المادة الثانية منه
بقلم: إيهاب شاكر
على موقعها الإلكتروني، وفي عدد الجمعة 18/2/2011، كتبت جريدة "اليوم السابع"، تحت عنوان:
شيخ الأزهر: المادة الثانية للدستور، من ثوابت الدولة والاقتراب منها نشر للفتنة والفوضى. وقالت في صدر المقال "أكد الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن المادة الثانية من الدستور ليست مطروحة للتغيير أو التحديث، والاقتراب منها بمثابة محاولة لنشر الفتنة، فالمادة الثانية من الدستور هي من ثوابت الدولة والأمة، والحديث في تلك المادة هو مصادرة للديمقراطية، التي نأمل الوصول إليها ومصادرة على الحريات".
أعلم تمامًا أن الحديث في هذا الموضوع لهو أمر شائك، وهو الدخول لمنطقة ألغام، أو السير في أوقات حظر التجوال، مع أنه أثناء الحظر، كانت المظاهرات مستمرة وتدفق المتظاهرين والمحتجين لميدان التحرير يتزايد، دون منع من أحد بحجة حظر التجوال.
لكن، بما أننا في مرحلة جديدة، ونحاول جميعًا الوصول بمصرنا إلى بر الأمان، حتى يعيش جميع مواطني هذا البلد في سلام حقيقي، مبني على المساواة والعدل والاحترام، ولأجل ذلك كله لابد من الحديث عن هذا الموضوع، ودعونا جميعًا مسلمين وأقباط، نتفرغ من النزعة الدينية، ولو للحظات، وننظر للموضوع من خارج الصندوق، لتكون الرؤية واضحة أكثر، وبنظرة أشمل، وأن نتحلى بالموضوعية، وبمنطق الحيادية، الذي كثيرًا ما نفتقده جميعًا أو أغلبنا على نحو دقيق.
في الحقيقة، ومع احترامي لشخصية الدكتور "أحمد الطيب"، شيخ الأزهر، لكنني اندهشت جدًا من كلماته، التي بدت لي مناقضة لبعضها من ناحية، ومحرضة من ناحية لأخرى، وتثير تساؤلات عدة من ناحية ثالثة.
فيقول سيادته: "إن المادة الثانية من الدستور ليست مطروحة للتغيير أو التحديث" وهنا أتساءل والسؤال منطقي وبديهي أيضًا، لماذا يا جناب الفاضل شيخ الأزهر، لماذا هي ليست مطروحة للتغيير أو التحديث؟ هل هذه المادة جزءً أو آية من الكتب السماوية، حتى لا يجوز التغيير فيها أو التحديث؟ حتى هذه الكتب لم تسلم من اتهامها بالتحريف أو التبديل أو النسخ، فلماذا إذًا مادة من مواد الدستور أية كانت، لا يجوز الاقتراب منها أو التصوير، أو التعديل أو حتى الحذف.
ثم يضيف سيادته" والاقتراب منها بمثابة محاولة لنشر الفتنة" أليس هذا الكلام في حد ذاته يدعو للتحريض على الفتنة، فأنت تقول لكل متعصب، إن اقترب أحد من هذه المادة، أو حتى ناقشها، فأنت تعلم ما عليك فعله به، أليس كذلك؟! أليس هذا يُفهم بسهولة وببساطة من كلام سيادتكم؟
ثم أليس هذا الكلام هو الحجر بعينه على حرية الرأي والتعبير؟ فكيف تقولون "الحديث في تلك المادة هو مصادرة للديمقراطية التي نأمل الوصول إليها، ومصادرة على الحريات" أليس هذا هو التناقض بعينه، أليس هذا هو عين مصادرة الديمقراطية، ومصادرة الحريات؟ كيف يا شيخنا الجليل لم تشتم روح التناقض في حديث سيادتكم، والمصادرة على الكلام والحوار من جذره؟!
ثم، ما الذي جعل من هذه المادة من ثوابت الدولة والأمة؟ أليس من وضع هذه المادة أو بالأحرى صاغها على هذا النحو، هو الرئيس الراحل "محمد أنور السادات" أي أنه بشر مثلي ومثلك، مع اعتبار واحترام المقامات، ووضعها في مكانها الصحيح، أليس هذا الدستور بكل ما فيه، هو قانون وضعي، يحتمل الصواب والخطأ، وفيه ما يناسب وما لا يناسب؟ والدليل أننا نعدل فيه الآن، مع أنني رافض للتعديل كمبدأ، وأبغي نسفه من الأساس، ووضع دستور جديد يناسب روح العصر، وما نادت به ثورة 25 يناير، من حرية ومساواة وعدالة بين الجميع دون تمييز.
سيادة الدكتور "أحمد الطيب" شيخ الأزهر، أدعوك وأدعو جميع أخوتي المسلمين، وأدعو جميع مفكري هذا البلد الخروج من الصندوق، والتفكير بموضوعية، دون الانحياز لجانب، بل الانحياز، وكل الانحياز، لدولة مدنية لا دينية، تقوم على أساس المواطنة بحق، وإلغاء خانة الديانة من الهوية الشخصية، هذا المطلب الذي طالما نادينا به. ومن هنا أعلن عدم موافقتي على تغيير النسر الموجود على علم بلادنا، ووضع بدلاً منه "الهلال مع الصليب" لأن هذه الفكرة تكرس أيضا فكرة الدولة الدينية. الدولة يا سادة يا أفاضل، ليست شخصًا حقيقيًا، بل معنويًا، فلا يصح أن تدين بدين معين، فالدين هو علاقة شخصية بين الفرد وربه.
دعونا نخرج من هذه العصبية في التفكير، ونبحث عن ثوابت حقيقية نتفق عليها جميعًا، وتوحدنا جميعًا في هذه الظروف، ونسعى ونبتغي وطنًا للجميع، ينعم فيه الكل بالعدل والمساواة، وكفى ما مضي من سنين كانت مكرسة للتمييز الديني والطبقي، وقد رأينا جميعًا تأثيرها فيما حدث من مجازر للأبرياء، تحت عباءة الدين.
إن كنا نبغي بحق الحرية الحقيقية، وليست المزيفة، فعلينا أن نجتهد في وضع دستور للجميع، ونُخرج ما فيه من مواد تدعو للتمييز، أو تتحدث عن فئة دون أخرى وتميزها على غيرها، ومن هذه المواد الأساسية، هي المادة الثانية من الدستور.
أرجو قبول الحوار، واحترام الرأي، وليس مصادرته، إن كنا فعلاً نبحث ونريد ترسيخ مبادئ الحرية في بلادنا العظيمة، في المستقبل. دعونا نتوحد جميعًا، مسلمين وأقباط، على رأي واحد هو رفعة بلادنا ونهضة شبابها، الذين حققوا ما لم نحققه، وما كنا نحلم به ونصحو وقد نسيناه، ونراه بعيد المنال. فعاشت مصر حرة، مضيئة، وقائدة ورائدة كعادتها على مر السنين.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com