بقلم عادل جرجس
لم يعد من اللائق بعد أو المقبول التغني والترويج لملائكية " انقلاب القصر " الذي حدث في 11 فبراير وأطاح بالرئيس السابق حسنى مبارك والتعامل مع هذا الانقلاب على انه ثورة الشباب المباركة التي لا يأتيها الباطل من أمامها أو خلفها بعد ما آلت إلية الأمور من فوضى منظمة و ممنهجه تتخذ مما يطلق عليه مجازاً " ثورة 25 يناير " غطاء لها تتستر من خلفه لإشاعة الفوضى تمهيداً لتفكيك الدولة وانفراط عقدها، وقد استحدثت تلك القوى التي تسعى إلى خراب البلاد فزاعه جديدة تم الدفع بها للاختباء خلفها ألا وهى فزاعة " الثورة المضادة " .
وبعيداً عن التهويمات الانفعالية والهلع الثوري فإن قراءة الواقع قراءة دقيقة ومتأنية تكشف لنا عن الكثير من المنعطفات الخطيرة والمدمرة داخل تلك الثورة وفى مقالي هذا لن ألجأ إلى التحليل أو الاستنتاج وسوف أؤجل ذلك إلى مرحلة تالية ولكني فقط سوف اكتفى برصد الواقع بعبارات تلغرافية دون إسهاب حتى تتضح الفكرة وتكون أساساً يصلح للبناء علية في هذه السلسلة من المقالات مع الأخذ في الاعتبار شرعية طرح بعض الأسئلة التي قد تبدو مخيفة ولكنها تخرج الرؤؤس من الرمال ومن المفيد قبل أن أبدأ في الطرح التأكيد على بعض الثوابت وهى :
ــ لست من المتعاطفين مع النظام السابق بل أحسبني من معارضيه وأحيانا كثيرة كنت من مهاجميه ومقالاتي في هذا منشورة وموثقه
ــ ثورة 25 يناير لم تتضح بعد معالمها ومن ثم فلا يمكن الوقوف إلى جانبها أو ضدها ولكن يمكن الاختلاف أو الاتفاق مع مجرياتها مرحلياً وإن كان الاختلاف هو سيد الموقف
ــ لا يعنى نقد الثورة الترويج للنظام المخلوع وإعادة أحياءه وتعبير الثورة المضادة ما هو إلا كما ذكرت غطاء يتم تمرير مخططات خراب الوطن من تحته .. ولأن الثورة لم تنضج بعد فيكون من السفه القول بوجود ثورة مضادة لثورة غير مكتملة
ــ لا يمكن اعتبار مقالي هذا وما سوف يليه من مقالات هو أسلوب جديد للثورة المضادة المزعومة فمحصلة 25 يناير حتى الآن حالة من الفوضى المتوالية والمتتالية وهو ما يجب الاختلاف معه ولا يستطيع مريدو الثورة وحملة مباخرها وقارعي دفوفها غسل أيديهم من تلك الفوضى بل يتوجب عليهم تحديد موقفهم منها وبصراحة ووضوح تام بعيداً عن تبريرات القلة المندسة والمخططات الخارجية وفلول أمن الدولة والحزب الوطني فهذه كلها من ألاعيب النظام القديم والتي تحصنا ضدها جميعاً وغير مقبول أن نرضى بالفوضى بديلاً عن فساد النظام فلن نستجير من الرمضاء بالنار
ــ لا يمكن بأي حال من الأحوال تثمين الثورة لأنها أسقطت النظام فبداية فإن النظام لم يسقط بعد ـ ولهذا حديث منفصل ــ وخلع الرئيس ما هو إلا " نيو لوك للنظام " ومحاكمة بعض الفاسدين ما هي إلا عملية تقديم بعض القرابين من النظام على مذبح " ميدان التحرير " طلباً للغفران من جماهير الميدان عن ما كشف من خطايا هذا النظام وفى النهاية فإن خلع الرئيس كما ذكرت تم من خلال " انقلاب قصر" استغلت فيه جماهير الميدان وعناصر أخرى لإنهاء عملية الخلع
ومن منطلق تلك الثوابت يمكن قراءة ورصد ما يحدث في هذا الوطن بعد أن ضرب بأحداث 25 يناير تلك الثورة التي ولدت مبتسرة وبدون رأس وفشلت محاولات أكمال نموها بوضعها في حضَّانة ميدان التحرير أطول فترة ممكنه على النحو التالي :
ــ أقر الجميع إن بداية أحداث 25 لم يكن متوقعاً لها أن تنتهي إلى ما انتهت أية
ــ الرابعة عصراً من يوم 25 يناير اختفت القوى التي كانت تسيطر على المظاهرات وتم إحلالها سريعاً بقوى أعنف وحشود أكبر
ــ حدث ما حدث من أحداث وتم احتلال الميدان من قبل المحتجين وكانوا يطلقون العديد من الشعارات وكان أهمها " مدنية .. مدنية " في مواجهة التيارات التي كانت تحاول أطلاق هتافات دينية
ــ تم خلع الرئيس وجرت في النهر مياه كثيرة واختفت عبارة " مدنية .. مدنية " ليصبح الحال " دينية .. دينية "
ــ يتم التشدق بعهد جديد للحرية عهد يقوم بإقصاء كل منتقدي تلك الثورة بل يتشفى فيهم ويمثل بهم والحرية الوحيدة المسموح بها هي حرية تنامي التيارات الإسلامية واستحضار كل كوادرها من المعتقلات والزج بهم إلى الحياة السياسية والتلميع الإعلامي السريع والمتلاحق لتلك الكوادر والرموز
ــ من حريات العهد الجديد قهر ونفى كل مطالب بحق ــ غير أسلامى ــ بحجة أن الوقت غير مناسب لتلك المطالب وأن علينا أن نعيد بناء الوطن أولاً دون أن يسأل أحداً عن من المتسبب في انهيار الوطن وتخريبه حتى يعاد بناءة
ــ " الآن " كان هو السقف الزمني الذي حدده المحتجون لكل مطالبهم في ميدان التحرير فالرئيس يجب إن يرحل ألان والحكومة يجب أن تقال الآن وأمن الدولة يجب أن يفكك الآن .. الخ فلماذا لا تجاب المطالب الفئوية الآن أليس أصحاب تلك الفئات هم من قامت من أجلهم الثورة ؟ أليس هؤلاء ــ من المفترض ـ أن يكون تحقيق مطالبهم على رأس قائمة أولويات الثورة ؟ تصريح د . يحي الجمل ( وله كل الاحترام والتقدير ) مؤخراً بأن على الجميع أن يعمل أولا قبل أن يطالب بحقه لأنه " ما فيش حاجه في جيبي ها أديها لك " أليست تلك العبارة كانت تتردد كثيراً على لسان الرئيس المخلوع " ها جيب لكم منين " فما الجديد أذن ؟
ــ " الحفاظ على مكاسب الثورة " عبارة هلامية فشلت في أن أجد لها تفسيراً على الرغم من أن الجميع يبدوا حريصين على تلك المكاسب الزئبقية غير محددة المعالم فهل ألاعيب طارق البشرى الدستورية من ترقيع للدستور، والفراغ الأمني والفوضى وإقصاء الأخر ونفيه وعلى أحسن الأحوال تهميشه وديكتاتورية المتثورين ـ مدعى الثورة ـ واستبدادهم في مواجهة كل من خالفهم هي تلك المكاسب ؟
ــ الجيش .. علامات استفهام كثيرة وكبيرة تطرح نفسها على أداء الجيش في قيادة تلك المرحلة الحرجة بداية من تسليم ميدان التحرير للشيخ يوسف القرضاوى و أطلاق الرصاص على رهبان دير الأنبا بيشوى وتشكيل لجنة تعديل الدستور من إسلاميين لهم توجهات ضد الدولة المدنية وعدم التدخل في إيقاف أو حتى التصدي لهدم كنيسة أطفيح وترك حل المشكلة لمجلس علماء من السلفيين دون تفعيل للقانون وتعقب لمن قام بالهدم واعتقال متظاهرين أقباط بحجة خرق حظر التجول المخترق أساساً هذا بخلاف عدم السيطرة على أحداث المقطم وتركها تتفاقم
ــ هناك مؤامرة على الدولة المدنية تظهر لكل ذي عينين وهناك استحواذ لقوى دينية أسلامية لمقدرات الأمور في الوطن ويشارك في هذه المؤامرة أقباط يسعون لإيجاد موضع قدم في تلك الدولة الدينية سواء كانوا من الداخل أو من الخارج يعزز هذا الرأي ما نادت به قوى قبطية من عدم المساس بالمادة الثانية من الدستور مع استحداث نص دستوري ينطوي على أحقية غير المسلمين في أن تكون لهم مرجعيتهم الدينية .. فالجميع هنا أتفق على ما يعرف اعتباطا بدولة مدنية بمرجعية دينية وهى أشبه بمن ينادى بأن الذكر البشرى يلد ويبيض .
أخيراً أين الملايين التي هتفت في ميدان التحرير " مدنية .. مدنية " الإجابة .. بخ
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com