بقلم: مينا ملاك عازر
بعد أن قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير، كنت أشك في نجاحها، وما أن انتصرت الثورة في النهاية بالإطاحة بالرئيس "مبارك" وتلبية أعلى سقف في مطالبها، ومن بعده حل مجلسي الشعب والشورى، ثم تغيير الوزارة- بدأت سيول الإتهامات تنهمر على الكثيرين من رجال النظام الغابر، وأخذ الكل يتبادل الإتهامات والتخوينات، ومن كان في المعارضة يقولون له إنه كان معارضة منظر، ومن كان مع النظام- وكنا نظن فيه الطهارة- قالوا أنه فاسد مستتر!! حتى صار كل منْ كان يعمل مع النظام الفاسد محله من الإعراب الوحيد هو "فاسد" مستتر أو مستعلن تقديره مسئول في النظام السابق، حتى طالت الإتهامات المستشار "عبد المجيد محمود"، ووزير العدل، ورئيس الوزراء الحالي الفريق "أحمد شفيق"، ولم يسلم للآن– والحمد لله على ذلك- من إتهامات الفساد إلا المشير "طنطاوي"ن رغم إنه من النظام السابق.
وبناءًا على ما تقدَّم، صرت أتخيَّل أن الثورة لم تكن ثورة على النظام السابق، وإنما ثورة شك! فصرت أشك في الجميع، وأكاد أشك فيك وأنت مني، وصرت أشك في نفسي يا جماعة.. فقد أكون من النظام السابق ولم أكن أعلم! أو فاسدًا أو مرتشيًا! وبدأت أحاسب نفسي؛ فتذكرت إنني سبق لي وتقاضيت رشوة من أمي تمثَّلت في ابتسامة رقيقة كي أوافق لها على أن تطبخ كِشك وأنا لا أحبه.. وتذكَّرت أيضًا أن ثروتي قد تضخمت مئات الجنيهات بعد أن عملت عمليات غسيل أموال، فقد أخذت مائتي جنيه مصري من عمتي، وفكتهم لها بمائة تسعة وتسعين جنيه؛ لأنه لم يكن معي جنيه لأتممهم مائتي جنيه.
بجد يا جماعة، أنا بقيت قلقان موووووت على نفسي وعلى من حولي، حتى أصبحت أشك أنني حي، فقد أكون ميتًا ولكنني بأستعبط عشان أأخد مميزات الأحياء من الحق في التنفس والأكل والشرب والتفكير.. وكلما وثقت في أي مسئول، وشعرت أنه صمام الأمان بالنسبة لي، أكتشف إنه فاسد وستين فاسد، وتنهال عليه الإتهامات، وإنه اشترى أرضًا وباعها، واشترى ميه وباعها، واشترى نفسه وساب البلد.. ولم أكن أتخيَّل أن الكل فاسد. وأنا لست أعتقد أن ثورة الشك، أقصد ثورة خمسة وعشرين يناير، قامت على نظام راحل ولا نظام فاسد، وإنما نظام للفساد بل نظام ينظِّم الفساد.
يا قوم، هل من هُدنة نلتقط فيها الأنفس، ولو لليلة واحدة ننام فيها ونستيقظ لنجد عدد المتَّهمين والمشكوك فيهم وفي ثرواتهم لم يزيدوا واحد، وإلا- أخشى إننا- سنستيقظ ذات صباح لنجد "مصر" كلها بلد للفساد، وليس بلد حَكَمه نظام ينظِّم الفساد. أنا لا أجد واحد أطمئن له، وأخشى أن أطمئن لواحد فيُكتشف أمره، فأتصدم فيه، وفي خيبتي إللي ما خلتنيش أعرف إنه هو كمان فاسد. فلم يعد المستشار "عبد المجيد محمود"- النائب العام- مضمون، ولا رجاله، ولا رجال القضاء، ولا الأجهزة الرقابية، وحتى المواطنين أنفسهم قد نشك فيهم!! وأحدهم شكَّك لي في واحد من أكثر من قدَّموا بلاغات للنائب العام، وقال لي: انسى هذا، إنه كمعارض صنيعة النظام الفاسد الذي يهاجمه.. انسى، لإن هؤلاء الوزراء الذين يُبلغ عنهم، طالما أكل معهم على مائدة واحدة، ورقص بالقلم ليرضيهم.
المختصر المفيد، وقفت بين شطين على قنطــــــــــــــــــرة
الكدب فين والصدق فيـــــــــــن يا تري
محتار ح أموت.. الحوت خرج لي وقالي
هو الكلام يتقــــــــــــاس بالمســـــــــــطرة
عجبي !!!
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com