بقلم: ميرفت عياد
قرأت ذات يوم، أحد الحكايات الشعبية التي تتحدَّث عن عنكبوت ماهر في بناء الكباري وإقامة السدود وعمل العديد من الاشياء، ظن في ذات يوم أنه يمتلك الكثير من الحكمة التي يجب ألا يقاسمه أحد فيها؛ فقرَّر أن يجوب الأرض عرضها وطولها ليجمع كل ما يصادفه من حكمة، حتى لو كانت ضئيلة.. ليقوم بتخزينها في وعاء فخاري كبير.. وإخفاء هذا الوعاء الكبير المتكدِّس بالحكمة عن أعين الناس.
وبالفعل، قرَّر أن يضع هذا الوعاء فوق أحد الأشجار العالية؛ حتى لا يستطيع الناس الحصول على الحكمة التي جمعها. وبدأ العنكبوت في ضم الوعاء إلى صدره.. ولكن هذا إعاقه عن الإمساك بالشجرة ليتسلقها! وهنا تزامن مرور ابنه الذي قدَّم له النصيحة، بأن يحمل الإناء فوق ظهره؛ ليستطيع أن يمسك الشجرة بيديه.. وبالفعل، قام العنكبوت بتنفيذ نصيحة ابنه.. ولكن من شدة غضبه، سقط الإناء من فوق يده؛ فوقع على الأرض وتحطم، وتناثرت الحكمة في كافة أرجاء الأرض، وانتشرت بين الناس كل منهم على حسب قدرته على الحصول منها..
المتأمل لهذه القصة الخرافية، يرى أن العنكبوت بسلامته يحمل جميع الحكمة الموجودة على وجه الأرض.. ولكنه لا يستطيع أن يجد الحكمة التي تساعده على تسلُّق الشجرة بطريقة سهلة! فهناك الكثيرين الذين يظنون إنهم يمتلكون الحكمة والمعرفة، وهم لا يستطيعون أن يتدبَّروا أتفه الأشياء، وعندما تقدِّم لهم النصيحة؛ تظهر أمام أعينهم حقيقة غباءهم وعجزهم عن التفكير؛ فينفث دخان من أذنيهم من شدة الغضب، ويفقدون حتى القدر القليل من الحكمة في التعامل مع الناس.. فيعلنون عداءهم وحنقهم عليهم ورفضهم لهم؛ لأنهم ببساطة أشعروهم بأنهم لا مؤاخذة "أغبياء".. وهذا ما حدث مع العنكبوت، لدرجة أن غضبه جعله يُسقط الإناء الذي تعب في جمع الحكمة بداخله، كما أنه ليس من الحكمة أبدًا أن يجمع مثل هذه الشئ الثمين في إناء قابل للكسر بسهولة.. فحقًا من يظنون أنهم يمتلكون كل الحكمة والمعرفة، وأنهم بمفردهم أصحاب الحقائق المطلقة، ما هم إلا آنية قابلة للكسر دون القدرة حتى على الالتئام..
وبما أننا نتحدث عن الحكمة، فإنني أريد أن أتساءل: أين الحكمة في قتل أبرياء يتعبدون إلى ربهم في يوم العيد دون أي ذنب اقترفوه؟! ما الحكمة في إزهاق أرواح بشرية حرَّم الله قتلها؟! ما الحكمة في إعلان العداء على شعوب تستخدم منجزاتهم الحضارية؟!! من قال لكم: إن في الوجود حقيقة مطلقة أنتم تمتلكونها؟ ألم تتعلمون أن كل شئ نسبي في تلك الحياة، وهذه النسبية هي التي تجعل الله الوحيد القادر على محاسبة الناس؟ من نصَّبكم حكامًا على أرواح الناس، تطلقون عليها يدكم الآثمة التي تقطر ليل نهار بدماء الغدر؟! وأي شرف تعلنوه على الملأ من قتل الناس في ظهورهم؟! فالحرب الشريفة لا تبيح قتل إنسان في ظهره بمنتهى الخسة والغدر، مثلما حدث في العام الماضي في "نجع حمادي"!! فإذا كنتم مطمئنين لأن العدالة والحكمة غابت عن الأرض؛ فمن شدة الغباء أن تفقدوا حتى إدراككم بحكمة الله وعدله الذي يفوق كل تصوُّر..
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com