بقلم: نجيب جبرائيل
لقد وصلنى العديد من الرسائل لكى اكتب فى مفهوم الدولة المدنية او مدنية الدولة وهل هناك تعارض بينهما وبين المادة الثانية من الدستور والتى تنص على ان مبادئ الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيس للتشريع وهل تسببت هذه المادة فى اشكاليات سواء لغير المسلمين او حتى للمسلمين انفسهم ولماذا هذه الضجة المثارة حولها ولماذا الاصرار من قيادات الدولة حول عدم الاقتراب منها وما هو البديل فى حالة الابقاء عليها . كل تلك اسئلة كان يجب علينا ان نجيب عليها .
بادئ ذى بدء نقرر انه حينما نتعرض لاشكاليات المادة الثانية من الدستور فاننا
لا يمكن بحال من الاحوال ان نتعرض للشريعة فهى عقيدة دينية لها كل الاحترام والتقدير انما نتعرض للمادة الثانية من خلال اطار قانونى ودستورى فالمفروض ان الدستور هو الاطار العام الذى من خلاله ينظم الشكل السياسى لليلاد ويؤكد مبادئ الحريات ويرسم النظام العام ويخاطب المشرع بالا يأتى بقانون يخالف احكام هذا الدستور وهذا ما اكده النظام السابق وايضا رموز النظام الحالى حينما كثر الكلام عن الغاء او تعديل المادة الثانية من الدستور والذين وصفوها جميعا وكان اخرهم فضيلة شيخ الازهر الدكتور / احمد الطيب انها من ثوابت الدولة وانها خط احمر لا يجوز الاقتراب منه وعلى ذلك كان لنا ان نطرح تلك الاسئلة التى تشغل الكثيرين ونجيب عليها ولنبدا
اولا : بتحديد مفهوم بمدنية الدولة :
كثر الكلام حول اعطاء تعريف الدولة المدنية فللاسف سمعت توصيفات كثيرة وكان اهمها ما دخل الى عقول كثير من الشباب بان الدولة المدنية تعنى فقط انتقال السلطة من الجيش الى حكام مدنيين دون ان يكون هناك مفهوم اخر للدولة المدنية وربما يؤخذ هذا فى الاعتبار عند تعريف الدولة المدنية ولكن مفهومها اكبر من ذلك بكثير بل هو يتسع فى المقام الاول ليشمل حقوق المواطنة ومنها المساواة والعدالة والحريات بشتى انواعها ومن ذلك الا تكون هناك قيودا سواء قيودا سياسية او دينية او متعلقة بحالة الطوارئ او بأنظمة شمولية تجور على هذه الحقوق فالدولة المدنية تعنى عدم تدخل قانون او دستور او عرف او دين فى الحد من حريات الافراد الاساسية وعلى سبيل المثال وليس الحصر : تلك الحريات المتمثلة فى حرية التعبير – الرأى – والتنقل – والاعتقاد والتملك وكافة الحريات التى مصدرها الاعلان العالمى لحقوق الانسان والمواثيق الدولية فهذا هو مفهوم الدولة المدنية فى رأينا وليس مجرد انتقال السلطة من الجيش الى اناس مدنيين .
ثم نأتى فى هذا المقال الى السؤال المطروح حاليا وهو هل هناك اشكاليات تسببها المادة الثانية من الدستور والتى تنص على ان مبادئ الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع وكما قلنا نعود لنذكر اننا هنا بصدد بحثا قانونيا وليس دينيا ولكن بالقاء نظرة اولية حينما نتكلم عن تلك المادة بانها المصدر الرئيس للتشريع فهذا يعنى انها تحجب اى مصدر اخر الا اذا كانت تريد الاستعانة به بمعنى اخر لا يمكن ان توجد تشريعات الا وان تكون مطابقة وغير مخالفة للشريعة الاسلامية حتى اذا كان لغير المسلمين حقوقا وحريات تتعارض مع مبادئ هذه المادة وحتى نبسط الامور للقارئ العزيز نسرد له بعض الاشكاليات المترتبة على هذه المادة فهى على النحو الاتى :-
- ما يترتب على المادة الثانية من الدستور من اشكاليات عند التطبيق العملى :-
• تعريف ما هو المقصود بمبادئ الشريعة الاسلامية المنصوص عليها فى المادة الثانية من الدستور .
لقد حسمت هذا الامر المحكمة الدستوريا العليا فى كثير من احكامها بان المقصود بمبادئ الشريعة الاسلامية هى الاحكام قطعية الثبوت والدلالة اى التى لا خلاف عليها ومن تلك الاحكام حكم المرتد فهو لا خلاف عليه بين جموع الفقهاء استنادا الى الحديث " من بدل دينه فاقتلوه "
وان كان هذا الحد لا يطبق عمليا على ارض الواقع الا انه حد لا يمكن انكاره وعلى ذلك فالمادة الثانية تترتب عليها الاشكاليات الاتية :-
الاشكالية الاولى : . ان تلك المادة تتعارض مع المادة الاولى من الدستور والخاصة بالمواطنة والمادة الاربعين الخاصة بالمساواة والمادى الستة والاربعون والتى تنص على كفالة حرية العقيدة فأعمالا للمادة الثانية من الدستور لا يمكن قبول شخص يتحول من الديانة الاسلامية الى اى دين اخر فلا يمكن استخراج اى اوراق ثبوتيه له وهذا ما ظهر جاليا فى قضيتى محمد حجازى وماهر الجوهرى بل لا يقبل حتى من كان مسيحيا ثم اسلم ثم عاد الى مسيحيته وهذا ما ظهر فى احكام محكمة القضاء الادارى وحيثياتها برئاسة المستشار / محمد الحسينى رئيس مجلس الدولى السابق والتى جاء فيها " وانه وان كانت حرية العقيدة مكفولة بالدستور بموجب المادة الستة والاربعون منه الا ان المادة الثانية من الدستور وهى تضع الاطار العام والتى لا يمكن مخالفته والتى لا تعتبر هؤلاء مرتدين واضاف فى حيثيات حكمه انه لا يمكن التحول من الدين الاعلى ............ " الى اخر ما جاء بحكمه المستفز .
وعلى ذلك فعطلت المادة الثانية من الدستور كفالة حرية العقيدة التى نصت عليها المادة 46 من الدستور وجعلت حرية الاعتقاد من جانب واحد فقط وهو التحول الى الاسلام .
- ايضا المادة الثانية من الدستور عطلت سريان القانون 100 لسنة 1985 والذى ينص على ان تنتهى سن الحضانة للصغير او الصغيره دون تفرقة بين القبطى او المسلم ببلوغهما خمسة عشرة عاما لكن هذا النص يتعطل تماما عند اعتناق احد الزوجين المسيحيين الاسلام وبالتالى يتم نزع حضانة الصغير قسرا من والدته حتى ولو لم يبلغ خمسة عشرة عاما ليتربى مع زوجه ابيه لان الصغير حسب القاعدة الشرعية التى تستند اليها المادة الثانية ويستند اليه القضاء لابد ان يتبع خير الابوين دينا وحتى لا يألف دينا غير الاسلام وكما تجئ فى عرائض المحامين لئلا يتردد الصغير على دور البيع والكنائس ويأكل ما حرم الله ويشرب ما حرم الله .
- المادة الثانية ايضا من الدستور وحسب ما خلقته من جو يعطى الفرص لكثيرين ممن يتلاعبون بالكفاءات والحريات وتمثل ذلك على ارض الواقع فى حرمان الكثيرين من شغل وظيفة مدرس او استاذ جامعى فى اقسام امراض النساء فى كل جامعات مصر فى طول البلاد وعرضها اذ لا يوجد قبطى واحد فى هذه الاقسام استنادا الى القاعدة الشرعية : " انه لا يجوز لغير المسلم ان يطلع على عورة المسلمة "
- المادة الثانية ايضا كان ضمن تبعاتها عدم جواز شهادة غير المسلم على المسلم فى مسائل الاحوال الشخصة كما هو الحال فى اعلام الوراثة حتى القضايا التى يكون طرفها مسيحيا ومسلما فى حالات التطليق للضرر التى ترفعها الزوجة المسيحية طالبة التطليق من زوجها الذى اشهر اسلامه فلا يقبل شهادة المسيحيين فى هذه الشأن انما تجبر الزوجة بان تأتى بشهود مسلمين ليشهدوا بالاضرار التى وقعت عليها نتيجة اشهار زوجها للاسلام وهجره لها ............... فتخيل كيف ذلك يحدث ؟
- والمادة الثانية ايضا خلقت جوا مفعما بالثقة والقدرة لدى ضعاف النفوس والذين يشغلون قيادات تعليمية وثقافية فجاءت المناهج لا تعبر عن ثقافة الاديان جميعها وانما لتكون فى الغالب الاعم احادية الجانب كما هو الحال فى كتب التاريخ وبعض الكتب الجامعية وكثيرين من برامج التليفزيون بل ظهر حتى فى العقد الاخير كتبا تزدرى الديانة المسيحية وربما لا يكون لتلك المادة دخلا مبا شرا فيها وانما لشعور اولئك الغلاه بانهم يستمدون هذه القوة من المناخ الذى خلقته هذه المادة .فرغم وجود قانون للعقوبات يعاقب لمن يزدرى دين من الاديان الا اننا طوال ثلاثون عاما مضت لم نجد جزاءا جنائيا واحد قد وقع على الكثير ممن ازدروا الدين المسيحى . وايضا نتساءل هل عدم ادراج قانون بناء دور العبادة الموحد لمدة اكثر من خمسة عشرة عاما وقانون حظر التمييز على اساس الدين هل تعطل بسبب تعارضه مع هذه المادة ام كان ذلك بسبب احداث توازنا خشية الصدام معها رغم ان علما ء المسلمين الاجلاء لا يعارضون مطلقا بناء الكنائس وكما قال فضيلة الامام الراحل شيخ الازهر الدكتور / محمد سيد طنطاوى بانه يود ان يرى فى كل شارع كنيسة ومسجدا .
- ثم نأتى الى نقطة هامة وهى هل يمكن للاغلبية ان تفرض دستورا او قانونا على الاقلية :-
للاجابة على هذا السؤال نقول ان الديمقراطية هى الاخذ برأى الاغلبية ولكن لا يمكن ان تضر الاغلبية بحقوق المواطنة حتى لو كانت للاقلية وايضا حسب القاعدة الشريعية حتى لو استندنا اليها والتى تقول :"انه لا ضرر ولا ضرار " وان العقد شريعة المتعاقدين ومصر قد التزمت وتعاقدت ووقعت على مواثيق دولية لحقوق الانسان تضمن حريات وحقوق جميع المواطنين بصرف النظر عن الجنس او اللغة او الدين .
- انه حتى لو افترضنا ان القاعدة هى حكم بما ترتضيه الاغلبية فالاغلبية بعد ثورة خمسة وعشرون يناير وهى المعبرة عن ارادة الشعب قد رفعت شعار الدولة المدنية بكل معانيها يعنى حكم الاغلبية الان و هو الدولة المدنية اما ما اجرته جريدة الاهرام القومية من استفتاء حول المادة الثانية هو تحريض على فتنة طائفية قد قدمنا بلاغا الى النائب العام لتقديم رئيسها الى محاكمة عاجلة .
- طيب وما هو الحل فى ظل جوا محتقنا مستغل من تيارات متطرفة تحاول ان تذهب بثورة شباب الخامس والعشرين من يناير النبيلة وذلك بتغليب التوجه الدينى فلا تنظر المواطنة الا من جانب واحد . ونحن بطبيعة الحال مع استقرار الوطن ومع عدم اعطاء فرصة لمن يحاول الاستفزاز ومع ايماننا الكامل بمفهوم الدولة المدنية التى يجب ان يأتى دستورها خلوا من اى مواد ذات صبغة دينية الا انه حتى تنضج افكار الثورة ونرتفع جميعا بمفاهيمها السامية نريد ممن يرفعون الافتات الحمراء بعدم الاقتراب من المادة الثانية من الدستورة نقول لهم نحن مع المادة الثانية طالما انتم مصرون عليها لكن ما هى ضمانات المسيحيون واليهود والبهائيين و الا دينين اليسوا هم جميعا مواطنون يتمتعون بالجنسية المصرية فكما عليهم واجبات ايضا لهم حقوق نوجه هذا السؤال الى فضيلة الامام الاكبر احمد الطيب شيخ الازهر والذى صرح بان المادة الثانية من الدستور تعتبر من ثوابت الدولة خطا احمر لا يجوز الاقتراب منها وايضا اللجنة المكلفة بتعديل الدستور نقول لهم اين ضمانات غير المسلمين و لا نريد مجرد عبارات انشائية او مجاملة ولكن نريد مواد قانونية محددة وحاسمة وفى اطار زمنى لتحديد قوانين مكملة للدستور وعلى سبيل المثال نريد :-
1- اصدار قانون بناء دور العبادة الموحد .
2- اصدار قانون يجرم التمييز على اساس الدين .
3- اصدار قانون يكفل حرية الاعتقاد الى كافة اتباع الاديان .
4- اصدار قانون يجرم ازدراء الاديان .
• نحن ننتظر الرد سريعا واذا لم يتم الرد فلا يلومنا احد من سلوك كافة الطرق الشرعية والقانونية بما فى ذلك كافة الحقوق الانسانية .
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com