كتبت: ميرفت عياد
أصدر المركز القومي للترجمة كتابًا بعنوان "الفراعنة في مملكة مصر.. زمن الملوك الآلهة" من تأليف "كلير لا لويت"، ترجمة "ماهر جويجاتي"، وينقسم الكتاب الذي يقع في حوالى 505 صفحة إلى ستة فصول رئيسية هي "مصر 3200 ق.م، الايمان الديني من حيث الآلهة والأساطير، التاريخ والسياسة، المجتمع والنزعة الإنسانية، امتلاك ناصية الفن، ازدهار الآداب".
ويعد هذا الكتاب هو الأول في مجموعة من ثلاثة مجلدات، أصدرتها دار النشر "فايار" لتقديم نظرة إجمالية عن الحضارة الفرعونية، واستعراض عناصرها الأساسية، من ديانة وتاريخ واقتصاد ومجتمع وفن وأدب، أما المجلد الثاني الذي أصدرته دار النشر عن "طيبة" ونشأة هذه الإمبراطورية التي تتصف بالصعود السياسي للمدينة، وتكوين إمبراطورية مترامية الأطراف، تمتد من قلب أفريقيا، وحتى نهر الفرات، أما المجلد الثالث فيخص إمبراطورية "الرعامسة"، وهي المرحلة الأخيرة من عظمة الحضارة الفرعونية، وشموخها قبل سقوطها تدريجيًا، لتخضع بعد حين للشعوب الأجنبية، رغم الانتفاضات الوطنية.
البدايات المبهرة للحضارة المصرية
يستعرض هذا الكتاب البدايات المبهرة لهذه الحضارة، التي ازدهرت في وادي النيل منذ الألف الرابع قبل الميلاد، حيث يركز على التعريف بمقومات التأسيس التدريجي للمملكة عند انبثاقها من غياهب ظلمات عصور ما قبل التاريخ السحيقة، فقد تشكلت منذ ذلك الحين العقائد الدينية والسياسية، بالتزامن مع اللغة المكتوبة، ومبادئ التعبير الفني، مشيرًا إلى أن هذه هي التجربة التاريخية الأولى التي أنجزتها اثني عشرة أسرة من الملوك الفراعنة، حيث قاموا بإنشاء اقتصاد مخطط مزدهر، وصياغة معتقدات أسست على أساسها السلطة الإلهية للملك، كما كان أبناء وادي النيل مرهفو الحس فترتب على هذا من وقت مبكر جدًا ورع ديني عظيم، فكان الاعتقاد بوجود آلهة متغلغل في الكون، منتشر في جميع أرجائه، فتتجسد الأرباب في شتى عناصر العالم المخلوق، وأثرت الديانة على مسار التاريخ وتركت بصماتها على السياسة.
ماعت.. إلهة العدل والحقيقة والنظام
ويؤكد الكتاب على أن مصر هبة النيل، بل أن هناك البعض قالوا أنها هبة الإلهة "ماعت" إلهة العدالة، ومن الغريب أنهم لم يخصوا تلك الإلهة المتميزة بأي معبد، باستثناء هذا المعبد الصغير في حرم معبد "مونتو" الذي يقع إلى الشمال من معبد الكرنك، فأرض مصر من أقصاها إلى أدناها هي معبدها الكبير، أن "ماعت" هي الحقيقة والنظام والتوازن والاستقامة والعدل، كما أنها التناغم والتناسق الكونيان، وتنعكس هذه المفاهيم في قواعد السلوك الإنساني المطلوب من كل مصري، ترشده إليه النصوص الأدبية، وعلى رأسها تعاليم الحكمة، كما تجسدها أيضًا مختلف الفنون بسماتها الجمالية، فكل ما أبدعته أنامل الفنان أو الحرفي، هو آية في الجمال بدءً من بيوت الآلهة والجبانات، مرورًا بعلامات الكتابة الهيروغليفية، وصولاً إلى أدوات الحياة اليومية، فقد تغلغل الفن في أدق تفاصيل حياة المصري القديم، في هذه الدنيا، وفي العالم الآخر على حد السواء، إن الفن وما يعنيه من قيم جمالية، هو ما تعرض له "كلير لالويت" في هذا الكتاب حيث تتناول نشأة حضارة مصر بأبعادها الجمالية والإيمانية والإنسانية، ثم انتقالها إلى مرحلة النضج في ظل الدولتين؛ القديمة والوسطى.
العصر الذهبي للنظام الملكي
و يؤكد الكتاب على أن الأزمنة الأولى من مملكة "وادي النيل" عرف بها النظام الملكي عصره الذهبي، وأصبحت العمارة أم الفنون وساد الشكل الهرمي، وكان الملوك الآلهة حكام مطلقين في سلطتهم، فأداروا شئون البلاد بحزم وبراعة، وازدهرت حضارة على قدر كبير من الإنسانية، ولكن على امتداد قرنين من الزمان سوف تكدر الاضطرابات الاجتماعية صفو هذه الأزمنة الأولى السعيدة، ثم جاء فراعنة آخرون من طيبة ليتسلموا زمام السلطة، ويستعيدوا وحدة المملكة، وازدهارها، عندئذ ستشهد الفنون والآداب تفوقًا جديدًا ملحوظًا، حيث يقدم هذا الكتاب وصفًا لعظمة الملوك الآلهة، جنبًا إلى جنب مع الحياة الشديدة البساطة لأبناء وادي النيل، ليوضح فكر المصريين، وللقيمة المتفردة التي كانوا يضفونها على الفن المعبر عن حياتهم اليومية، وأبعاد أساليبهم السحرية، والمكونات الذهنية للحضارة الفرعونية، وذلك اعتمادًا على نشر الكثير من النصوص التي قامت المؤلفة بترجمتها، مع مراعاة صياغتها الأدبية في محاولة لبعث الحياة من جديد في مجد مصر العظيم.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com