بقلم : محمود الزهيري
أهتزت جوانب النفس , وتلعثمت الشفاه , وخفق القلب , وتاه العقل , واهتز الوجدان , وارتعشت الأنامل , وطفق الطغيان وسدنته , يخصف علي عورات المجتمع بأوراق البردي العتيقة المجلوبة من حواشي الماضي المصري التليد , ليمحو مادون بها , ويكتب الطغيان قصائده بدماء الأقباط في أعيادهم , التي هي أعياد المصرين جميعاً.
شاهدت الجثث والأشلاء البشرية الممزعة مرات عديدة قبل الوفاة , بإرادة كافرة بالديمقراطية والحريات , ولاعنة لمن ينادي بتداول الحكم والسلطة , رأيتها في طوابير الخبز والغاز , وزحام المواصلات , وضآلة الأجور والمرتبات , وغلاء الأسعار المصنوع بفسادات أيادي مجرمي النظام , وضيق السكني , ومضايقات المتأسلمين الضائعين في دروب الفساد والطغيان , وشاهدت الجثث هذه المرة , ولكنها ليست كأي مرة سابقة , لأنها جثث وأشلاء ممزعة لشهداء , بإرادة كافرة بالإنسان !!
أسباب هذه المجزرة البشرية لايمكن الإبتعاد بها عن إرادة النظام الإستبدادي الحاكم ومنظومته الإجرامية المستعينة بأدوات دينية من الجانب الإسلامي الرسمي , والجماعات الدينية , وكذا من الجانب المسيحي الرسمي المتحالف مع هذا النظام رغباً ورهباً !!
بمعني آخر : الإستبداد السياسي يستعين بأجنحة دينية وسياسية فاشية تعمل علي بقاء منظومة الإستبداد , ولذلك فإن أعداء غالبية التيارات الدينية , والفاشيات السياسية هم أعداء بجدارة للديمقراطيات والحريات , لأنها تنتج في الغالب الأرجح الحقوق المدنية التي تجعل المجتمع متحللاً من وساخات الوصايات السياسية , وقاذورات الوصايات الدينية المقيتة .
وكل هذه الوصايات تؤدي إلي إضعاف المجتمع وتهميش دفاعاته المدنية في مواجهة الفاشيات السياسية والدينية , والملاحظ أن المجتمع المصري صار في حالة متردية من الضعف الإنساني الوجودي حتي في الحصول علي أبسط الحاجيات الإنسانية التي تؤمن وجوده في المجتمع بعزة وكرامة إنسانية , حيث البنية الإجتماعية أصبحت مهترءة من شدة الضعف .
المجتمع القوي نتاج دولة قوية , والمجتمع الضعيف نتاج نظام قوي , والفارق واضح بين مفهوم الدولة , ومفهوم النظام .. الدولة تعمل من خلال مؤسسات خادمة للمجتمع , والنظام يعمل من خلال مجتمع ومؤسسات خادمة للنظام الحاكم فقط , وهذا لاتراه إلا في الأنظمة الديكتاتورية الشمولية التي يتحكم فيها الحاكم الفرد في مصائر الجميع من خلال منظومة الطغيان والإستبداد .
وتتكلف هذه المنظومة هبات وعطايا وحوافز داخل إطار المنظومة الإستبدادية عبر الرواتب والمهايا والحوافز والبدلات , وكذا خارج هذه المنظومة عبر الوسائط الدينية الموظفة كخادم مطيع , من الجماعات الدينية علي كافة توجهاتها الدعوية السلفية , أو الجهادية حسب المفاهيم الدينية , وكذا عبر القبائل والعشائر الخارجة عن منظومة الدولة , والبعيدة عن الإحصائيات الرسمية , لتكون أذرع معاونة لنظام الطغيان الإستبدادي الذي يعمل ضد المجتمع .
وهذا وحده لايكفي لنظام الإستبداد , لأن الأمر يحتاج إلي قوة عسكرية مسلحة تكون بمكنتها السيطرة علي المجتمع , وتحويله إلي مايشبه مجتمع القبيلة والعشيرة ليدين بالولاء رغباً أو رهباً للنظام الحاكم , ويتوقف إستمرار منظومة الإستبداد علي هذه القوة العسكرية المسلحة بأعداد تضمن السيطرة علي المجتمع , وتهميشه !!
كل هذه الأمور أمور ضاغطة علي أعصاب المجتمع الضعيف , والذي أصبحت أعصابه متوترة وذهنيته مشتتة بين أروقة المطالب الإجتماعية المزدحمة بالمطالب الأولية الحياتية والتي تشمل السكن , والطعام والشراب وفواتير العلاج والأمراض , علي أبسط التقديرات , ومن ثم أصبح أكل العيش هو الهم الوحيد لهذا المجتمع الضعيف , وهذا أصبح صعب المنال !!
الذي يدلل علي ماسبق في الشق الأخير الخاص بالجانب العسكري أن النظام المصري يوظف في الدولة المصرية مايقترب من ستة ملايين موظف رسمي , بجانب مليون موظف خارجين عن هذا العدد , ويختص بهم قطاع الأعمال الخاص , بمعني أن عدد 6 مليون موظف يوجد من ضمنهم مليون وسبعمائة ألف موظف لدي قوات الأمن فقط , بتكلفة ميزانية قدرها 190 مليار جنيه مصري , فمعني ذلك أن كل مجموعة من المواطنين لايتعدي عددهم أصابع اليدين , يراقبهم فرد أمن , ويحصي عليهم تحركاتهم وسكناتهم وصحوهم ومنامهم !!
أليس هذا يضعف المجتمع , ويقوي النظام الحاكم !!
الأقباط من نفس هذا المجتمع , ويمثلوا فصيل هام وحيوي في المجتمع المصري , ومعهم باقي الأقليات الدينية الممتزجة في المجتمع المصري , والتي يندر معها أن تظهر هويتها الدينية في أي شأن من الشئون العامة أو الدينية , لدرجة يصعب معها التفرقة بين مسيحي ومسلم سواء في الزي أو الشكل أو طريقة التعامل اليومية .
لكن تظهر المضايقات من بعض المرضي النفسيين , والجهلة والأغبياء من أنصاف الآدميين , كما يعلو معدل البغضاء والكراهية لدرجة تصل إلي الرفض التام من غالبية أعضاء الجماعات الدينية , الدعوية منها والقتالية , مع أنه لافارق بينهما سوي في الدرجة , إلا أن الألوان تتفاوت ..
الأزمة الكبري تجدها في أركان الدولة ومؤسساتها العامة , وخاصة المؤسسات الدينية , فهي تعمل علي مدار الساعة للتحريض علي الكراهية وإظهار البغضاء للأقباط , وهذا واضح من خطباء المنابر في أيام الجمع والمناسبات الدينية , ومن المناهج الدينية , وكذلك تراخيص بناء المساجد والزويا الممنوحة بلا أي ضمانات , وتعقيد بناء أو ترميم أي كنيسة أو دار عبادة دينية !!
النظام الإستبدادي الطغياني , يستمد قوته من إستخدامه للأقليات الدينية درع حماية له كضمانة لإستمراره وبقاؤه في الحكم والسلطة الإستبدادية , المعتصمة علي الدوام بمقولة حماية الأقليات الدينية من الإرهابيين والتطرف الديني , في حين أن الإرهاب والتطرف هما صنيعة الأنظمة الإستبدادية التي يتم توظيفهما لمصلحة الإستبداد .
أنظمة الإستبداد تجعل من الأقليات الدينية علي الدوام جسد ضعيف منهك لايقوي علي القيام بواجباته الإجتماعية المعطلة بإرادة النظام الطغياني , ومن ثم إبتعاد الأقليات الدينية عن ممارسة حقوقها السياسية , وتستمر العزلة الإجتماعية بتوابعها السياسية لترتكن الأقليات الدينية إلي دور العبادة الدينية , وتبدأ الوصايات الدينية مغموسة بوصايات سياسية واقعة علي رأس المؤسسة الدينية , التي أصبحت الملاذ الوحيد للأقليات , ولكن داخل المؤسسة فقط , ومن هنا كان إستخدام روؤس المؤسسات الدينية درع أعلي لحماية الطغيان والإبقاء عليه , وهذا يتم بمباركة المؤسسات الدينية للإستبداد ممثلاً في شخص الحاكم الذي صار أمام الجميع وكأنه إله يصدرأوامره وكأنها وحي من السماء للجميع , ومن يرفض هذه الأوامر يصير في عداد الكافرين بالحاكم الإله/ الصنم , أو الإله الصنم / الحاكم ..
هذا يستمر مع كافة رموز المؤسسات الدينية الرسمية , المسيحية منها , والإسلامية , إلا أن الأخيرة تدين بديانة الحاكم .. وهذا هو الفارق .. !!
ليستمر نظام الطغيان والإستبداد في مسيرة فساده , يستخدم العناصر والرموز الدينية في إدارة الفتن الطائفية , والصراع من أجل الله , ومن أجل الجنة المؤجلة للآخرة حسب المعتقدات الدينية , ويتم إستثمار هذا الصراع الآخروي لضياع الحقوق الدنيوية , وكأن الحاكم الطاغية المستبد , قد تحول من دوره الوظيفي لصيانة وحفاظ وتوزيع الثروات , بميزان الدستور والقانون , حسب النظرية البسيطة المتعلقة بتوزيع الحقوق والواجبات , ليقوم بدلاً من هذا الدور بدور وظيفي آخر هو العناية بالإيمان الديني الذي يؤهل المجتمع للدخول في إستثمار مضمون أخروي , متمثلاً في جنة الآخرة , هروباً من تبعات جنة الدنيا , والتي تعني البحث عن الوسائل والأساليب السياسية لتحقيق مجتمع الرفاهة والعدالة الإجتماعية , بمنظومة تحافظ علي الإنسان , مجرداً من أي عنصر إلاعنصر المواطنة وفقط !!
وهذا الدور الوظيفي للحاكم الطاغية , يستميل رجال وفقهاء الدين أياً كان هذا الدين ..
وهذه جملة أسباب تجعل المجتمع ضعيفاً والنظام الحاكم قوياً , ولكن الذي يظل ضعيفاً ومستهدفاً من الطغيان والإستبداد , كافة الأقليات الدينية , ولذلك فإن المستفيد الوحيد حصرياً من جريمة مجزرة كنيسة القديسين بالأسكندرية ليلة عيد الميلاد , هو النظام المصري حصرياً , وبلا منازع , والخاسر الوحيد بلامناع حصرياً هو المجتمع المصري بمسلميه , ومسيحييه وكافة الموجودين علي أرض مصر , والذي نأمل أن تغيب عنه المفردات اللغوية الضاغطة بتعبيراتها الدينية , لتقول هذا مسيحي , وهذا مسلم , وهذا بهائي , وهذا نوبي , او شيعي , أو حتي من عبدة الأصنام من أصحاب الديانات الوثنية الأرضية , ولكن هذا لايتم إلا بتغييب دورمثلث الإستبداد والطغيان والفساد , ذلك المثلث الحاكم في مصر بجدارة وامتياز غير مسبوق . وأي حديث يذهب بإلقاء اللائمة الإجرامية في حادث مجزرة كنيسة القديسين علي تنظيم القاعدة , والموساد , وأقباط المهجر , هو حديث هراء , وكذب , وهارب من المسؤلية , لأن المسؤلية واقعة علي عاتق النظام السياسي القوي , في مواجهة المجتمع الضعيف , وإلا ماذا يعني أن عدد أفراد الأجهزة الأمنية يزيد عن (1,7), مليون وسبعمائة ألف فرد , بميزانية تخص الأجهزة الأمنية تقدر بـ 190 مليار جنيه مصري سنوياً , وكل عام في إذدياد .. !!
البديل الوحيد هو تفعيل الحريات الإجتماعية , ومعها الحريات السياسية , لتنتج مجتمع يقوم علي أسس ومباديء الديمقراطية لإنتاج دولة المواطنة القائمة علي أساس الحق والواجب , وهذه هي المسؤلية الحقيقية بأبعدها الإنسانية السامية , وهذه مسؤلية تؤدي في النهاية إلي رحيل نظام قائم علي أضلاع ثالوث الإستبداد المنتج للطغيان المؤدي لصناعة كافة منتجات الفساد .
تصبحون علي وطن !!
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com