بقلم: هاني رمسيس
الثورة .. كلمة لها وقع خاص فى ضمير المصريين ، جعلت من 25 يناير 2011 حدثاً حتمياً و دراما قدرية خاصة ؛ فهى فى كتب التاريخ و فى رقوق الحفائر وعلى وجوه المومياوات ، منقوشة على الجدران فى المعابد و الكنائس و المساجد . تتراقص على أوتار الربابة فى حكايات أبى زيد الهلالى ، تسكن المواويل و تقتحم خيال الأطفال و هم جلوس فى مدارسهم . هى رسالة الأنبياء و الأولياء و القديسين ، مدفونة فى وجدان الكهول ، ثائرة فى نفوس الشباب . هى حديث السمر فى ليالى القمر بين الفلاحين . هى دائما تراود أحلام العذارى . هى غضب البحر و فيضان النيل و شموخ النخيل .
لكل هذا و أكثر ظهر ميدان التحرير كمعبد فرعونى ، بجدرانه و مسلاته ينادى من يملأها نقشاً بالحروف و الرسوم و النغمات .
الكل يبحث كيف يكون جزءاً من التاريخ ، تراوده صورته المستقبلية التاريخية أمام عينيه و يستشرفها فى أعين الأحفاد و بين شفاههم ، فكان من ثار و من شجع و من صفق و من شاهد و من سجل و من صور و من كتب و من غنى و من عالج و من صرخ و من بكى و من هتف و من أطعم و من حلق للناس مجاناً و من وقف أمام الدبابة ملوحاً بعلامة النصر ليلتقط صوراً تذكارية .
وكان من نادى إلي الثورة و من أشعلها و من بدأها و من ركب على موجتها و من استغلها و من استفاد منها و من راقبها تنضج و من حاول قطف ثمارها .
الكل فى الصورة ينظر نحو الكاميرا ، لكن عند التدقيق تجد كل عين تنظر فى إتجاه مختلف ، فليس كل من فى الصورة قد ثار ، و ليس كل من ثار قد ثار لنفس أسباب ثورة الآخرين .
ثمة نوع من الصمت الملفوف فى الخوف و الممزوج بالأمل ، يخيم على الصورة ، أمل الليبراليين فى خلق وطن ليبرالى و قلق الأقباط من تمكن قوة إسلامية راديكالية من حكم مصر ، يوازيها أمل و طاقة متفجرة داخل جماعات الإسلام السياسى للتسلط و فرض أجنداتهم .
بالوقت تتضح الفوارق أكثر فأكثر ، فلابد من لون أن يتفوق على الآخر ، فمصر الآن فى حالة شد بين دعاة المدنية و دعاة الرجعية ، بين قوى الليبرالية و قوى الفاشية الدينية ، و بالوقت قصر أو طال فحتمية الصراع بين الطرفين لابد منها .
و لأن حبة الحنطة إن لم تمت فى بطن الأرض لا يمكن أن تنبت و تعطى ثمراً ، هكذا مصر و هكذا كانت الثورة المصرية حتمية الحدوث عاجلاً أم آجلاً .... لكن السؤال : هل الثورة هى مرحلة الإنبات أم مرحلة الموات .... هل هى الخلاص أم ننتظر ثورة أخرى ... هذا ما سوف تجيب عليه الأيام القادمة.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com