خواطر حول ثورة الغضب
بقلم: يوسف سيدهم
ماتزال ثورة الغضب مشتعلة في أنحاء "مصر" بينما مظاهر الحياة اليومية تجاهد للعودة إلي وتيرتها الطبيعية. ودون أن نصادر على حق وقيمة حركات الغضب في محافظات ومدن كثيرة، ما من شك في أن ميدان التحرير في قلب "القاهرة" أصبح القلب النابض لثورة الغضب والمركز الرمزي الذي يجتذب شتى شرائح المصريين وسائر أجهزة الإعلام، سواء للمشاركة في الأحداث أو لنقل نبضها إلي العالم، الأمر الذي يستحضر من الذاكرة ثورة عمال ميناء جدانسك البولندي عام 1989 التي يعتبرها كثير من الذين عاصروها الشرارة الأولي التي أسقطت الحكم الشيوعي في "بولندا"، والمسمار الأول الذي تم دقه في نعش المعسكر الشيوعي والاتحاد السوفيتي.
من الرائع لـ"مصر" أن يطلق على ثورة الغضب ثورة الشباب، وعظيم أن يكون وقود هذه الثورة غضب الشباب وتمرده وإصراره على رفض واقعه وعدم العودة إلى منازلهم إلا بعد تغييره... لكن إذا كان الشباب قلب هذه الثورة، يجب ألا تندفع الثورة بلا عقل وبلا حكمة، فقد تابعت بعض البرامج الفضائية والحوارية التي استضافت نماذج من الشباب يتفاوت حديثهم بين الانفعال وعدم وضوح الرؤية حول تفعيل آليات التغيير! وفي الوقت الذي حرص فيه الجميع عليى إرجاع الفضل إلي الشباب في إطلاق ثورة الغضب، أصابني هاجس أن ينفلت الشباب ولا يستمعون إلى صوت العقل والحكمة المطلوبة لضبط مسار الثورة ومنع انزلاقها إلي الفوضي أو استغلال نقائها وبراءتها من جانب أصحاب الأجندات الخاصة. لذلك يلزم أن يعي الشباب أن ثورتهم باتت ثورة "مصر" كلها ولا غني لهم عن الأكبر عمرًا والأكثر حكمة لإدراك التغيير المأمول، وأن ما لا يُدرك كله من أحلامهم لا يُترك كله، وما يتعذَّر تحقيقه في المرحلة الأولى من التغيير حتمًا سيتم بلوغه في مراحل تالية قادمة.
لكني في الوقت نفسه أتفق مع الشباب في أزمة الثقة التي يعانون منها، وتعذُّر تصديقهم للوعود الطيبة التي تصدر عن القائمين على الإصلاح المنشود، سواء كان من جانب الحكومة أو اللجان المنوط بها دراسة الإصلاحات الدستورية والتشريعية أو حتي الأجهزة الأمنية في ثوبها الجديد. فالخبرة السابقة لهؤلاء الشباب تنحصر في ميراث طويل من الخداع والتسويف والمماطلة دأبت على ممارسته الإدارات والوزارات السابقة، علاوة على الأساليب الأمنية المتوحشة التي طالما بطشت بالشباب المعارض وروعت حتي المصريين جميعًا، وباتت حديث العالم كأداة بطش بغيضة تتصف بها الدولة البوليسية المصرية.
لذلك من المهم جدًا الإسراع في خطوات الإصلاح، وليس ذلك مقصورًا على الشفافية والمصارحة اللتين أصبحتا تميزان اجتماعات وتصريحات كل من "عمر سليمان" نائب رئيس الجمهورية و"أحمد شفيق" رئيس الوزراء، إنما يجب أن تمتد إلي جرعات واضحة ملموسة لتأمين استمرار فورة وثورة الشباب دون تعقب أو تنكيل، كما يجب أن تمتد إلي البدء في محاسبة الأجهزة الأمنية السابقة علي جريمتها الرهيبة أثناء التصدي لثورة الغضب أولًا ثم في الانسحاب الغريب من أداء الواجب الأمني المنوط بها عبر أنحاء "مصر"، الأمر الذي زج بالبلاد في فوضى مروعة ماتزال أصداؤها ونتائجها حديث المصريين والعالم.
إن مسلك الأجهزة الأمنية هذا كان غير مسئول، كما أن الرد الذي اختارته تلك الأجهزة علي فشلها في احتواء ثورة الغضب هو عقاب المصريين جميعًا وتركهم في مهب الريح أمام المنفلتين والغوغاء الذين أغراهم الفراغ الأمني للانطلاق في موجات بربرية للعنف والتدمير والسلب والنهب والترويع.. وذلك أمر لا يمكن أن يُترك دون حساب وعقاب؛ لأن نزول القوات المسلحة إلي الشارع لتأمين الثورة- وهو التحرُّك الذي تم بكل حكمة وتعقُّل- كان يستدعي فقط انسحاب قوات الأمن المركزي وليس انسحاب جميع أجهزة الأمن والشرطة، وذلك سر مايزال غامضًا سوف تكشفه التحقيقات، وما تبعه من الاعتداءات الرهيبة التي وقعت خلال تصادم مؤيدي "مبارك" مع معارضيه.
الخواطر حول ثورة الغضب لا تنتهي.. وتفرز الأحداث المتلاحقة الجديد منها كل ساعة مع تطور الأحداث وتداعياتها، حتى أن ما يُكتب يظل معلقًا رهينة صموده أمام ما يستجد حتى ما قبل الطبع. لكن بالقطع نحن نعيش ثورة عظيمة سوف يسجِّل التاريخ سطورها.. ثورة تستحق أن تخرج "مصر" من عصر 23 يوليو إلي عصر 25 يناير بكل ما يحمله ذلك من ملامح جديدة يجري تشكيلها هذه الأيام.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com