ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

دفاعاً عن المسيحيين في العالم العربي

| 2011-03-31 10:12:58

بقلم: باسم سرحان
صراحة أشعر بالخجل وأنا أكتب عنوان هذا المقال لأن المسيحيين في العالم العربي، العرب منهم وغير العرب، يجب ألا يكونوا بحاجة إلى من يدافع عنهم. فالعرب منهم ينتمون إلى القومية ذاتها، وغير العرب مقيمون منذ آلاف السنين في المنطقة العربية مع وجود مستمر من دون انقطاع في ظل العصرين الأموي والعباسي وفي ظل الإمبراطورية العثمانية، وصولاً إلى الدولة القـُطرية العربية التي تأسست مطلع القرن العشرين. ولهذا كله أشعر بأن لا حق ولا فضل لي كعربي مسلم في أن أدافع عن حقوق المسيحيين العرب وغير العرب ولا عن حرياتهم الدينية والسياسية أو عن حقوقهم الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

لكن الأحداث والاعتداءات المتفرقة المتلاحقة والمتنقلة من بلد عربي إلى آخر الواقعة على المسيحيين في العالم العربي، والتي تفتعلها وترتكبها جماعات إسلامية ظلامية متخلفة وذات فكر متحجر يرى العالم بمنظور تعصبي أعمى ويقسم العالم إلى دار إيمان ودار كفر أو دار سلام ودار حرب، تفرض عليّ كما تفرض على كل عربي مسلم أن يتصدّى فكرياً لهذه الجماعات وأن يدين أفعالها. فإن هذه الجماعات تهدّد بتمزيق النسيج الاجتماعي القومي والوطني في معظم الدول العربية، ولا سيما في العراق ومصر والأردن ولبنان وسوريا. كما أن النهج الذي تتبعه هذه الجماعات يهدّد بتعريض الأمن العربي بمجمله للخطر لأنه يفتح الباب أمام التدخل العسكري للقوى الغربية من ناحية، وأمام تقسيم العديد من الدول العربية إلى دويلات طائفية ضعيفة ما يتيح لإسرائيل أن تصبح الدولة الوحيدة المتماسكة في المنطقة والقادرة بالتالي على حكم المنطقة سياسياً ونهب خيراتها. أما الجانب الأكثر خطورة في هذه الاعتداءات فهو أنها تحوّل مجرى الصراع الجوهري والتناقض الرئيسي في العالم العربي من صراع ضد الحركة الصهيونية العالمية وضد الوجود الصهيوني في فلسطين إلى صراع داخلي ثانوي يخدم إسرائيل ويعزز وجودها وقوتها.

لماذا المسيحيون
أما السؤال الرئيس الذي نطرحه على الجماعات المتطرفة الإسلامية التي تعتدي على المسيحيين في العالم العربي وتجعلهم هدفاً لنشاطها الإرهابي الهدّام فهو: ماذا فعل المسيحيون العرب وغير العرب ضد العالم العربي كي يصبحوا هدفاً للعدوان؟ وهل المسيحيون في العالم العربي قوى هدم وتخريب أم قوى بناء وخير؟ الجواب بالنسبة إلينا عن هذا السؤال واضح. فالمسيحيون العرب كانوا على الدوام في طليعة حركة الاستقلال العربية، ثم حركات التحرر الوطني العربية، ثم حركة القوميين العرب وحزب البعث وحركة اليسار العربي. إن المسيحيين العرب ليسوا أقل وطنية من المسلمين العرب، وليسوا أقل إخلاصاً وولاء للأمة العربية من المسلمين العرب. ونحن نؤكد أن الانتماء الوطني هو معيار المواطنة وليس الانتماء الديني والمذهبي. وعلى أساس هذه القاعدة يتساوى المسيحي العربي مع المسلم العربي مساواة تامة في الحقوق والواجبات كلها.

ونحن نرى أن الجماعات الإسلامية المتشددة والمتخلفة تخوض حروب القرون الوسطى وما قبلها، ولا تخوض صراعات العصر الحاضر، وهي بهذا تخلق أعداء وهميين لأنهم ليسوا بأعداء بل هم جزء لا يتجزأ من الوطن العربي ومن المجتمع العربي. إن هذه الجماعات تخلق فتناً داخلية تستنزف طاقات الأمة العربية ومواردها من دون طائل. وغالباً ما يتم افتعال هذه الفتن نتيجة لأحداث تافهة مثل زواج مسيحية من مسلم أو العكس، أو لخلاف على أمور وحقوق طبيعية للمسيحيين العرب مثل بناء كنيسة أو إقامة احتفال ديني. ثم هناك الخلاف على التبشير، لا سيما تبشير المسيحيين بديانتهم، مع العلم بأن المسلمين يبشرون بديانتهم في مختلف أنحاء العالم وعلى قنوات تلفزيونية فضائية عدة. وترسل المملكة العربية السعودية وحدها نحو 100 ألف داعية إسلامي إلى مختلف الدول الغربية والشرقية، ولا سيما الولايات المتحدة.

خريطة ديانات العالم
وتقودنا مسألة التبشير والدعوة إلى مناقشة مسألة الصراع الديني. فلو نظرنا إلى خريطة انتشار الديانات في العالم لوجدنا أن نصف سكان العالم يؤمن بإله واحد خالق للكون، ونصفهم لا يؤمن بذلك (الهندوس، البوذيون، اليابانيون ومعظم سكان الصين). إن هذا التوزيع يدلّ على استقرار التحولات الدينية الكبرى في العالم منذ انتشار الدين الإسلامي واستقراره في مناطق شاسعة من الكرة الأرضية. أي منذ ما لا يقلّ عن ألف عام.
الوجه الآخر للديانات في العالم أن ديانتين منها فقط هما ديانتا دعوة تسعيان إلى كسب واستقطاب أعضاء جدد في صفوفها، أي تسعيان إلى التوسع لتشمل سكان العالم كله إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وهاتان الديانتان هما المسيحية والإسلام. أما الديانات الأخرى فهي ليست ديانات دعوة ولا تهتم باكتساب أعضاء وأتباع جدد، بل لا يمكن أن يكون المرء عضواً فيها إلا بالوراثة (أي بالولادة). فاليهودي هو كل من ولد لأم يهودية، والهندوسي والبوذي هو كل من ولد لأب أو لأبوين بوذيين أو هندوسيين. إلى جانب هذا كله، لا يزال للديانات الإحيائية والأرواحية وجود ملموس في بعض مناطق العالم، ولا سيما في قارة إفريقيا ومنها جنوب السودان. يُضاف إلى هؤلاء عشرات آلاف وربما مئات آلاف الملحدين في الغرب والشرق.

المعركة الخاسرة ضد الديانات
لهذا كله نرى أن الصراع الديني والمذهبي لا طائل من ورائه ولن ينتج عنه إلا الدمار، بينما يظل أتباع كل ديانة على دينهم وعلى قناعاتهم وتصوراتهم لقضية خلق الكون والإنسان ومصيره النهائي، وسيظلون متمسكين بشعائرهم وطقوسهم. فمثلا، أن الهندوسي الذي يؤمن بتناسخ الأرواح وتجدد الحياة ولا يؤمن بوجود جنة ونار يكون من شبه المستحيل تغيير إيمانه هذا. وكمثال آخر، أن سبعين سنة من الحكم الشيوعي في روسيا وأوروبا الشرقية على أساس فكر وعقيدة غير دينية لم تتمكن من محو المعتقدات والقناعات الدينية لدى غالبية المسيحيين والمسلمين من مواطني الاتحاد السوفياتي. إن المعركة ضد الدين وضد الأديان لهي معركة خاسرة بالتأكيد، كما أن المعارك والصراعات فيما بين هذه الديانات لهي معارك خاسرة لجميع أطرافها. فقد ولـّى إلى غير رجعة عصر فرض الديانات أو دخول جماعات بشرية كبرى في ديانات جديدة. ونحن نرى أن أفضل ما يفعله العالم للتخفيف من صراعاته وأزماته أن يُترك أصحاب كل ديانة وشأنهم، مع عدم الاعتراض على التحول الفردي من ديانة إلى أخرى بناء على اقتناع الأفراد من دون أن يؤدي ذلك إلى حرب شعواء يسقط فيها آلاف الضحايا بينما تظل كل ديانة مستقرة على حالتها السابقة.

المواطنة والمساواة
إن أي تحليل علمي معمق يُظهر أن الصراعات الدينية ما هي إلا وجه أو غطاء خارجي للصراعات والتناقضات والتباينات الاقتصادية والسياسية (الصراع على السلطة والنفوذ والموارد) بين الجماعات البشرية. وكمثال بسيط من هذا العالم، نذكر الصراع الطائفي في لبنان بين المسيحيين والمسلمين. يستهجن المرء عندما يشاهد رجال الدين من الديانتين يقولون كلنا أخوة وأهل وأحباب، والمواطن العادي من الطائفتين يقول لا يوجد أي خلاف بيني وبين زميلي أو جاري المسيحي أو المسلم ولا أي شكل من أشكال التناقض والتضارب الديني. وهذا ما يقوله المصري المسلم والمصري القبطي. إذن أين مصدر الخلاف وأين يكمن سبب الصراع؟ إنه بالتأكيد لا يكمن في الاختلاف الديني العقيدي، وعلينا أن نركز بحثنا عن الأسباب في تكوينات النظم السياسية القائمة، ومدى عدلها بين الجماعات الدينية المختلفة التابعة لها، والدرجة التي يتم بها إقصاء جماعات دينية أو مذهبية معينة عن المشاركة في ثروات البلاد وخيراتها، وفي السلطة السياسية وإدارة الشؤون العامة. وإن التطبيق الفعلي لمفهوم المواطنة في الدولة الحديثة والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وتقويم المواطن بناء على مدى إخلاصه وعطائه للوطن، هما السبيل إلى القضاء على النعرات الطائفية في المجتمع. وكما قال لي أستاذ بريطاني متخصص في الفكر الديني: إن الخلاف العقائدي بين الكاثوليك والبروتستانت لن يُحلّ إلا يوم القيامة. وقد نقيس قوله على الخلافات العقيدية بين الطوائف الإسلامية، ولا سيما الطائفتين الشيعية والسنـّية. لكن ليس هناك ما يدعو إلى تحويل هذا الاختلاف إلى مصدر للنزاع والحروب الطائفية.

باسم سرحان هو كاتب وأكاديمي فلسطيني

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com