ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

إذا كنت لا تستحي يا علي عبدالله صالح

د. عبد الخالق حسين | 2011-03-22 09:30:42

بقلم: د. عبدالخالق حسين
يقول المثل: (إذا كنت لا تستحي فافعل ما تشاء). وهذا المثل ينطبق بكل وضوح على الرئيس اليمني، علي عبدالله صالح. فقد ارتكبت قواته الأمنية يوم الجمعة الماضي المصادف، 18/3/2011، مجزرة رهيبة ضد متظاهرين مسالمين، غير مسلحين، في ساحة التغيير في العاصمة صنعاء، من دون أن  يقوم المتظاهرون بأية أعمال تسيء للأمن، فراح ضحيتها 52 قتيلاً، وإصابة 617 آخرين، وتعرض 347 شخصا لحالات تسمم نتيجة استنشاق الغازات المسيلة للدموع. وفي يوم التالي (السبت) أصيب خمسة أشخاص في عدن برصاص الشرطة. ونتيجة لهذه الأحداث الدامية أعلن الرئيس اليمني حالة الطوارئ في البلاد لثلاثين يوما.

وكما أفادت الأنباء، أن القناصة القتلة كانوا بملابس مدنية، احتلوا سطوح الأبنية المجاورة لمكان التظاهرة في ساحة التغيير، وبدؤوا بإطلاق الرصاص على المتظاهرين. والفضيحة أن الحكومة أعلنت بكل صفاقة أن قواتها بريئة من هذه المجزرة، وأنها لا تعرف الجهة التي أطلقت الرصاص!!.

كما وظهر الرئيس اليمني، علي عبدالله صالح على وسائل الإعلام، نافياً بكل صلافة تورط شرطته في هذه المجزرة ومسؤوليتها عن إطلاق النيران، مدعياً أن الشرطة كانوا غائبين عن المكان!!. ربما هذا العذر (غياب الشرطة) كان زلة لسان، إذ السؤال هو: لماذا تغيبت الشرطة عن المكان وفي ذلك الوقت بالذات، رغم أن من صلب واجباتها هي حماية الناس وممتلكاتهم؟ أليس من واجب الأجهزة الأمنية أن تكون حاضرة في مثل هذه المناسبات لأداء واجباتها الأمنية؟ إن هذا التصريح يدل على أن غياب الشرطة كان مخططاً عن قصد سيئ مسبقاً، لتوفير هذا العذر الباطل، بل وتكليف الشرطة نفسها بالمجزرة وبملابس مدنية، ومن ثم إلقاء اللوم على المتظاهرين أنفسهم أو على جهات مجهولة!!.

ولم يكتف الرئيس الهمام بنفي تورط أجهزته الأمنية بهذه المجزرة، بل راح يذرف دموع التماسيح، معلناً الحداد على أرواح الشهداء، إذ كما جاء في تقرير بي بي سي: "أعلن الرئيس علي عبد الله صالح الأحد يوم حداد وطني على من سمّاهم شهداء الديمقراطية، بينما ينتظر أن تشيع اليوم (الأحد) جثامين القتلى الـ52 الذين سقطوا برصاص مسلحين في ساحة التغيير يوم الجمعة".
 
لا أدري من الذي يريد أن يقنعه الرئيس اليمني ببراءته من هذه المجزرة؟ فالعملية واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار، والمرء لا يحتاج أن يكون عبقرياً، أو متخصصاً بعلم الإجرام ليعرف الجهة وراء هذه المجزرة. وهذا دليل على أن الحاكم المستبد الجائر لا بد وأن يكون غبياً، وإلا لما قام بهذا الظلم، ولما تورطت قواته بالجريمة، ولا قدَّم تصريحات كاذبة مثيرة للضحك والبكاء في آن.

لقد هزت الجريمة الضمير العالمي، بل وحتى ضمائر أعضاء من حكومة صالح نفسها، حيث قدم ثلاثة وزراء وممثل اليمن الدائم في الأمم المتحدة، استقالاتهم من مناصبهم، احتجاجاً على الجريمة المروعة.
كما وأعلن قادة في الجيش اليمني، وعدد من الساسة وشيوخ العشائر انضمامهم إلى الاحتجاجات المتصاعدة المطالبة بتنحي الرئيس عبد الله صالح، رغم إقالته الحكومة الأحد في محاولة لتهدئة الوضع.

وهذه الاستقالات هي بداية النهاية لحكم صالح وسقوط نظامه كما سقط من قبل أمثاله من الحكام العرب، والبقية تأتي. والغريب أن الرئيس صالح، بدلاً من أن يتعلم من تجربة حسني مبارك ويتجنب أخطاءه، قام بتقليده وإعادة أخطائه. فعندما هبت العاصفة عليه، قام مبارك بإقالة حكومته على أمل امتصاص غضب الجماهير وتهدئتها، بينما كانت الجماهير غاضبة عليه هو بالذات وعلى حكومته. والآن قام علي عبدالله صالح بذات الإجراء، فأقال كل حكومته، لإلقاء اللوم على الآخرين، وتبرئة نفسه من الآثام، لذلك لا بد وأن تكون النتيجة ذاتها التي انتهى إليها مبارك.

كان بإمكان الرئيس علي عبدالله صالح أن يدخل التاريخ كمصلح سياسي مجدِّد، قدم خدمات جليلة لشعبه، ومثالاً يحتذىَ به لو وفّى بوعده الذي أعلنه عام 2006 لشعبه بعدم رغبته بترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة في تلك السنة. ولكنه بعد أيام قلائل تراجع عن وعده، وكعادة الطغاة في مثل هذه الحالات، ادعى أن الجماهير هي التي ألحت عليه بالبقاء في الحكم. أجل، لو كان صالح يتمتع بذرة من الفطنة والذكاء والضمير، لأعلن ذلك الوعد قبل ذلك التاريخ بسنوات، والتزم به، وقام بنفسه بتهيئة الظروف المناسبة للانتقال السلمي التدريجي بالبلاد إلى الديمقراطية. ومن هذه الإجراءات: السماح بتشكيل الأحزاب، ومنظمات المجتمع المدني، وأجراء تعديلات جذرية مطلوبة على الدستور، وإصدار قانون الأحزاب والانتخابات...الخ، قبل حصول الانفجار الشعبي. ولو عمل كل ذلك قبل فوات الأوان، لوفر على شعبه ونفسه الكثير من الآلام والدماء والدموع، وقدم نفسه لشعبه وللعالم كمصلح كبير. ولكن، وكما قيل: الطبع أقوى من التطبع، فهكذا حاكم أدمن على الحكم، من المستحيل أن يتخلى عن الكرسي بمحض اختياره وإرادته الحرة.

ومازال هناك فرصة أمام علي عبدالله صالح أن ينقذ ماء وجهه ويوفِّر على شعبه الكثير من الويلات. ولكن شخصاً مستبداً كهذا، من المستحيل أن يستمع إلى صوت العقل، فمن دخل التاريخ بالقوة لا بد وأن يخرج منه بالقوة، ملعوناً مدحوراً وإلى مزبلة التاريخ.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com