ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

مصر من جُـمعة التنحي إلى جمعة الانتِـصار

swissinfo.ch | 2011-02-22 14:50:40

منذ أن نطق عمر سليمان في بيان تاريخي من عشر كلمات بتنحي الرئيس، وإذا بكل شِـبر في مصر المحروسة يعيش حالة فَـوَران غيْـر مسبوقة، فيْـض من مشاعر الفرح وفَـوَران في الأفكار بشأن الحاضر والمستقبل وسيْـل من الادِّعاءات والمطالِـب الفِـئوية وتصفية الحسابات، كَـمُّ هائل من الأخبار التي تختلط فيها الحقائق والمُـبالغات والإشاعات، كثرة في التنظيمات والجماعات التي تتحدّث باسم الثورة وشبابِـها وظهور مُـكثَّـف ومُـتواتِـر لشبان وشابات يكشِـفون عن أدوارهم في الثورة ويعلِـنون عن طموحاتهم وتحرّكاتهم الآنية. باختصار، حالة غريبة من الحرية الغير مسبوقة، التي يعيشها المصريون ولم يعرفوها من قبل.


ومَـن يتجَـوَّل في مصر الآن، يرى شعبا بأسْـره، رجالا ونساءً وشباباً وفتيات وشيوخا وأطفالا، وكأنهم يُـعيدون اكتِـشاف أنفسهم وقَـدَرهم التاريخي أو كأنهم ولِـدوا في التَـوِّ واللحظة، أفراداً وجماعات ودولة ومجتمع. الكل يتحدّث عن روح جديدة تسري في العروق والأبدان، ملبِّـيا الدّعوة العفوية التي جسَّـدها شعار مبدِع، طالَـما ردَّده المحتشِـدون بعَـفوية في ميدان التحرير، لحظة إعلان التنحي، والقائل "إرفَـع رأسك فوق.. أنت مصري"، وهو الشعار الذي يتكرّر كثيرا في التجمعات الاحتفالية التي سيطرت على مُـدن مصر بأسْـرها طوال الأسبوع الماضي كله.
 
تعيش مصر حالة طموحة ومتفائِـلة من التطلّـع إلى المستقبل، تصاحبها رغبة جماعية محمومة لتصفية إرث الماضي بشخوصه وأفكاره ومؤسساته وسياساته، وبين الحالتيْـن، تحرّكات واعتصامات وإضرابات وتجمّـعات في كل اتجاه وفي كل مكان، تطالب بتحسين الأوضاع ورفع المرتّـبات وطرد الرؤساء وتعيين المؤقَّـتين وتغيير اللَّـوائح فورا وبلا تأخير، وهو الأمر الذي دفع بالمجلس العسكري في بيانه السادس مساء جمعة الانتِـصار (18 فبراير 2011)، إلى التحذير من هذه الاعتصامات الفِـئوية ومحذِّرا من خطوات صارِمة في مواجهة مَـن ينظِّـمونها في أي موقع كان.

ثورة على الثورة
مصر بأسْـرها الآن بعدَ أسبوع من تنحي الرئيس مبارك، في حالة ثورة، ثورة في الفرح وثورة في الغضب وثورة في التفاؤل وثورة حتى على الثورة نفسها.
 
ومن اليَـسير أن يلاحِـظ المرء مَـن يرفع صوته قائلا "إن الثورة لم تُنْـجَـز بعدُ، وإن ما جرى هو مجرّد خُـطوة واحدة، تمثَّـلت في خلْـع الرئيس وتعطيل الدّستور وحلّ مجلسيْ الشعب والشورى، وإن المطلوب هو متابعة الثورة في مرحلتها الثانية عبْـر البقاء في الشارع، ليس من أجل الاحتفال الذي جرى أسطوريا كما حدث ليلة التنحي وفي جمعة الانتصار وتكريم الشهداء، بل من أجل الضغط على المجلس العسكري من أجل مزيد من الخطوات لإضفاء الطابع المدني على المرحلة الانتقالية، التي أعلن المجلس العسكري نفسه أنها لن تزيد عن ستة أشهر، يتولى بعدها رئيس مُـنتخب بنزاهة وشفافية حُـكم البلاد، ومن أجل تشكيل مجلس رئاسي يضم أربعة مدنيين وعسكريا واحدا يدير شؤون البلاد للفترة الانتقالية، وبجانبه برلمان مؤقَّـت، لا يدري أحد كيف سيتم انتخابه أو تعيينه، يقوم بالتّـشريع في حدود إنجاز القوانين المطلوبة لإنجاز انتخابات نزيهة وشفافة، برلمانية ورئاسية.
 
وثالثا حكومة توافُـق قومي يشارك فيها ممثلون عن كل التيارات، وفي المقدمة ممثلون عن الشباب أنفسهم، صانعو الثورة والحافظون عليها.

خطة عسكرية من أربعة محاور
تأتي هذه الدعوات في مواقف كثيرة، ولكنها ليست الغالبة، لا توافِـق المجلس العسكري على خطته الانتقالية والتي تقوم على أربعة محاور متكاملة وهي:
 
أولها، بقاء الحكومة التي يرأسها الفريق أحمد شفيق وتُـضم وُجُـوها قديمة ـ للحق مكروهة في الشارع المصري بأسره ـ من أجل تسيير الأعمال حتى يتم تغييرها في وقت لاحق.
 
وثانيها، تعديل الدستور، بما يضمن إفساح المجال أمام المستقلِّـين والحزبيِّـين الترشّـح في انتخابات رئاسية نزيهة وشفّـافة، وبعدها انتخابات برلمانية تعكِـس التنوّع الموجود في المجتمع وتكشِـف عن أحجام كل القوى السياسية على حقيقتها، دون تدخل.
 
وثالثا، استعادة الأمن في ربوع البلاد ووقف التَّـدَهْـور والانفِـلات اللذان باتا متكرِّرين في مناطق بعيْـنها، لاسيما، شمال سيناء وعلى الحدود مع قطاع غزّة تحديدا.
 
ورابعا، اتِّـخاذ خطوات محسوبة من أجل إعادة الحركة الاقتصادية في البلاد واستعادة جاذبِـيتها السياحية والاقتصادية مرّة أخرى.

قواسم من الشك
بيْـد أن الخُـطة على هذا النحو، والتي تتطلّـب قدْرا من الصّـبر الشعبي والعودة إلى الحياة الطبيعية تدريجيا والسماح بخُـطوات فعّـالة من أجل استعادة التَّـماسك والفاعِـلية في وزارة الداخلية وجِـهاز الشرطة ككُـل، لا تُـرضي فئات وجماعات عديدة تتحدّث جميعها بإسم الثورة ومُـنجزاتها، سواء عن حق أو عن باطل.
 
ورغم تعدّد التنظيمات والجماعات التي تعلن مِـلكيتها الحَـصرية للثورة الشبابية، فهناك قواسِـم مُـشتركة في المطالب وقاسم مُـشترك أكبر في أسلوب التحرّك، المتمثل في الاستمرار في تحريك الناس ودفْـعهم للنُّـزول إلى الشارع وإلى ميدان التحرير، وسط القاهرة تحديدا، والذي بات رمزا للحرية التي لا يُـقيِّـدها شيء بالمرّة، ومَـزارا لكل مصري تقريبا يريد أن يتبَـرّك بالثورة وأشهر مواقعها على الإطلاق.
 
ووراء هذه القواسم المُـشتركة، حالة من الشك التي يغذِّيها البعضُ في نوايا الجيش، رغم ما قام به بالفعل من حماية كامِـلة للمتظاهرين بعدَ جمعة الغضب (28 يناير الماضي)، حماية ساهَـمت في استمرار الاعتِـصام الجماعي في ميدان التحرير، حتى تنحَّـى مبارك مُـضطرا تحت ضغط الجيش نفسه، بعد أن تبيَّـن أن بقاء مبارك وعدَم استجابته لمطلب المصريين بالرّحيل، تزيد الوضع اضطرابا في كل الميادين، وخاصة ميدان الأمن القومي وحماية الحدود. 
 
التشكيك في نوايا الجيش يتمّ التعبير عنها بصِـيَـغٍ مُـختلفة، مثل النَّـقد لموقِـف المجلس العسكري الخاص بالإفراج عن المعتقَـلين السياسيين. فبينما أعلن الجيش أن هناك مراجعة تتِـم لكل المعتقلين حتى يكون الإفراج ذي طابع قانوني، يطالب الشباب الثائِـر ومعهم جماعة الإخوان المسلمين، بأن يتم الإفراج فورا ودون إبطاء. وبينما يدرُس المجلس العسكري مستقبل جهاز أمن الدولة، سَـيِّء السُّـمعة، التابع لجهاز الشرطة، يطالب الشباب الثائِـر بحلٍّ فوري للجهاز المشْـؤوم والمسؤول عن تعذيب المواطنين وتلفيق الاتِّـهامات وخلْـق المشكلات والأزمات.
 
وفي أفضل الأحوال، يأتي التشكيك في دفع الناس إلى التظاهُـر لأسباب فِـئوية ومطالب خاصة بكل مؤسسة، في حين يرى المجلس العسكري أن هذه المطالب الفِـئوية ستُـحَـلُّ تِـباعاً وأن المطلوب الآن، العودة إلى العمل وإدارة عجَـلة الإنتاج.

تشكيك في لجنة تعديل الدستور
أما أكثر المواقف تشكيكا في نوايا المجلس العسكري، فقد تمثَّـلت في عدم الترحيب بتشكيل اللجنة المُـختصّـة بتعديل الدستور، التي يرأسها قاضٍ مُـخضرم وهو أ. طارق البشري، وتضم في عضويتها أستاذ قانون دستوري من جماعة الإخوان المسلمين هو أ. صبحي صالح، الأمر الذي يعتبره كثيرون، موقِـفا قد يصُـبُّ في إنشاء دولة دينية وليست مدنية، ويعطي للإخوان وزْنا أكبر من أوزان قِـوى سياسية أخرى شاركت جميعها في الثورة.
 
يأتي عدم الترحيب هذا في وقت يعلَـمُ فيه الجميع أن هذه اللجنة تضُـم مجموعة من أكبر فقهاء القانون الدستوري في مصر وأن مهمَّـتها محصورة في تعديل مواد بعيْـنها، تتعلَّـق بانتِـخاب رئيس الجمهورية والإشراف على الانتخابات والجِـهة المنوط بها الفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب بعد انتِـخابهم، فضلا عن مدّة الرئاسة ورفع حالة الطوارئ، وبالتالي، فهذه التعديلات ليس من شأنها أن تُـحدِّد طبيعة ومستقبل النِّـظام السياسي ككل أو تضفي توجُّـها غير مدني على الحُـكم الجمهوري القائم أو تسمح بسيادة جماعة أو فِـكر معيَّـن على مؤسسات الدولة، ومن ثَـمَّ يبدو أن عدَم الترحيب بلَـجنة تعديل الدستور، ليس سوى ذريعة لممارسة ضغْـط شعبي على كلٍّ من أداء المجلس العسكري ولجنة تعديل الدستور معا، وذريعة أخرى للاستمرار في حشد الناس في الشارع.
 
ويزداد عدم الترحيب بلجنة تعديل الدستور لدى جماعات الشباب والأحزاب السياسية والكنيسة الأرثوذكسية بقيادة البابا شنودة، والتى ترفع شعار الدولة المدنية، في حين تجِـد اللجنة ترحيبا وتأييدا من جماعة الإخوان، التي تقدّر توجّهات طارق البشري ومواقفه السياسية.
 
ونظرا لما جاء من إشادة مشدَّدة من الشيخ القرضاوي للقاضي طارق البشري في خطبته المثيرة للجدل بميدان التحرير، فقد ثارت مخاوف من أن مصر قد تقع في أيدي الإخوان، والذين بدوْرهم يسعوْن إلى طَـمأنة مصر كلّها، بأنهم لن يرشِّـحوا أحدا للمنافسة على منصب رئيس البلاد ولن يرشِّـحوا أكثر من ثلث البرلمان وأن هدفهم هو المشاركة لا مغالَـبة، وتشكيل حزب سياسي جنبا إلى جمعية تهتَـم بالشأن الدعوي العام.
 
والحق، أن قلق الأحزاب والقوى السياسية مفْـهوم. فالجماعة هي الأكثر تنظيما وقُـدرة على الحشد والتعبِـئة، أما باقي الأحزاب والقوى السياسية، فحالها يدعو للرثاء والأسى، بما في ذلك الحزب الوطني الذي كان حاكما وبات الآن تائِـها في بحر الظلمات.

مطالب بدستور جديد
الجدل حوْل تعديل مواد محدّدة من الدستور، لا يمنع من المطالبات بدستور جديد يُـنشِـئ نظاما برلمانيا يحدّ من سلطات رئيس الجمهورية ويقوم على حرية تشكيل الأحزاب، والمنافسة المفتوحة للوصول إلى الحُـكم عبْـر صناديق الاقتراع ولا يمنع أيضا من مطالبة البعض بأن تُـرفع تماما في الدستور الحالي، بعد تعديله أو أي دستور جديد، أي إشارة للشريعة الإسلامية، باعتبارها أحد مصادر التشريع، وهي المطالب التي استنفرت قيادات دينية أزهرية، حيث شدّدت على أن تغيير هذه المادة تحديدا، قد يُـثير حربا أهلية في البلاد.
اصطياد الفاسدين
وبينما ينتظِـر الجميع التعديلات الدستورية ومدى إفساحها الفرصة الحقيقية للمُـستقلين للترشّـح في الانتخابات الرئاسية، تتوالى البلاغات على النائب العام، تطالب بالتحقيق في وقائع فساد وتربح واستغلال نفوذ والاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي بأبخَـس الأثمان، قام بها وزراء سابقون وعدد من كبار الصحفيين، مما أضاع على الدولة المصرية مليارات من الدولارات ومنَـح الفاسدين ثروات هائلة لا يستحقُّـونها.
 
وجاء أول الحصاد، في صورة حبس لأربعة من أشهر الشخصيات السياسية والوزارية لمدّة أسبوعين على ذمّـة التحقيق في وقائع غسيل أموال وتربح، وهم وزير الداخلية المُـرعب حبيب العادلي وأحمد عز، أمين التنظيم في الحزب الوطني (الحاكم سابقا) والمسؤول عن تزوير الانتخابات النيابية الماضية بكل فجاجة، ووزير السياحة زهير جرانة وأحمد المغربي، وزير الإسكان، المسؤولين عن نهب أراضى لأنفسهم ولأصدقائهم، بالمخالفة الصريحة لكلّ القوانين.
 
والطريف في الأمر، أن وزير الداخلية السابق، الذي طالما اعتقل أعضاء من جماعة الإخوان ولفَّـق لهم الاتِّـهامات، إذا به ينزل ضيْـفا على زنزانة بها اثنان من كِـبار أعضاء الجماعة المحبوسين على ذمّـة قضايا تتعلّـق بتمويل جماعة محظورة.
 
لكن، تظل رغبة المصريين مشدودة للتقارير الخاصة بثروة عائلة الرئيس مبارك، والتي تردّد أنها تتراوح بين 40 إلى 70 مليار دولار موزَّعة على عدد من البنوك الأوروبية وقصور وأسهُـم في شركات دولية. والكل يُمنى نفسه في أن تنجح الجهود المبذولة، والتي يقوم بها المجلس العسكري وتشارك فيها الولايات المتحدة ودول أوروبية، لاستعادة جزء معتبَـر من هذه الأموال المنهوبة، لتعود مرّة أخرى إلى الشعب المصري، صاحبها الحقيقي.
 

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com