ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

مبارك: المشكلة والحل

منير بشاي | 2011-02-04 00:00:00
بقلم: منير بشاى
 
الرئيس مبارك هو ثالث حاكم لمصر بعد قيام ثورة 1952. كان قبله الرئيس عبد الناصر الذى جاء الى الحكم بثورة ولذلك كان يمتلك تخويلا شعبيا ويحظى بمهابة ونفوذ. وجاء بعد ذلك الرئيس السادات الذى كان يظن أنه يمتلك نفس هذا النفوذ ولكن نتيجة لصلحه المنفرد مع اسرائيل فقد شعبيته وأغتيل بواسطة الجماعات الإسلامية.  عاصر مبارك كل ما حدث للسادات كنائب للرئيس وكان واقفا الى جواره يوم اغتياله. واستلم مبارك الحكم فى ظروف صعبة لم تكن فى حسبانه والتى كانت لها  تأثير كبيرا على قراراته منذ البداية فجعلته يميل الى اتخاذ القرارات الهادئة وتفادى الهزات العنيفة ومحاولة موازنة الأمور لتكون مقبولة لدى التيار المتأسلم الذى كان يزداد قوة فى مصر كل يوم.  ويتضح هذا عندما بدأ الرئيس مبارك فى إعادة النظر فى قرارات السادات التى إتخذها فى  سبتمبر 1981.  افرج مبارك عن مرشد الأخوان المسلمين وصرح باعادة صدور مجلتهم. ولكنه إستمر فى الإبقاء على قرار سحب إعتراف الدولة بقداسة البابا شنودة بطريركا وتركه محتجزا فى الدير وإستمرار إيقاف مجلة الكرازة لمدى 40 شهرا.  ولم يرجع عن رأيه إلا بعد أن أعلن مرشد الإخوان المسلمين أن الإخوان ليس لهم خصومة مع قداسة البابا ولا يعترضون على الإفراج عنه. بعدها مباشرة صدر قرار الرئيس مبارك بإعادة قداسة البابا إلى كرسيه وإعادة صدور مجلة الكرازة.
 
 استمر حرص الرئيس مبارك على تفادى التصادم مع الإسلاميين قدر ما يستطيع وإنعكس هذا سلبا على تعامله مع الملف القبطى. لقد جعله هذا يغض النظر عن ما يحدث لهم من عنف أو يطبق عليهم من ممارسات ظالمة. ونظرا لأن مطالب الأقباط فى المساواة تصطدم أحيانا مع بعض مبادىء الشريعة الإسلامية لذلك أبقى الرئيس مبارك هذه الممارسات. ومن هذه الحظر على بناء الكنائس وتقييد ترقية الأقباط للمناصب العليا والتحيز فى الأحكام ضد مرتكبى الجرائم ضد الأقباط.  وكانت سياسة حكومة الرئيس مبارك هى وضع خطوط حمراء للإسلاميين تطالبهم بوقف الهجوم على السياح لخطورة هذا العمل على اقتصاد البلد.  كذلك عدم الإعتداء على ممثلى الحكومة سواء كان وزيرا أو حتى عسكرى شرطة لأن هذا تهديد للشرعية. أما الإعتداءات ضد الأقباط فكانت لا تمثل بالنسبة للدولة أى نوع من الأولوية فتكاثرت وتفاقمت فى عهده دون رادع.
 
 وأدت سياسة تفادى التصادم مع الإسلاميين هذه بتداعيات خطيرة فى حوادث العنف الأخيرة ضد الأقباط عندما أهملت الدولة التعامل مع تصريحات الدكتور سليم العوا الأخيرة فى قناة الجزيرة وإدعاءاته الكاذبة ضد الأقباط وقداسة البابا شنودة والتى تسببت فى قيام نحو 17 مظاهرة عنيفة من السلفيين تهاجم الأقباط وتدوس صور قداسة البابا بالأقدام. حدث هذا على مرأى ومسمع من رجال الأمن ودون تدخل منهم. هذا الجو المسموم كان السبب المباشر الذى نتج عنه الأعتداء المريع على كنيسة القديسين  ليلة رأس السنة حيث قتل حوالى 25 قبطيا وأصيب ما يقرب من المئة.
 
 كما ظهرت هذه السياسة فى محاولة الدولة مجاراة الشارع الإسلامى فى مظاهر التدين وصبغ مرافق الدولة بصبغتها سواء فى التعليم أو الإعلام أو الخطاب الدينى المتشدد الذى يبث من المساجد. ومن الملاحظ أن الكثير من الحوادث الدموية ضد الأقباط تمت بعد خطب الجمعة وبتحريض من أئمة المساجد.
 
بل يبدو أن هذا التوجه الدينى المتشدد أصبح مؤيدا بمبادىء الدستور كما جاء فى المادة الثانية والحرص على إستمرار العمل بالقوانين المتحيزة مثل الخط الهمايونى. ولجأت الدولة الى التلاعب بعواطف الأقباط واعطائهم الوعود باصدار قوانين مثل القانون الموحد لدور العبادة وقانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين ليكتشفوا فى النهاية أن هذا كله كان مجرد سراب خادع هدفه كسب الوقت.
 
وعلى نطاق الدولة كلها لعبت سياسة الرئيس مبارك دورا خطيرا نتيجة اتباع أسلوب عدم المواجهة وتأجيل الحلول الجذرية وترك المشاكل للزمن عسى أن تحل من ذاتها، فتفاقمت المشاكل وإزدادت سوءا. أدى هذا الى تدنى التعليم وأصبح الخريجون غير مؤهلين لشغل الوظائف وتوقفت الدولة عن تعيين هؤلاء الخريجين. وإرتفعت الأسعار إلى المستوى العالمى بينما ظلت الأجور على ما هى عليه. وأصبح حولى 40% من أفراد الشعب المصرى يعيشون تحت خط الفقر بأقل من دولار واحد فى اليوم.  وهذا بدوره أدى الى انتشار الرشوة والفساد. كما ان ارتفاع الأسعار ومحدودية الدخل قد  تسبب فى مشاكل اجتماعية مثل العنوسة وارتفاع سن الزواج.  هذا فى الوقت الذى استطاع قلة من المصريين استغلال هذا المناخ لتكديس الثروة ويصبحوا من المليارديرات.
 
كل هذه المظالم وغيرها كانت تنبىء أن الإمور لا يمكن أن تستمر هكذ لوقت طويل وأن الأنفجار قادم ان آجلا أو عاجلا.  ثم قامت ثورة تونس وامتدت العدوى الى المنطقة كلها. واقتنع المصريون أن ما فعله أهل تونس يمكن أن يتحقق فى مصر.
 
وفى 25 يناير 2011 خرج عشرات الآلاف من الطلبة والشباب فى تظاهرات متحضرة مشرفة تطالب بالتغيير وتنادى بالديموقراطية والإصلاح الأقتصادى للبلاد. كانت أهدافهم سلمية وبعيدة عن التعصب الدينى وتحترم المنشآت العامة ولا تعتدى على الآخر. ولكن هذه البداية المتحضرة لم تلبث أن ركبتها التيارات الهمجية التى وجدت فرصتها لتندس حتى تسرق وتنهب وتروع الآمنين.  وكما هو متوقع حاولت جماعة الأخوان القفز على السلطة متخفية وراء شخصيات معترف بها ومقبولة وهو الدكتور البرادعى. ومع ازدياد اعداد المتظاهرين واشتراك عناصر متشددة تحول مسار الثورة واصبح هناك تيارات متعددة كل لها أهدافها وأجندتها الخاصة. وارتفع صراخ الجماهير مطالبة الرئيس مبارك أن يرحل.
 
 ومن المؤكد أن أيام الرئيس مبارك فى الحكم معدودة بحكم سنه وحالته الصحية. ولكن من الطبيعى أنه لا يريد أن يرحل الآن وينهى سجل خدمته كضابط متميز للجيش خدم بلاده فى فترات الحرب والسلام وكرئيس للبلاد بأن يخرج فى النهاية مطرودا من بلاده وملاحقا أينما ذهب.
 
 وفى تقديرى أن خروج الرئيس مبارك المفاجىء فى هذا الوقت لا يخدم مصالح الشعب المصرى عامة والأقبط على وجه الخصوص.  إن غياب الحكومة الآن سيخلق فراغا قد يؤدى الى التصارع على القوة ومحاولة البعض القفز على السلطة وفرض انفسهم على الشعب بالقوة.  وأعتقد أن الأفضل هو أن يبقى فى الحكم الى أن يتم انتقال السلطة السلمى الى حكومة جديدة يقرها الشعب بجميع أطيافه عن طريق انتخابات حرة ونزيهة.

ومع ذلك لا يملك أحدا عصا سحرية يمكن بتلويحها أن تتحسن أحوال البلد. فالتغيير سيحتاج الى وقت طويل سيختبر الشعب المصرى خلالها مزيدا من المعاناة قبل أن يروا تحسينا للأفضل.
 
لذلك مازلت أضع يدى على قلبى وأقول: ربنا يستر...
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com