ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

دور المخابرات الأجنبية في انقلاب 8 شباط الدموي

د. عبد الخالق حسين | 2011-02-09 00:00:00

بقلم: عبدالخالق حسين
تمر علينا اليوم، الذكرى المشؤومة لانقلاب 8 شباط 1963 الدموي الذي اغتال ثورة 14 تموز المجيدة وقيادتها الوطنية، وحلم الشعب بالحرية والاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي. ولا شك أن هذا الانقلاب يعتبر أسوأ كارثة حلت بالعراق منذ غزو المغول لبغداد عام 1258، لأن جميع الكوارث الأخرى التي تتابعت على الشعب العراقي فيما بعد، كانت من عواقب ذلك الانقلاب الدموي الأسود. كما وبات من المؤكد أيضاً، أنه لو أتيح لثورة تموز مواصلة مسيرتها، وتنفيذ برامجها وأهدافها المسطرة، لكان العراق الآن بمستوى البلدان المتقدمة في جميع المجالات، ولكن لأسباب كثيرة، منها نقص الخبرة والتجربة لدى قادة القوى الوطنية، وتعقيدات الوضع العراقي والدولي في ظروف الحرب الباردة، تمت التضحية بالثورة، ودفع الشعب الثمن باهظاً.

كذلك بات واضحاً، أن هكذا ثورة وطنية، وقيادة نزيهة مخلصة تتمتع بشعبية واسعة، لم يكن بالإمكان اغتيالها من قبل حفنة صغيرة من العسكريين وشذاذ الآفاق، ما لم تكن هذه الحفنة مدعومة من قبل حكومات غربية وإقليمية، استخدمت عصابات حزب البعث وبقية التيار القومي العروبي، كمخلب قط لتنفيذ مخططاتهم التآمرية، لتدمير العراق، وبتخطيط في منتهى الخبث والمكر والدهاء، وبوحشية لا مثيل لها في التاريخ.

نقول هذا ليس من باب العاطفة والتكهنات، بل نتيجة تصريحات موثقة أدلى بها الشباطيون أنفسهم، وكذلك ما جاء في اعترافات العاملين في الدوائر الإستخباراتية الغربية، نذكر البعض منها، وهي غيض من فيض وكما يلي:
أولاً، كانت الثورة مُستَهدفة من يومها الأول من قبل القوى الخارجية وخاصة الأنكلو- أمريكية، حيث تم الإنزال الأمريكي في لبنان، والبريطاني في الأردن، للزحف على العراق ووأد الجمهورية الفتية، إلا إن يقظة الجماهير والتفافها حول الثورة وقيادتها المخلصة، واستعدادها للتضحية في سبيل الدفاع عنها، غيَّر حسابات المستعمرين، فالتزموا بالحكمة القائلة: "لا تحارب شعباً في حالة ثورة"، الأمر الذي أرغم هذه القوى على تأجيل ضرب الثورة عن طريق الغزو الخارجي، والتخطيط لوأدها من الداخل فيما بعد.

ثانياً، تصريح زعيم حزب البعث، علي صالح السعدي، بعد الندم، أنهم جاؤوا إلى السلطة بالقطار الأمريكي، وأنه منذ الساعات الأولى، أحس أن هناك قوة خفية غير منظورة تدير الانقلاب.

ثالثاً، دور الشركات النفطية الأجنبية بعد إصدار قانون رقم 80 لعام 1961، والذي بموجبه استرجع العراق 99.9% من أراضيه من الشركات المذكورة. كذلك إصدار قانون تأسيس الشركة الوطنية للنفط.

رابعاً، الغلطة القاتلة التي ارتكبها قائد الثورة الزعيم عبدالكريم قاسم بالمطالبة بالكويت، وتبقى هذه المطالبة لغزاً، كيف ارتكب الزعيم، المعروف بحرصه الشديد على عدم المجازفة بالثورة، هذه الزلة الإستراتيجية، خاصة، وخلافاً للدعايات الغربية والعربية في وقتها، وباعتراف اللواء سيد حميد سيد حسين الحصونة، لم يحرك الزعيم أية قوة عسكرية نحو الحدود العراقية - الكويتية، لذلك فقد لعبت الملايين الدولارات النفطية الكويتية دوراً رئيسياً في شراء ذمم حفنة من العسكريين العراقيين لتدمير العراق.
خامساً، لعبت المخابرات الأجنبية، وخاصة البريطانية والأمريكية، دوراً كبيراً وبالأخص الـ CIA، حيث ظهر فيما بعد أن العقيد صالح مهدي عماش، أحد قادة الانقلاب المشؤوم، كان عميلهم منذ أن كان ملحقاً عسكرياً في السفارة العراقية في واشنطن قبيل ثورة 14 تموز. ويشهد بذلك هاني الفكيكي (عضو القيادة القطرية لحزب البعث آنذاك) في كتابه (أوكار الهزيمة) أن عماش كان على علاقة مع ويليام ليكلاند معاون الملحق العسكري الأمريكي في بغداد، ويلتقي به أسبوعياً، والذي وصفه عبدالناصر بأنه مهندس الانقلابات.

سادساً، وفي مكان آخر من مذكراته يضيف الفكيكي: "وفي جناح قاسم عثروا على إضبارة تخص الدكتور زغيب، الأستاذ اللبناني المنتدب للتدريس في جامعة بغداد، وبتوصية وتزكية من ميشيل عفلق، والقيادة القومية، استخدمنا الدكتور زغيب لسنوات في نقل بعض الرسائل بيننا وبين القيادة القومية. وكان طالب شبيب هو صلة الوصل به في بغداد. وحين دراستنا للملف وجدناه مليئاً بتقارير مديرية الأمن العامة والإستخبارات الأمريكية (CIA) وتعاونه مع حزب البعث، وتطلب إلى قاسم الموافقة على إعتقاله وإبعاده عن العراق، غير إن قاسم كتب على بعضها أمره بإبقائه ومراقبته بدقة".

سابعاً، شهادة العاهل الأردني، الملك حسين لمحمد حسنين هيكل، ما نصه: ".. اسمح لي أن أقول لك إن ما جرى في العراق في 8 شباط (فبراير) قد حظي بدعم الاستخبارات الأمريكية. ولا يعرف بعض الذين يحكمون بغداد اليوم هذا الأمر ولكني أعرف الحقيقة. لقد عقدت اجتماعات عديدة بين حزب البعث والاستخبارات الأمريكية، وعقد أهمها في الكويت. أتعرف أن… محطة إذاعة سرية تبث إلى العراق كانت تزود يوم 8 شباط (فبراير) رجال الانقلاب بأسماء وعناوين الشيوعيين هناك للتمكن من اعتقالهم وإعدامهم."(حنا بطاطو، تاريخ العراق، ج3، ص 300، نقلاً عن "الأهرام" (القاهرة، 27 أيلول (سبتمبر) 1963.)

ثامناً، قال الدكتور أحمد الجلبي: "… أما تدخل أمريكا الحقيقي الأول في العراق فبدأ في سنة 1962 حينما كلفت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) من جانب رئيس الولايات المتحدة بمجابهة الإتحاد السوفيتي والحزب الشيوعي في العراق، فعملت (سي آي أيه) بشكل مباشر وبتحالف مع النظام المصري حينها بزعامة جمال عبدالناصر، وتعاونت مع حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، خصوصاً كوادر الحزب في القاهرة ومن ضمنهم صدام حسين على تشجيع وتأهيل الحزب لتسلم الحكم. وقد ذكر لي أحد مسؤولي (سي آي أيه) في فرانكفورت، وإسمه جيم كريتشفيلد، كان مسؤول الوكالة في أوربا أن الـ(سي آي أيه) أصدرت بالتعاون مع البعثيين قائمة بأسماء 1700 شخص تقرباً يجب تصفيتهم لدى قيام أية حركة ضد عبدالكريم قاسم والحزب الشيوعي في العراق. وفعلاً نشرت هذه الأسماء عبر إذاعة سرية للأمريكيين في منطقة الشرق الأوسط". (د.أحمد الجلبي، صحيفة المؤتمر اللندنية، العدد 304 يوم 18/5/2002.)

وبعد كل هذه الأدلة هل هناك أي شك حول علاقة حزب البعث بالمخابرات الأجنبية، إن لم يكن أساساً صنيعة هذه الدوائر الغربية لضرب الحركات والثورات التقدمية في المنطقة العربية، وبالأخص في سوريا والعراق ولبنان

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com