ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

خواطر بمناسبة ثورة 25 يناير (2)

د. صبري فوزي جوهرة | 2011-02-14 11:31:17
بقلم: د.صبري فوزي جوهرة
أقدم، بكل تواضع وامتنان، أحر تهاني لشعب مصر العظيم، الذي أنزل "حسني مبارك" عنوة، من علياء كرسي رئاسة أول دولة في التاريخ. وهو منصب لم يكن ليعطى لأمثاله من الطغاة المستهترين بقدر وحقوق و كرامة شعب مصر.
أهنىء نفسى كذلك، حيث كنت من أوائل الذين تعرفوا على مغزى وعمق وصدق، ما أطلق عليه أولاً "مظاهرة 25 يناير"، فكان مقالي الأول الذي كتبته عنها، ونشر في موقع "الأقباط الأحرار" بتاريخ 29 من يناير، مبشرًا بأنها "ثورة حقيقية"، وليست مجرد تظاهر، وأنها أكثر شرعية من انقلاب يوزباشية وبكباشية 1952، الحانثين بكل وعد اقتطعوه على أنفسهم. 
أشارككم المزيد من "الخواطر"، التي جالت بفكري خلال الأيام القليلة المجيدة الماضية:
يجب علينا جميعًا الحفاظ على شرف وبراءة هذه التجربة الفريدة في تاريخ بلادنا. فلا نسمح بتدنيسها بأعمال العنف والتخريب، بل نزينها بالعمل المخلص الجاد، كل منا على قدر طاقته، وفي موضع فعاليته.
علينا تسجيل كل أحداث هذه الأيام المحورية بكل أمانة وموضوعية.  ولا يقتصر الأمر في هذا الشأن على ما سبق هذه الأيام العظيمة، بل يتعداه إلى التطرق لكل أحداث ما بعد الثورة بأمانة علمية، لا تخضع للهوى، أو لمزايدات المتطفلين، أو مبالغات المتسلقين أو افتراءات الأعداء الكارهين، وسيطفو على السطح منهم الكثيرون من كل هذه الفئات، فلنتحسب ذلك ونتقيه. لذلك أقترح تكوين لجنة من أساتذة التاريخ بجامعاتنا، تضم كافة التيارات الفكرية اليسارية والوسطية  واليمينية غير الأصولية الدينية (فلهذا التيار منهجه الخاص غير العلمي) منها لضمان حيادها لتوثق وتسجل وتحفظ كل ما يتعلق بهذا الحدث الجليل، الذي سيشكل مسار الشرق، وبالتالي العالم بأسره، شأنه في ذلك شأن ثورات التاريخ الكبرى. أقول ذلك لأننا نحن شعب مصر الذي فقد خيرة شبابه، وخسر خيرات بلاده في مغامرات دون كيشوتيه، ناهيك عن المعاناة والتخبط في  ظلمات "إعلام" فاسد موجه من دولة متقيحة. كادت أمور بلادنا أن تنقضي إلى دون رجعة، ومازلنا إلى الآن، وبعد انقضاء ستة عقود من الزمان، لا نعلم شيئًا عن الهزائم المتلاحقة، والفشل المتكرر الذي ألقى بنا إلى الهاوية. إن قراءة وكتابة تاريخ مصر منذ الانقلاب المشئوم، وإلى ما بعد الثورة الوليدة، هي من أكبر مسؤلياتنا نحو بلادنا وأنفسنا، ومن يتبعنا على هذه الأرض العريقة، بل وتجاه العالم بأسره: فمصر ليست بالدولة الأولى في التاريخ فقط، بل هي كانت ومازالت كيانًا محوريًا يؤثر بشدة على مجريات الأمور فى عالم اليوم أيضًا. وياحبذا من الاستعانة بهيئات دولية محايدة، للتأكد من موضوعية وعدالة البحث، خاصة فيما يتعلق بالجرائم الكبرى، التي ارتكبت في حق الأقباط، منذ تولي السادات الرئاسة وإلى اليوم. ليس في هذا  انتقاص من سيادة مصر، إنما الانتقاص الأكبر هو في إخفاء الحقائق والإتيان باستنتاجات و"تخريفات" تضارع في كذبها الساذج أشد الأفلام الهندية شطحًا وخيالاً. هذا هو الانتقاص الأعظم: محاولات "استعباط" البشر والاستخفاف بعقولهم. فما هي حقيقة ومدى سيادة دولة كل سكانها من البلهاء؟  
وفي تعاملنا مع النظام البائد، يجب أن نكون عادلين منصفين للجميع. لا تجرفنا تيارات الغضب أو الحقد أو التشفي، أو محاولات التملق للحكم الجديد، باتهام كل من جاء قبلهم بالفساد، كما جرت العادة في الماضي. لذلك كان علينا ألا نبخل بإرجاع الفضل لمن استحقه من الرجال والنساء الذين أخلصوا في العمل لبلادهم، خاصة تحت ظروف الفساد والرياء التي سادت هذه السنوات العجاف. يتحتم علينا التعرف على هؤلاء الأفاضل، وعدم التصدي لهم بالسوء، كما فعل مرتكبو انقلاب العسكر، عندما أزاحوا الكثيرين من خيرة رجال مصر، بعد سطوهم على الحكم.
يجب ألا تترك السلطة العليا في البلاد مطلقة وبكاملها في أيدي القوات المسلحة، بل يتحتم إشراك عناصر مدنية شريفة ومعتدلة في الحكم من الآن. ليس فقط من قبيل الإفادة بوسائل الإدارة والحكم المدنية، وهي مغايرة تمامًا للأساليب العسكرية، بل لإعطاء الفرصة للأكفاء من المدنيين لإثبات صلاحيتهم للحكم، وعدم الالتزام باختيار رجل من القوات المسلحة لإدارة شئون البلاد، بعد انقضاء فترة الانتقال والوصاية. فللسلطة سحر قاتل، لا يقوى على التصدي له سوى القليلون جدًا من الرجال (وهنا أذكر بكل خير المشير "عبد الرحمن سوار الذهب" رجل السودان الزاهد الذي سلم الحكم للمدنيين، بعد أن طهر السودان من عفن "النميري")، و نحن نعلم جميعًا أن الوقاية خير (وكثيرًا ما تكون أقل ثمنا) من العلاج.
أما عن الدستور فليكن جديدًا غير مرتق. وليعيد لمصر اسمها غير مدجن: لذلك يجب أن يعلن أن الجمهورية هي جمهورية مصر، ومصر فقط، وفقط لا غير. ولا مانع بعد ذلك من النص في إحدى المواد التابعة، إذا أراد بعض المفتونين بجيرتنا المجيدة، والقول بأننا جزء من العالم العربي.  
دولة مدنية تمامًا لا تتصدى للغيبيات: سمائية كانت أم أرضية أم بحرية، لا تعادي الدين لمن يريد التدين، ولكنها لا تسمح بالتمسح في أهدابه والعبث بالعدالة باسمه. دولة يتساوى فيها حكم القانون على الجميع، وتقدم الفرص لمواطنيها على قدم المساواة، بل ويعاقب فيها بأشد العقاب من يمارس التمييز بين المصريين، على أي أساس آخر، سوى الاستحقاق والكفاءة.  
و ليكن الخامس والعشرون من يناير هو العيد القومي لمصر، و تبًا ونسيانا للثالث والعشرين من يوليو، ذكرى المروق والانحدار. ولنعيد اعترافنا بفضل معطي الحياة الحقيقي لأرضنا: النيل – حابي- أعظم أنهار العالم قدرًا و مقدارًا، فنقيم الأعياد في ذكرى جوده علينا في منتصف أغسطس كما فعل أجدادنا لآلاف السنين من قبل، إلى أن جحد به صاحب النكسة، ولتكن أفراحنا به اعترافًا بجمائله وجماله.
لنتطلع إلى أقصى ما يصل إليه خيالنا من آمال. ولكنا نحن بشر لن نستطيع أن نحقق تطلعاتنا بكاملها. بذلك تكون الواقعية درع يصد عنا اليأس والاستكانة عند الفشل، فنعاود العمل والكفاح ولا نستسلم للقنوط والتكاسل.
و لنتمنى لقواتنا المسلحة كل النجاح في سعيها لإقامة العنقاء المصري من الرماد. إنه حمل ثقيل جدًا. ولكن ربما كان ذلك هو رد القدر على ما حدث في الماضي جريًا على ما تقوله الأغنية الشهيرة: اللي شبكنا (من 60 سنة) يخلصنا.
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com