بقلم : يوسف سيدهم
قبل أن نحتفل بالذكري السنوية الأولي لجريمة نجع حمادي عاجلنا الإرهاب بضربة ثانية أشد بشاعة وضراوة عشية رأس السنة...جريمة نجع حمادي التي وقعت عشية عيد الميلاد في 6ينايرمن العام الماضي أودت بحياة سبعة من الأبرياء خارج الكنيسة بعد انتهاء الأقباط من صلوات استقبال عيد الميلاد, ثم بعد عام لم يخل من الأحداث الطائفية المؤسفة تجئ جريمة الإسكندرية لتعصف بالأبرياء الخارجين من الكنيسة بعد انتهائهم من صلوات استقبال العام الجديد
فتودي بحياة21شخصا وتترك نحو مائة جريح ومصاب.
جريمة إرهابية بشعة روعت مصر كلها وهزت الضمير الوطني من الأعماق, فمشاهد الضحايا الأبرياء المتناثرة أشلاؤهم والمختلطة دماؤهم مع دماء المصابين المبعثرين علي قارعة الطريق تجسد هول المأساة وتصرخ:ماذنب هؤلاء؟...ماذا فعلوا ليحيق بهم هذا المصير؟...لماذا الكنيسة مستهدفة دوما ومن ذهبوا للصلاة فيها مستباحة أرواحهم؟...أسئلة كثيرة تتردد في كل حادث إرهابي. هي ليست أسئلة موجهة للإرهابيين الواقفين وراء الجريمة إنما موجهة للدولة راعية المصريين والمسئولة عن حمايتهم وأمنهم واستقرارهم.
سرعان ما نصب سرادق العزاء, حتي أسرع من وصول المسئولين إلي مسرح الجريمة, وتباري الجميع في زخرف الكلام سابق التجهيز والمعد خصيصا لمثل هذه المناسبات...الجريمة مدبرة بفعل جهة خارجية تبغي ضرب مصر ووحدتها الوطنية....إنها مؤمراة دنيئة من قوي الإرهاب العالمي للوقيعة بين أقباط مصر ومسلميها...يجب أن يتكاتف المصريون ليضيعوا الفرصة علي هذا المخطط الخسيس...العملية تحمل دلائل تورط أصابع خارجية, وقوي الإرهاب لن تنال من وحدة المسلمين والمسيحيين...مناشدة المصريين التمسك بوحدتهم في مواجهة أعداء الوطن.
كما تضمن سرادق العزاء أمورا غير مسبوقة لم يعتدها الأقباط وطالما تساءلوا في محنتهم عنها. فعلي غير المألوف قام الرئيس مبارك بتوجيه كلمة إلي الأمة أعرب فيها عن حزنه الشديد إزاء الجريمة النكراء وتوعد بملاحقة المتورطين فيها وتعقب المخططين لها الذين وصفهم بالأصابع الخارجية التي تريد أن تجعل من مصر ساحة لشرور الإرهاب, وأكد الرئيس مبارك علي أن أمن مصر القومي مسئوليته الأولي لايفرط فيه أبدا ولا يسمح بالاستخفاف بأرواح شعبنا ومقدراته.
وعلي غير المألوف أيضا تضمن سرادق العزاء قرار وزير التضامن الاجتماعي صرف إعانات مالية بلغت 25 ألف جنيه لأسرة كل متوفي و7 آلاف جنيه لكل مصاب...كما لم يخل الأمر من التحليل الأمني للجريمة حيث صرح مصدر أمني مسئول أن التفجير لم يأت من سيارة مفخخة إنما من عبوة حملها شخص انتحاري لقي مصرعه ضمن الضحايا.. والعبوة تحتوي مواد محلية الصنع لكنها في الوقت نفسه تشير بوضوح إلي أن عناصر خارجية قامت بالتخطيط ومتابعة التنفيذ حيث إن ظروف ارتكاب الحادث تتعارض مع القيم السائدة في المجتمع المصري!!!
هذا ما يخص سرادق العزاء, والحقيقة أنني لم أستطع أن أجد في كل ذلك مايتجاوز دور سرادق العزاء حيث فشلت في أن أجد فيه مواجهة جادة شجاعة مع الواقع المختل الذي يعيشه الأقباط والذي تطفو ملامحه علي السطح وتتحدث عنه تقارير المجلس القومي لحقوق الإنسان وغيره من المنظات الحقوقية وأقلام الكثير من المفكرين الشرفاء كلما انفجرت أزمة من التي يطلق عليهاطائفية أو انفجرت قنبلة من التي يطلق عليهإرهابية...واعتقدت أنني وحدي الذي أتحرك خارج السياق والذي أسئ إلي إجماع سرادق العزاء, لكني خلال متابعتي تداعيات الجريمة والأحداث التي تبعتها اكتشفت أنني لست وحدي وأن الغضب القبطي إزاء ما حدث انفجر بدرجة مدوية تفوق انفجار العبوة الناسفة الإرهابية, وبرزت وسط هذا الغضب أصوات احتجاج إخوتنا المسلمين من جميع المستويات الشعبية والثقافية والاجتماعية والفكرية تندد بالإصرار الرسمي علي تزييف الواقع وترديد الكلام الزخرفي النمطي الذي يتجاهل مواطن الخلل, وتطالب بإصلاح البيت من الداخل ومواجهة الانفلات والتطرف والأصولية بالحسم والردع الواجبين لأن عدم تنفيذ ذلك هو المسئول عن بقاء مناخ الاحتقان والتحريض والتعبئة الذي ينبت العناصر المريضة التي تعبث بأمن هذا الوطن ويقدم من خلال تلك العناصر المادة المهيئة لتجنيدها بواسطة الإرهاب الخارجي.
ولا يمكنني أن أغض النظر عن مؤشرات خطيرة غير مسبوقة تدل علي المدي الهائل الذي بلغه غضب الأقباط بعد حادث الإسكندرية وكيف أنهم لايعفون المسئولين في الدولة المصرية من مسئوليتهم عن تردي أوضاعهم والإبقاء علي التمييز التشريعي ضدهم والتقاعس عن إعمال القانون وتطبيق العدالة وإنزال القصاص بالمعتدين عليهم....هذه المؤشرات لايمكن أن تكون فاتت علي المسئولين أو غاب عنهم رصدها, ولا يمكن أن تكون مرت علي إعلامنا الرسمي القومي دون ملاحظتها, لكني أسجلها لأن مدلولاتها مقلقة جدا وتجاهلها يعد خطأ جسيما ونحن نبحث عن روشتة العلاج خارج سرادق العزاء, ومن أمثلة هذه المؤشرات الآتي:
** أثناء مراسم تشييع جنازة ضحايا الحادث الإرهابي في كنيسة دير مارمينا بمريوط غربي الإسكندرية وبحضور الدكتور مفيد شهاب مندوبا عن رئيس الجمهورية, وكل من اللواء عادل لبيب محافظ الإسكندرية وعبد السلام المحجوب نائب الشعب ووزير التنمية المحلية, علاوة علي حشد من المسئولين من سائر مستويات السلطة وأجهزة الدولة, ما إن بدأ نيافة الأنبا يوأنس سكرتير قداسة البابا يلقي كلمته واستهلها بشكر الرئيس حسني مبارك, حتي انفجرت جموع الأقباط رافضين ذلك وصارخين: لا...لا...لا....واستمر هذا المشهد لدقائق قبل أن تتم السيطرة عليهم.
**انفجرت مرة أخري هتافات الأقباط المحتجة علي محافظ الإسكندرية والمطالبة بتغييره بينما هتفوا مؤيدين للوزير عبد السلام المحجوب, وفي ذلك مدلول ملفت لما وصلت إليه الأوضاع بين الأقباط ومحافظ الإسكندرية من ترد, واشتياقهم لعودة عهد عبد السلام المحجوب. وفي ذلك إشارة لا يمكن تجاهلها إلي أن الإسكندرية التي تندر البعض في سرادق العزاء بأنها تمثل نموذجا لتعدد الجنسيات والثقافات والأديان(!!) باتت نموذجا صارخا للتطرف والأصولية والتعصب والعنف في ظل سكوت أجهزة الدولة وتراخيها عن مواجهة ذلك بالصرامة والحسم والواجبين...وليس أدل علي صحة هذا الكلام من الانفلات والعنف والخروج علي الشرعية التي شهدتها المدينة إبان الانتخابات...إنه مارد مدمر مسكوت عنه يمثل إرهابا مرعبا أصبح من سمات الإسكندرية في السنوات الأخيرة.. وترك ليستفحل ويعيث فسادا.
هذه وقفة تأملية لحادث الإسكندرية الإرهابي ولسرادق العزاء الذي تبعه...لكن تتبقي أمامنا روشتة العلاج...إذا كنا مازلنا نهتم بالعلاج.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com