بقلم: د. حمدي الحناوي
عندما أجبر الرئيس السابق على التنحى هتف الثوار: "الشعب خلاص أسقط النظام". كان هذا تعبيرا عن براءة لا تفرق بعد بين النظام ورأس النظام. وبالفعل ورد الفعل تبين الخطأ، وبدأ اكتشاف المجهول، وعبرت عن ذلك فى حينه مطالب تنحى وزارة شفيق، وحل جهاز أمن الدولة. وحين جاء الدور على تغيير الدستور، كان أسلوب المعالجة الثورية قد انتهت مدة صلاحيته، إذ كان يستحيل البقاء فى ميدان التحرير لأجل غير معلوم.
كانت لجان الحكماء فيما قبل التنحى، إعلانا عن أن الثوار ليس لديهم برنامج واضح، وكأنما كانت مهمتها سد هذا النقص. وقد انتهت صلاحية تلك اللجان بدورها، وظلت الثورة بلا برنامج واضح. هنالك بدأ تشكيل الائتلافات، من مجموعات تختلف رؤاها وأهدافها، وتلتقى فقط حول كلمة الثورة، شعارا بلا مضمون. وظلت براءة الثوار لا تفرق بين الثورة وبين أدواتها، حتى رأينا مجلس أمناء يضم شيخا من السلفيين.
لم يكن تباين الأهداف يؤرق الثوار، فاعتبروا كل من اعتصم فى ميدان التحرير ثائرا، ثم شمل ذلك كل من زار الميدان بعد ارتفاع المد الثورى واطمئنان القلوب. وحين أعلن الجيش تآزره مع المعتصمين، صار حامى حمى الثورة. وبذلك اختزلت الثورة فى أداتها وصار الاعتصام بذاته هو الثورة، وكان طبيعيا أن تنتهى الثورة بانتهاء الاعتصام. وبهذا فتح الباب الذى دخلت منه نعم فى الاستفتاء الأخير، وهو الباب الذى ستنتقل منه السلطة، ربما إلى تحالف من السلفيين والحزب الوطنى والإخوان.
لم تكن "نعم" فى الاستفتاء تعبر عن تلك التيارات بالذات، بل كانت تعبيرا عن هياكل النظام القديم التى بقيت سليمة، دون خدش واحد. ويستطيع الجيش أن يقول أنه لم يكن مجرد شريك فى الثورة، بل كان الشريك الأكبر، والدليل يقدمه لنا ما يجرى الآن فى ليبيا. والحقيقة أنه بهذه الدلالة وحدها تسقط الدعوى، فالشركة لم تنشأ بإرادة أطرافها، فكانت من النوع الذى يسمى شركة الواقع، تكونت مثلما تكونت من قبل شركات واقع كثيرة مع مستر "إكس"، وبوجودها تحصل على الاعتراف بغض النظر عن كيفية تشكيلها.
منذ أعلن الجيش انحيازه للثوار ظل يستخدم لغة غامضة تقول أنه يؤيد المطالب الشرعية للثوار. وبقى سؤال صامت عن نوعية المطالب غير الشرعية، ظل مؤجلا إلى أن أبلغنا برفض مطلب إسقاط الدستور القديم بموجب الشرعية الثورية، ورفض تشكيل مجلس رئاسى، أو إجراء انتخابات الرئاسة أولا. وما زلنا نكتشف المطالب غير الشرعية واحدا وراء الآخر. ولا عجب فالشريك الأكبر لا بد أن يكون صاحب القرار، وقد شرح لنا رجاله نوعا من الديمقراطية، أسميها ديمقراطية الاستماع. وهى تلزم صاحب القرار بأن يستمع لكل الآراء واتخاذ قراره بعد ذلك حسبما يرى.
هذه قمة الديمقراطية، لأنها بلغة السلفيين والإخوان وآخرين، هى الشورى التى أوصى بها الله. وقد أوصلتنا إلى التزام لا نفلت منه، هو الالتزام برأى الأغلبية التى قالت نعم لهذا الطريق، وأعادتنا إلى الشرعية الدستورية القديمة. هكذا ناور الجيش ببراعة، ليبدو أن الشعب قرر مصير الثورة. وقد فهم الشعب الثورة باعتبارها الإطاحة بالرئيس، وهى خطوة ليست كافية لكنها لا تقل أهمية عن إسقاط الملكية. وأنا واثق أن الثورة ستكتمل على أى حال، والمهم أن نفرق بين الثورة وبين
أدواتها، وأن نحرص ألا يعود حكم ديكتاتورى جديد فى ثياب ديمقراطية.
أقول هذا وقد ظهر إعلان عما قد يكون بداية عصر الإرهاب الجديد، إذ يجرى الآن التحقيق مع نائب رئيس الوزراء، بتهمة العيب فى الذات الإلهية.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com