمة الشجاعة والعظمة والقوة التي يقبع تحتها كم كبير من الفساد والرذائل والموبيقات، إلى الدرجة التي جعلت "ديورانت" يعلِّق على الحالة الأخلاقية المتدهورة حتى في قلب أماكن العبادة نفسها، قائلاً: "إن الفضيلة كانت تتنحى جانبا عن مكانها من خلال أبواب الهياكل نفسها". كما أن الرومان كانوا يعتقدون أن المسيحية هي عدو أمنهم ورفاهيتهم وحياتهم وكل شئ متعلق بآلهتهم المتعددة،؛ ولذلك وضع "شيشرون"- خطيب الرومان المشهور- قانونًا يمنع عبادة الآلهة الغريبة، فكان من يريد أن يعتنق المسيحية يعبر طريق الألم والاضطهاد؛ لأن الشعب الروماني بأفكاره عن تعدُّد الآلهة، كرهوا من يؤمنون بإله واحد، واعتبرهم ملحدين وأعداءًا للآلهة.

"هيرودس" الملك وأطفال "بيت لحم"

وُلد السيد المسيح في أيام "هيرودس" الملك الذي استطاع الحصول على الحكم بمعونة الرومان، وتزوَّج كثيرًا وأنجب أبناءًا كثيرين أيضًا، كما كان قصره مسرحًا للمؤامرات والفتن والتنافس بين ورثة العرش. ولأنه كان حاكمًا قاسي القلب، يسعى دائمًا وراء مصالحه ولا يهتم برفع الظلم عن رعيته، فلم يمر يوم واحد خلال حكمه الذى استمر (36) عامًا دون أن يحكم على إنسان برئ بالإعدام حتى لو كان من أفراد أسرته. فهو بحق وحش كاسر مفترس، إنقضَّ على أطفال "بيت لحم" الأبرياء وقتلهم؛ خوفًا على عرشه. وقد لازمه المرض وأدَّى إلى وفاته في آخر أيامه.

مملكة أرضية أم سمائية؟
وعاصرت مولد السيد المسيح حتى قيامته من الأموات، شخصية أخرى هي " فيلون السكندري" الذي يُعد أكبر ممثل للفكر اليهودي المثقف باليونانية، وترك العديد من المؤلفات التي تعبِّر بصدق عن الحالة الفكرية والأدبية والدينية لليهود في ذلك العصر، وتوضِّح أن اليهود كانوا خاضعين سياسيًا للرومان والوثنيين وهذا قادهم الى التفكير فى المسيا المخلص ولكن بمفهوم سياسى بحت ليعيد لهم مملكة داود الارضية ومن هنا يتضح ان تفكيرهم كان متعلق بالزمانيات والماديات، ولذا تصدوا للمسيحية التي نادت بالمملكة السمائية عن طريق الوشاية والمؤامرات لدى السلطات، إلى جانب تدبير المؤامرات لصلب السيد المسيح.

المسيا المنتظر
لم يستطع اليهود أن يصدِّقوا أن الشخص الذى انتهت حياته على الصليب يمكن أن يكون هو الشخص المختار من الله أو هو المسيا المنتظر، حيث كان الصليب يبطل أي برهان بأن السيد المسيح هو ابن الله، رغم وجود سفر أشعياء في العهد القديم، والذي يُظهر صورة المسيح المتألم، إلا أنها مازالت بعيدة عن أعينهم وعن تصوراتهم وأحلامهم. كما أنهم كانوا يبحثون عن العلامات والأدلة التي تبرهن على القوة والجبروت، فكانوا يندفعون وراء كل من يزعم القدرة الخارجية على إتيان الحوادث الغريبة التي تصيب الناس بالرعب والذعر، وهو ما يوضح أن الصليب كان هو العقبة الأولى في سبيل ايمان اليهود بالسيد المسيح. أما بالنسبة لليونانين، فكانت فكرة الإله المتألم تحمل تناقضًا مع الصفات الإلهية التي يؤمنون بها، وهي أن الإلهة تعيش بعيدًا عن البشر، لا تدرك أفراحهم أو أحزانهم، وبالتالي غير قادرة على الإحساس بأي شعور، سواء بالفرح أو الألم.

فرصة النجاح أمام المسيحية

مما سبق يتضح أن فرصة النجاح أمام رسالة السيد المسيح كانت ضئيلة للغاية؛ حيث كانت "روما" في حاجة إلى رجل يساعدها على نشأة شعب حربي يُحكم السيطرة على العالم بالقوة، لا شعب سلام ومحبة. كما أن اليهود أرادوا زعيمًا سياسيًا يساعدهم على التخلص من نير الرومان. أما اليونانيين فأرادوا دينًا يتفق مع تيارهم الفكري والفلسفي.. وبرغم ضآلة تلك الفرصة، إلا أن "بولس الرسول" يقول عنها: إن ما يبدو أنه جهالة الله إنما هو أحكم من حكمة الناس، وما يبدو أنه ضعف الله، إنما هو أقوى من قوة الناس.

المراجع :
كتاب العصر الذي وُلد فيه المسيح
كتاب تاريخ الكنيسة
كتاب لماذا أنا مسيحي

 

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com