بقلم: أماني موسى
كتير كنت بفتكر إن مصر هي الشارع اللي بشوفه كل يوم، بأرفه وتحرشاته وحماقاته والزحمة والتعصب الديني مع شوية الحزن والهم والغم اللي بقي منحوت على الوشوش، كنت بشوف في المترو: المسلم مش طايق المسيحي والمسيحي أرفان من المسلم، وكل المواطنين أرفانين من نفسهم ومن اللي جنبهم ومن ظروفهم وتقريبًا من مصر كمان.
وفي يوم مشئوم، مكنش له ملامح أو لون دخلت إحدى المستشفيات الحكومية لسببًا ما –بلاش تطفل إنك تعرف السبب لأني مش هقوله-!!
أصل دة نفس ذات السؤال اللي اتفضل الأخ حارس –اللي واقف على باب الاسبيتاليا- وسألهوني والغباء بيفط من عنيه بعد ما قطعت تذكرة الدخول: هو حضرتك ولا مؤاخذة داخلة ليه؟ فقلتله هي دي تذكرة؟ قال آآآه، قلت له تاني: ودي مستشفى؟ برضه قال لي: آآآه.
قلت له يبقى أكيد مش حاجزة سينما، مدام دي تذكرة و دي مستشفى يبقى داخلة أشتري خضار، معروفة دي.
فقال وابتسامة الغباء بتفط من وشه فطيط: أتفضلي يا أبلة ومالك زعلتي كدة ليه؟ هو السؤال حُرم؟
لما دخلت شفت اللي يوجع العين والقلب والكلى والطحال......
جدران واقعة ومتهالكة، وأسقف مشققة، وشبابيك مكسورة وبايظة، وسراير منتهية الصلاحية وفوقها ناس برضه منتهية الصلاحية بيتوجعوا من الألم الجسدي ومن الزريبة اللي قاعدين فيها.
متتضايقش أوي من لفظ "زريبة" لأن دي الحقيقة، مكان لا يصلح إلا لمجموعة من البقر والبهايم! وأنت هناك هتلاقي كل المؤثرات الخارجية تجيب كآبة واكتئاب وتنهد.
خد عندك مثلاً:
- المؤثرات السمعية (تأوهات وصراخ المرضى، ضوضاء شديدة من الزوار = فوضى خلاقة).
- المؤثرات البصرية: (حيطان واقعة ومرسوم عليها ما شاء الله كل أنواع الفن وأهمهم فن النحت والعبارات الخالدة زي إن أحمد والحمد لله لسة بيحب منى، سراير متهالكة وملايات بيضا بلون البلاط الأسود طبعًا، دة غير الشكل العام للأوضة واللي تحس معاه إن الدنيا فانية ومالهاش لازمة ودة طبعًا بغرض مساعدة المريض على الراحة والتخلص من الدنيا والسفر ع الأخرة بأقصى سرعة).
لكن رغم كل دة هتلاقي جو مصري حقيقي بيجمع كل التناقضات، وإن مصر جوة المستشفى، هتلاقي المنقبة بتسأل الست اللي لابسة صليب: مش محتاجة حاجة أعملهالك؟، والست المسيحية العجوزة بتقول للبنت المحجبة الصغيرة: اشربي يا حبيبتي عشان تخفي... ربنا يقومك بالسلامة وترجعي بيتك.
ومن ضمن التناقضات اللي هتلاقيها (لغة الخمسة جنيه) كل ممرضة وكل ممرض عشان يردوا السلام لازم ياخدوا المعلوم، والمعلوم دة بقى يا حلو مش أقل من خمسة جنيه وإلا هتفضل متعطل وكل مصالحك واقفة وإن شالله المريض اللي معاك يغور في ستين سلامة –طبعًا-.
هديك مثال حقيقي: في مرة بعد رحلات البحث المضنية عن دكتور واحد في المستشفى وبعد ما مارست كل أنواع الرياضة من جري وتنظيط وتزحلق على السلالم أملاً في العثور على دكتور، فشلت والحمد لله فشل ذريع، وعليه لجأت لممرضة من ملايكة الرحمة إياهم: ممكن تنادي الدكتور؟ فبصت لي بأرف ومشيت، فجريت وراها أديها المعلوم إياه، فضحكت وابتسمت وقالت بكل حب: من عنيا!!! وكأن عضلات وشهم وبقهم مش بتتفرد إلا بالفلوس!
وبعد دقايق رجعت ملاك الرحمة وبتقول: مالقتهوش والاهي يا أستاذة, فاستغربت وسألتها: مستنشفى طويلة عريضة مفيهاش ولا دكتور؟!
فقالت لي: معاكي حق والاهي يا أستاذة، دة الواحد هنا تعب أخر تعب من الأرف اللي بنشوفه كل يوم من الدكاترة والمرضى، فقلت في عقل بالي: والاهي؟ دة أنتي من مصلحتك التسيب والإهمال دة وإلا مش هتجمعي كل الخمسات دي.
وبعدين قلت لها: سؤال بس لحضرتك لو مش هيضايقك، أنا كنت فاكراكي هتاخدي الخمسة وتخلعي، بس أنتي جيتي تاني ورديتي، فنظرت لي باحتقار الأسد للفار وقالت: عيب يا أستاذة دي أمانة ودة شغلنا اللي بنقبض عليه!!
أخر مشهد وحياة أبوك متقومش: زمان كنت أعرف إن العبارات الموجودة بالمستشفى هي مثلاً (الرجاء الحفاظ على الهدوء لأجل راحة المرضى)، بس اليومين دول الحال اتطور واتدهور، واتغيرت معاه العبارات لمانشيتات وفتاوى دينية، لدرجة أنك تتأكد أنا في مستشفى صح ولا طلعت عربية مترو بالغلط أو جامع؟
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com