بقلم: جرجس بشرى
لا يمكن لمنصف أو عاقل أن ينكر تضامن الشعب المصري بكافة مكوناته مع أقباط "مصر" عقب وقوع الحادث المروِّع الذي استهدف كنيسة القديسين بـ"الإسكندرية"، والذي أسفر عن مقتل (23) مسيحيًا وإصابة العشرات منهم. ولا أحد يمكن أن ينسى إدانة الرئيس "مبارك" للحادث عقب وقوعه بسويعات، وتوعُّده بملاحقة الجناة، وتأكيده على أن الحادث ما هو إلا محاولة للوقيعة بين مسلمي "مصر" وأقباطها.
وأنا لا أنكر بالمرة تضامن الأزهر الشريف، ومجلسي الشعب والشورى، والأحزاب، والإعلام المصري الرسمي مع الأقباط في مصابهم الفادح، وإدانتهم للإرهاب، واعتبار أن الحادث كان يستهدف "مصر" ووحدتها الوطنية، وتأكيدهم على أن الحادث إرهابي وليس طائفي!! وهو ما يجعلنا بدورنا نسأل: هل حادث تفجيرات كنيسة القديسين بـ"الإسكندرية" طائفي أم إرهابي؟!
المحلِّل للأحداث خلال عام مضى على الأقل، يُدرك- وللوهلة الأولى- أن حادث "الإسكندرية" اللاإنساني كان حادثاً طائفيًا إرهابيًا، أو بمعنى أدق "حادث إرهاب طائفي" بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ حيث أنه موجَّه في الأساس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية وأتباعها، وموجَّه بصورة غير مباشرة لرمزها الديني وهو قداسة البابا "شنودة الثالث"، خاصة وأن هناك جهات سلفية "سعوديةــ مصرية " كانت قد شنَّت حملة قذرة العام الماضي تطالب بمحاكمة قداسة البابا "شنودة الثالث" عربيًا وإسلاميًا، كان يقودها مدير مركز "أحمد ديدات" للدعوة، وكان يتم تداولها على الانترنت والمواقع المتطرفة بطريقة فجة ومسيئة لرمز الكنيسة على مسمع ومرآى من الأمن المصري والسعودي. كما أنه، وعقب حادثة "كاميليا شحاتة"- زوجة كاهن دير مواس- رأينا مظاهرات عارمة يقودها متطرفون بـ"الإسكندرية" تحديدًا، وأمام مسجدا "النور" و"الفتح" بـ"القاهرة".. كان السلفيون فيها يرددون هتافات مثل: "ها نخليها دم"، و"اللهم مكننا من رقبة شنودة وبيشوي"!! كما دِِيست صورة قداسة البابا بالأقدام في هذه المظاهرات تحت سمع وبصر بعض قوات الأمن التي كانت تحيط بهذه المظاهرات عقب صلوات الجمع. بل ووصل الأمر أن قام المتظاهرون السلفيون بسب وشتم وتوعُّد الأقباط وقداسة البابا على أعتاب جامع "النور" بـ"العباسية" في سابقة خطيرة رصدتها معظم وسائل الإعلام. وكان مطلب السلفيون الذين تظاهروا أكثر من إثني عشر مرة بعد صلوات الجمع بـ"الإسكندرية" و"القاهرة" وبعض المحافظات، هو "إطلاق سراح السجينات المأسورات داخل الأديرة والكنائس"، في إشارة إلى "وفاء قسطنطين" و"كاميليا شحاته"، مع أن الأزهر وقياداته، والإعلام المصري ووزير الأوقاف، نفوا نفيًا قاطعًا إسلام زوجة كاهن "دير مواس"، كما أن "وفاء قسطنطين" اعترفت أمام جهات التحقيق أنها وُلدت مسيحية وستعيش وتموت مسيحية!!
ومن المرجَّح أن هذه الجماعات السلفية المتظاهرة ضد الكنيسة والبابا والأقباط، تتخذ من فكر القاعدة منهجًا لها، بدليل أن تنظيم دولة العراق الإسلامية الموالي لتنظيم القاعدة، عندما توعَّد، ولمرتين، باستهداف الكنائس والأقباط، كانت مطالبه هي نفس مطالب هذه الجماعات السلفية المتظاهرة! ومما يؤكِّد ذلك، أن الإتحاد المهدوي بـ"العراق" وتجمُّع العراق الجديد، ومنظمة صوت السلام العالمي بـ"أمريكا"، كانوا قد حذَّروا شهر سبتمبر الماضي من وقوع هجمات إرهابية وهابية تستهدف الكنائس والأقباط في "مصر"، وطالبوا وقتها الرئيس المصري "محمد حسني مبارك" والأجهزة الأمنية المصرية، باليقظة والحرص [اضغط هنا]
كما حذَّر الزعيم الشيعي المصري "محمد الدريني" منذ قرابة الشهرين، عبر صحيفة "الأقباط متحدون"، من وقوع عمليات إرهابية تستهدف الكنائس والأقباط [اضغط هنا]
حيث حذّر من وقوع جرائم إرهابية بـ"مصر" من قبل جماعات تنتمي لتنظيم القاعدة؛ مبررًا تحذيره بأن هذه الجماعات تعمل وفقًا لنظام لا مركزي في الدول التي تنشط فيها كـ"العراق" و"اليمن" و"مصر". مؤكدًا أن هذه الجماعات تعتمد في الأساس على التجنيد غير المباشر لمن يقومون بالعمليات الإرهابية، ومطالبًا وزارة الداخلية المصرية بأن تتخذ من هذه التهديدات مأخذ الجد؛ تحسبًا لوقوع عمليات إرهابية بـ"مصر".
ومن هنا، أكاد أجزم بأن وقوع مثل هذه الجرائم التي تستهدف الكنائس والأقباط، كان أمرًا متوقعًا ولازال. ومما يثير الدهشة في تظاهرات "الإسكندرية" ومسجدي "الفتح" و"النور"، وغيرها من التظاهرات التي قام بها السلفيون، أن الأمن لم يقم بالقبض عليهم أو اعتقالهم بتهمة إزدراء الأديان وتكدير السلم العام، والتحريض على قتل الأقباط ورمز الكنيسة- بقولهم "ها نخليها دم"!!!- بل صمتت على هذه الإساءات والتحريض ضد الكنيسة ورمزها، وهو ما يؤكِّد على ضرورة تنقية الجهاز الأمني المصري من بعض المتطرفين السلفيين.
إن مذبحة "الإسكندرية" جريمة إرهابية طائفية بكل المقاييس؛ حيث أنها أرهبت الأقباط في وطنهم وروَّعتهم، كما أنها استهدفت كنيسة في توقيت الاحتفال بعيد قبطي. ومن المرجَّح أن يكون من قام بها جماعة سلفية مصرية مسمَّمة عقولها، ومشحونة قلوبها بداء الكراهية والتكفير؛ استنادًا للفهم الخاطئ لبعض الآيات القرآنية. وقد رجَّح اللواء "علي سامح"- مساعد وزير الداخلية الأسبق، وأمين سر لجنة الشئون العربية والأمن القومي بمجلس الشورى- في حديث لبرنامج "وراء الأحداث" الأربعاء الماضي، أن من قاموا بهذه الفعلة هم جماعات تابعة لتنظيم القاعدة، خاصة بعد التهديدات التي أطلقتها باستهداف الكنائس والأقباط. وقال إنه لا يستبعد أن تكون هناك عناصر مصرية متورِّطة في الحادث.
إن هذا الحادث كشف عن الوجه القبيح للإرهاب الطائفي، وكشف النقاب أيضًا عن عدم يقظة الجهاز الأمني بالشكل الكافي، للتهديدات التي تستهدف الكنائس والرموز الدينية والأقباط. كما قام بتعرية الحكومة المصرية أمام العالم فيما يتعلق بسياساتها التي تنتهجها ضد حقوق الأقباط في وطنهم، وصمتها على تهديدات السلفيين لهم. والأعظم في هذه المحنة، أنها كشفت عن ترابط وتلاحم الشعب المصري الطيب بمسلميه وأقباطه وبهائييه ولا دينييه ضد الإرهاب الطائفي. وأقولها صراحةً: إن أقباط "مصر" وكنائسهم سيظلون مستهدفين، ما لم تقم الحكومة المصرية بتغليظ عقوبة التحريض ضد الأديان والطوائف والمذاهب والرموز الدينية، لتصل إلى حد جريمة الإرهاب والخيانة العظمى، وإقرار حق الأقباط في بناء دور العبادة وممارسة الشعائر الدينية، وتغيير مناهج التعليم والخطاب الديني التكفيري، ومواجهة الإعلام التحريضي بكل حسم.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com