ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

مخاطر تهدد الثورة التونسية

د. عبد الخالق حسين | 2011-01-17 14:37:12

بقلم: د. عبدالخالق حسين
أستطيع القول الآن، أن ما قام به الشعب التونسي قد تجاوز مرحلة الانتفاضة ودخل مرحلة الثورة الشعبية. إذ هناك فرق بين الانتفاضة والثورة، فالأولى عمل تقوم به الجماهير ضد السلطة الحاكمة للتعبير عن سخطها وغضبها، ولكن قد لا تؤدي إلى أي تغيير، كما حصل لانتفاضة الشعب العراقي عام 1991 التي قمعها حكم البعث الصدامي بمنتهى القسوة المفرطة، حيث قتل نحو 300 ألف شهيد. بينما الثورة هي عملية ناجحة تؤدي إلى تغيير جذري، سياسي واجتماعي واقتصادي. لذلك، وبعد فرار بن علي، وانهيار حكومته، والبدء بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، تشارك فيها أحزاب المعارضة، دون عزل أية جهة لها ثقل شعبي، وغيرها من الإجراءات الواعدة، كلها مؤشرات تؤكد على أن تونس مقدمة على تغييرات ثورية. ولذلك فما حصل في تونس الآن هو ثورة شعبية بكل معنى الكلمة، ولحسن الحظ، وقف الجيش مع الشعب بدلاً من مقاومته، إذ هناك أنباء تفيد أن الجيش لعب دوراً مهماً في إرغام بن علي على الرحيل، بمثل ما كان له دور رئيسي في عام 1986 بعزل الرئيس لحبيب بورقيبة، وتولي بن علي السلطة مكانه.
والملاحظ أيضاً، أن الحكام العرب في حالة انفصام تام مع الواقع ومع شعوبهم، فرغم بقائهم في السلطة لعشرات السنين، إلا إنهم يعيشون في حالة وهم دون أن يعرفوا مزاجية شعوبهم التي يحكمونها، وعلى سبيل المثال، قرأنا تصريحات للزعيم الليبي، العقيد معمر القذافي، الذي بدلاً من أن يوعز ثورة الشعب التونسي إلى حكم الاستبداد والظلم والبطالة والفساد، ألقى اللوم على الشعب واتهمه بأنه مخدوع، وضحك عليهم موقع "ويكيليكس" بنشر معلومات كاذبة، وأسماه بـ"كلينكس".

على أي حال، لقد نجح الشعب التونسي في شد انتباه العالم أجمع إلى ثورته الشعبية المباركة. كما وشاهدنا أيضاً من خلال شاشات التلفزة الشعارات الواقعية المشروعة التي رفعتها الجماهير، وهي خالية من شعرات الإسلام السياسي، فمعظمها تركز على توفير العمل للعاطلين، والحرية للشعب، ومحاربة الفساد، وإقامة نظام ديمقراطي، اختصرت في شعار: "خبز وحرية وكرامة وطنية". كما ولم نشاهد بين الجماهير المنتفضة أي من الإسلاميين من ذوي اللحى الطويلة والثياب القصيرة، والوجوه العابسة، بل كلهم من أناس متحمسين ومن مختلف الأعمار، بينهم عدد كبير من النساء السافرات، وهذا دليل على غياب الإسلاميين عن الانتفاضة التي تحولت إلى ثورة.

والجدير بالذكر، أن عملاً جباراً كهذا، تشترك فيه الملايين من أبناء وبنات الشعب وبعفوية، لا يمكن أن تخلو من بعض الأعمال المؤسفة، إذ كما قيل: "الثورة مهرجان المضطَهَدين"، وفي هذه الحالة لا بد وأن يكون هناك مجال لمجرمين يحاولون استغلال فرصة الفوضى للتصيد بالماء العكر. ولذلك، وبعد رحيل الدكتاتور بن علي، حصلت أعمال فوضى، ونهب المخازن، والتجاوز على بيوت بعض المسؤولين، ومؤسسات الدولة  التي هي ملك الشعب، وحتى حرقها، ومساعدة السجناء على الهروب، كم وتم حرق أحد السجون حيث راح ضحيته أربعون سجيناً. 
ولكن من الجنب الآخر، وكما جاء في تقرير على موقع بي بي سي، اليوم، 17/1/2011، أن "العديد من الشهود نسبوا أعمال النهب والاعتداءات في الأيام الأخيرة، خصوصا في العاصمة وضواحيها، إلى عناصر تنتمي إلى جهاز الأمن التابع لبن علي، بهدف التسبب في فوضى تؤدي إلى عودة الرئيس المخلوع إلى الحكم." وهذه ظاهرة خطيرة جداً، الهدف منها تشويه سمعة الجماهير الثائرة، والانتقام منها، تماماً كما حصل في العراق بعد التحرير عام 2003، حيث قامت فلول البعث بحرق مؤسسات الدولة ونهبها، وعمليات الفرهود التي طالت فيما بعد بيوت الناس، على أمل العودة، أو على الأقل لتنغيص معيشة الشعب والعبث بأمنهم وأرواحهم، ليترحم الناس على عهد صدام حسين "الآمن".
ولن يستبعد وجود أياد أجنبية في خلق هذه الفوضى وأعمال العنف، إذ أفاد المصدر نفسه، أن " أعلن ضابط في الشرطة التونسية للتلفزيون الرسمي أنه تم الأحد اعتقال أربعة ألمان في حوزتهم أسلحة داخل ثلاث سيارات أجرة في تونس العاصمة مع أجانب آخرين لم تحدد جنسياتهم."

خطر آخر يهدد الانتفاضة، إذ هناك أنباء تفيد عن قيام الإسلاميين بتنظيم صلاة الجماعة في الشوارع... و أن أحد الجوامع أبلغ المصلّين والأهالي عدم الخروج من الجامع إن دخل الجيش .. أي أن الجامع يعطي الأوامر .. وإن صح الخبر، فهذه إشارات لنشاطات الإسلاميين في محاولة منهم اختطاف الثورة الشعبية، والهيمنة على الشارع لاستغلاله لصالحهم...

كما وهناك محاولات لتسويق راشد الغنوشي، رئيس جماعة النهضة (الإسلامية) المقيم في لندن، بحجة ملء الفراغ السياسي الذي تركه رحيل بن علي، وأنه إسلامي معتدل!! الأمر الذي نشك فيه، ولا يوجد فراغ سياسي في تونس كما يدعون، فالشعب التونسي لم يصب بعقم لإنجاب قادة سياسيين أكفاء، إذ كما علق أحد المناضلين التونسيين، أنهم لا يريدون من الغرب إرسال حميد كارزائي آخر، كما عملوا في أفغانستان، حيث تفشي الفساد في أجهزة الدولة.

ولكن الحقيقة أن راشد الغنوشي، كغيره من الإسلاميين الذين لجئوا إلى الغرب، يتحدثون دائماً بلغتين متناقضتين، لغة ترضي الغربيين، فيظهرون أنفسهم بأنهم حريصون على الديمقراطية والحداثة، وحقوق الإنسان، ومساواة المرأة بالرجل في الحقوق...الخ، ولكن ما أن يستلموا السلطة في بلادهم حتى ويتحدثوا بلغة أخرى صريحة مع شعوبهم الإسلامية، فيكشفون بها عن وجوههم نواياهم الحقيقية، فيعملون على الضد من أقوالهم السابقة، وتتحول الديمقراطية إلى بدعة غربية صليبية معادية للإسلام، وأن المرأة ناقصة عقل ودين!!. إذ هكذا صرح الخميني في لقاءاته الصحفية عندما كان مقيماً في باريس قُبَيْل انتصار الثورة الإسلامية، حيث أكد في جميع لقاءاته مع الإعلام الغربي، أن النظام الذي ينوي تأسيسه في إيران بعد حكم الشاه، لا يختلف أبداً عن النظام الديمقراطي في فرنسا. ولكن ما أن استقر به المقام، وهيمن على السلطة، حتى وأعلن النظام الإسلامي، وضرب الديمقراطية عرض الحائط، وحارب الديمقراطيين، وأعلن حكم ولاية الفقيه. ولما سئل فيما بعد، لماذا عمل ضد وعوده السابقة، أجاب: لأن الإسلام في خطر، وأن "الشعب الإيراني لم يثر للعلف"!! أي لم يثر من أجل تحسين أوضاعه الاقتصادية!.

لذا، فإذا نجح الإسلاميون في اختطاف الثورة التونسية، كما حصل في إيران، فستكون كارثة ليس على الشعب التونسي فحسب، بل وعلى جميع الشعوب العربية، الأمر الذي يجعل الشعب التونسي يترحم على بن علي، كما يترحم الشعب الإيراني على نظام الشاه الآن.

وخطر ثالث يهدد مستقبل الثورة التونسية، ويدعو إلى خيبة أمل الجماهير، هو عجز الحكومة الديمقراطية المرتقبة عن تلبية جميع طلبات الناس. فتونس، كغيرها من البلاد العربية والعالم الثالث، تعاني من أزمات ومشاكل اقتصادية واجتماعية كبيرة ومزمنة، وهناك تضخم في عدد المتعلمين من الشباب (65% من الشعب دون الثلاثين من العمر)، من خريجي المدارس والجامعات. ولمحدودية إمكانيات الدولة في تلبية جميع احتياجات الشعب، وعدم قدرتها على توفير نصف مليون وظيفة للعاطلين بين عشية وضحاها، فلا بد وأن يصاب الناس بالإحباط وخيبة أمل من ثورتهم، وفي هذه الحالة، وكما يحصل في أي مكان وزمان، سينشغل الناس بهمومهم الجديدة، وينسون مظالم نظام بن علي، فيترحمون عليه.

لذلك نشير على المسؤولين الجدد في الحكومة الديمقراطية المرتقبة، أن لا يبالغوا في تصعيد الآمال أكثر من الممكن (high expectation)، وألا يكيلوا للشعب وعوداً خيالية كاذبة غير قابلة للتنفيذ، بل يجب عليهم مصارحة الشعب بالحقائق والإمكانيات المحدودة، وبأنهم سيبذلون كل ما في وسعهم لتحسين الأوضاع المعيشية، ووفق إمكانيات البلد، وبالتأكيد يجب وضع محاربة الفساد على رأس قائمة أولويات الحكومة الديمقراطية.
وأخيراً، نبارك للشعب التونسي الشقيق ثورته العظيمة، مع أطيب الأمنيات له بالنصر المؤزر، والاستقرار السياسي، والازدهار الاقتصادي. 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقرير ذو علاقة بالموضوع
القذافي للتونسيين: ويكيليكس ضحك عليكم

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com